05-فبراير-2024
حامد الناظر وروايته الحطّابون (ألترا صوت)

حامد الناظر وروايته الحطابون (ألترا صوت)

أصدرت "دار الرواق" في القاهرة، حديثًا، رواية جديدة للروائي السوداني حامد الناظر بعنوان "الحطابون: سيرة غير ذاتية لحارس البوابة"، وهي الخامسة في رصيده بعد: "فريج المرر" (2014)، و"نبوءة السقا" (2015)، و"الطاووس الأسود" (2017)، و"عينان خضراوان" (2020).

تتناول الرواية عدة مواضيع تتفرع من موضوعها الرئيسي وهو الصحافة وعوالمها، التي يضعها الناظر في مرمى أسئلة تُعيد اكتشاف علاقتنا بها في العالم العربي، سيما أنه يتناولها من داخل غرفة الأخبار، حيث يُعاد تشكيل العالم على مدار الساعة على شكل عناوين وأخبار عاجلة وغير ذلك.

إنها نظرة على ما يحدث خلف أضواء الشاشات، وبريقها، وعالم صناعة الأخبار. وعلى الرغم من أنها تُثير الكثير من الأسئلة حول هذه المهنة، لكنها لا تُجيب عنها بقدر ما تضع القارئ أمام المزيد منها.


كيف ولدت فكرة الرواية؟ هل هناك عوامل وأسباب معينة دفعتك إلى كتابتها؟

لا أذكر حقًا كيف ولدت الفكرة، لكن ظلت الأسئلة المتعلقة بها موجودة في ذهني على الدوام لأنني أعمل فيها منذ أكثر من عقدين. الصحافة مهنة في نهاية المطاف، ومثل كل المهن هي جزء من تعقيدات الحياة، وهي فوق ذلك سلطة بالمعنى المجازي المعروف، والذين يعملون فيها - رغم شغفهم وإيمانهم - غير مجردين من صوتهم الإنساني وغير بعيدين في الوقت نفسه عن خطايا الانحياز وسوء التقدير أو حتى فخاخ التأثير والاختراق، لأن المجالات التي يتحركون ويؤثرون فيها أقوى بكثير من سلطتهم المجازية هذه، وهي بهذا المعنى مثيرة لغواية الكشف وإثارة الأسئلة والمتاعب.

العتبة الأولى للنص تضمنت اقتباسًا للكاتب الفرنسي ألبير كامو (1913 - 1960): "ربما تكون حرية الصحافة هي الحرية التي عانت أكثر من غيرها من التدهور التدريجي لفكرة الحرية". على أي حال، تخضع هذه الرواية مجال الصحافة نفسه للأسئلة حول ما ظلت تدعيه على الدوام.

  • حدّثنا عن الرواية، أحداثها ومضمونها وأفكارها والعالم الذي تأخذنا إليه؟ ما الذي تقوله، وكيف تقدّمها إلى قراء "ألترا صوت"؟

لا أحسن هذا الأمر دائمًا، لكن يمكنني القول باختصار إن أحداثها تدور داخل غرفة أخبار تلفزيونية، حيث يتشكّل العالم على رأس كل ساعة في صور متداخلة وعناوين وأخبار عاجلة وقصص وأفلام استقصائية. تُروى الحكاية بطريقة بولوڤونية على مرآتين متقابلتين، وعلى لسان شخصيتين رئيسيتين تدخلان مهنة الصحافة من الباب الخاطئ غالبًا، وبينهما قصة حب غريبة الأطوار، وأشياء أخرى غامضة.

حامد الناظر: لا تقدم الرواية جوابًا لسؤال ما هي الأخبار؟ ولا أي سؤال آخر، لكنها تجعل القارئ يضيف أسئلة جديدة وهو يشاهد العالم يتشكّل طازجًا على رأس كل ساعة

تقربنا هذه العلاقة الملتبسة بينهما من طريقة المحطات الإخبارية التلفزيونية في تناول الشأن الخبري، والبرامج الاستقصائية، وما وراء هذه الصناعة الحساسة، وما إذا كان فنًا أو سياسة أو بحثًا عن الأمجاد أو أشياء أخرى؟ هذا كل شيء تقريبًا.

  • هل من سبب وراء اختيارك "الحطابون" عنوانًا لها؟

كانت هناك عناوين كثيرة مقترحة من جانبي ككاتب، إلا أن ناشري العزيز في "دار الرواق" لم يكن متحمسًا لها فاقترحت غيرها وظل يرفض حتى اهتديت إلى عنوان "الحطابون"، ثم رأى أنه غير كاف أيضًا ويحتاج إلى عنوان ثانوي فاقترحت التالي "سيرة غير ذاتية لحارس البوابة" فتحمس له كثيرًا.

