31-مايو-2018

تصميم ألترا صوت

ألترا صوت- فريق التحرير

يعدُّ الشهرستاني واحدًا من العلماء البارزين في علم الكلام وأديان الأمم ومذاهب الفلسفة في عصره. قال عنه ابن تغري بردي: "كان إمام عصره في علم الكلام، عالمًا بفنون كثيرة من العلوم، وبه تخرّج جماعة كثيرة من العلماء". ووصفه ياقوت الحمويّ بـ "الفيلسوف المتكلّم، صاحب التصانيف، وافر الفضل، وكامل العقل". بينما وصفه الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء بـ "شيخ أهل الكلام والحكمة".

ولد محمد بن عبد الكريم بن أحمد أبي الفتح الشهرستاني في بلدة "شهرستان" وسمي نسبةً إليها، وذلك في سنة 467 هجرية، وتوفي فيها سنة 548. ويشير البعض إلى أنّه ثمّة لغطًا لجهة دقّة تاريخ ولادته، إذ رجّح البعض أن يكون قد ولد سنة 469، بينما يقول آخرون أنّه ولد سنة 479، ليكون هذا التاريخ هو المتّفق عليه نسبيًا لولادة الشهرستاني.

يُقال إنّ الشهرستاني كان منذ صغره مولعًا بطلب العلم، وكان دائمًا ما يتردّد على الحلقات العلمية التي كانت تُعقد في مساجد بلدته آنذاك، حيث نهل كمًّا لا بأس به من العلم والمعرفة على يد علماء بلدته. وعلى الرغم من ذلك، كان أيضًا مُحبًا للسفر طلبًا للمزيد من المعرفة، إذ جاب البلاد الإسلامية موسّعًا من دائرة معرفته وعلمه على يد عُلماء مُختلفين. وقيل إنّ مجالسه العلمية كانت لشدّة جلالها وعمقها تُسجّل وتدوّن، ويحضرها صفوة الشيوخ والعلماء في ذلك العصر. حتّى بات لشدّة علمه يُلقّب بـ"الأفضل".

للشهرستاني مؤلّفات عديدة أكثرها شهرةً كتاب "الملل والنحل" الذي تناول تاريخ الفرق الإسلامية من جوانبها المختلفة، واستعرض فيه ظروف نشأتها التي جاءت نتيجة طبيعية للصراعات السياسية التي دارت بعد وفاة النبي، والتي أحدثت شرخًا واسعًا في صفوف المسلمين آنذاك، ليتفرّقوا في جماعات ومذاهب مختلفة، استعرض صاحب "مصارعة الفلاسفة" في كتابه هذا مدارسها ومعتقداتها ومواطن الخلافات الدينية والفقهية فيما بينها. مُشيرًا إلى أنّه يعرض هذه الفرق واختلافاتها بعيدًا عن التعصّب، ودون أن ينصّب نفسه قاضيًا يُحاكم فرقة ويبيّن فساد أخرى.

ويوضّح في الصفحات الأولى لكتابه أنّ غرضه من تأليف هذا الكتاب هو تقسيم أهل العالم وفقًا للآراء والمذاهب. مُفرّقًا في الكتاب بين الديانات والملل والأهواء والنحل، إذ قال في مقدّمة الكتاب أنّ أرباب الديانات هم المجوس واليهود والنصارى والمسلمين. بينما صنّف أهل الأهواء على أنّهم الفلاسفة والدهرية والصائبة وعبدة الكواكب والأوثان والبراهمة. وفي تفريقه للفرق والمذاهب الإسلامية، وضع صاحب "المناهج في علم الكلام" لنفسه ضوابط تضمّنت أربع قواعد، شملت الأولى الصفات والتوحيد، أي صفات الله التي تختلف الفرق في إثباتها أو نفيها. بينما جاءت الثانية لتتناول القدر والقضاء والجبر الذي يختلف حولها الفرق القدرية والنجارية والجبرية والأشعرية والكرامية. أمّا الثالثة فجاءت وفقًا للمسائل المتعلقة بالإيمان والتوبة والتكفير، والتي يختلف حولها المرجئة والوعيدية والمعتزلة والأشعرية والكرامية. أما القاعدة الأخير، فتتعلّق بالسمع والعقل والرسالة والأمانة، والتي يدور الخلاف حولها بين الشيعة والخوارج والمعتزلة والكرامية والأشعرية.

بعيدًا عن الفرق الإسلامية، تناول الشهرستاني في هذا الكتاب ديانات أخرى استعرض فرقها أيضًا، كاليهود والنصارى ومن بعدها الديانة المجوسية والوثنية. كما أفرد حيزًا واسعًا للحديث عن الآراء الفلسفية في عصره. لينجز بذلك كتابًا مرجعيًا وموسوعيًا أثار اهتمام العرب، ونال اهتمامًا عالميًا بدأ بترجمة نص الكتاب إلى اللغة الإنجليزية سنة (1842-1846). تلاه نقل الكتاب إلى اللغة الألمانية ومن بعدها التركية والروسية.

يقول سعيد الغانمي، محقق الطبعة الأكثر ثقة بين الطبعات العديدة لهذا الكتاب: "يمثّل كتاب "الملل والنحل" للشهرستاني واحدًا من أهم الأعمال العربية الإسلامية في الكتابة في ما أسميه "علم المقالات"، ويعدّ تتويجًا لسلسلةٍ من الأعمال الكثيرة التي سبقته في هذا الموضوع (...) ولا يتردد الدارس المنصف لفرادة هذا الكتاب بالقول إنه أهم موسوعة في دراسة الأديان والعقائد دراسة موضوعية حيادية، على مستوى التاريخ الإنساني قبل العصر الحديث".

 

اقرأ/ أيضًا:

ركن الورّاقين: موسوعة رحلات العرب والمسلمين إلى فلسطين (1/2