المقتطف التالي مثلًا تضمّن خاضه "خالد الصوفي" - أحد الشخصيات الرئيسية في الرواية - وألهمني عنوان "الحطابون" في النهاية، ولا بأس من اقتباسه هنا: "قهقه خالد وهو يشير بقبضته للأعلى وكأنما يؤكد انتصاره: (ها أنت قد عدتَ إلى النقطة التي انطلقتُ منها. الصحافة تعمل في ظلال المعلومات وليس المعلومات نفسها، ويدرك السياسيون هذا الأمر جيدًا ونتواطأ نحن معهم. إن أي تصريح، أو ما نسميه المقتطف الصوتي في تقاريرنا أو نشراتنا إنما هو حيلة في الأساس لإخفاء المعلومات وليس للتكرم بها، فعندما يتحدث أي سياسي في أي شأن فإنه يغطي على شأن آخر لا يود أن يُعرف، وهكذا يغرس أشجارًا كثيرة كاذبة في تلك الغابة التي نحتطب فيها، ونساهم بدورنا في الملهاة الكبرى التي تسمى الأخبار، عاجلها وآجلها). ثم قهقه مجددًا احتفالًا بنصره الصغير".

  • ما الذي يميّز هذه الرواية عما سبقها؟ بماذا تختلف عنها؟ وما الجديد الذي تقدّمه مقارنةً بها؟

ربما الفضاء المكاني. الحيز الضيق والشخصيات المحدودة جدًا التي لا تتجاوز الثلاث، هذا كان تحديًا كبيرًا بالنسبة لتجربتي في الكتابة. رواياتي السابقة كانت محتشدة بالشخوص وتعدد الأمكنة والأزمنة والأحداث نظرًا لطبيعة الموضوعات التي ناقشتها. أشعر هذه المرة أن العمل جاء مركزًا ومكثفًا بطريقة حادة ما تزال تخيفني. على مستوى الموضوع أيضًا هو جديد تقريبًا من الزواية التي أضاءتها الرواية. لا أود الكشف عن العمل وأفسد المفاجأة لكنه يقترب من حدود الخطر في بعض تفاصيله.

الصحافة ظل للسياسة في عالم اليوم، وهي وسيلة دعائية فجة في عالمنا العربي، وانتقامية أيضًا، والإيمان بها وبدورها يتطلب استعدادًا خاصًا للتعامل مع تأثيراتها التي لا مهرب منها، وهذا بعض ما تطرحه الرواية بأسلوبها.

  • ما الذي يسعى حامد الناظر إلى قوله عبر هذه الرواية؟ هل من رسائل معيّنة؟

لا أفكر أبدًا في إرسال الرسائل عندما أكتب لأن هذا ليس من أدوار فن السرد. أفكر دائمًا في إثارة الأسئلة. تفتح هذه الرواية بابًا سريًا على غرفة أخبار تلفزيونية. إنها تتيح لقارئها وكاتبها، أن يقفا معًا في زاوية بعيدة معتمة حيث يمكنهما أن يريا الكثير مما يحدث خلف أضواء الشاشات وبريقها وعالم صناعة الأخبار وكيف يتشكل.

لا تقدم الرواية جوابًا لسؤال ما هي الأخبار؟ ولا أي سؤال آخر، لكنها تجعل القارئ يضيف أسئلة جديدة وهو يشاهد العالم يتشكّل طازجًا على رأس كل ساعة. قد يعيد التفكير في أخبار كثيرة شاهدها من قبل، وستقفز إلى ذهنه عناوين وصور وكلمات محددة منها، وقد يعيد صياغتها أو تركيبها من جديد، فيتساءل لماذا وكيف؟ قد تساوره شكوك كثيرة بشأن ماهية الأخبار وتجلياتها المختلفة، وما إذا كانت غاية أو وسيلة، أصلًا أو مسخًا، لكن لن يخالجه شك في أنها لن تكون هي، من دون تلك اللعبة الخطرة التي تسمى الفن، وذلك الإله العتيد الذي يحرسها ويبدع شرائعها التي لا تكتب، وإن كتبت، لا تُقصد.

  • هل هناك قراء معينون تأمل أن يصلهم الكتاب؟ وهل تكتب في العادة إلى فئة معيّنة من القرّاء؟

أتمنى أن يصل للجميع ويُقرأ. في العادة لا أكتب لأحد أو لفئة محددة، لكن ليس كل ما يكتب يناسب الجميع بالطبع. الرواية فن، ولها خصائصها وأدواتها وأهمها سلطة الخيال وذلك القدر الكبير من الحرية وسلطة توليد الأسئلة وإثارتها. إذا لامس سطر واحد فيها حياة قارئ واحد فإن ذلك مصدر سعادة كبيرة بالنسبة لي. أكتب للجميع، ومن أجل أن أفهم نفسي والعالم من حولي بالدرجة الأولى.

  • هل هناك ما تود إضافته حول الرواية؟

باختصار هي حكاية "خالد الصوفي" و"دينا مطبعجي" يرويانها على مرايا متقابلة تمتص الأضواء ولا تعكسها أبدًا. هذه هي الرواية العربية الأولى في ظني التي تقترب من عالم صناعة الأخبار إلى هذه المسافة القريبة جدًا وأرجو أن تكون قد طرحت الأسئلة الصحيحة.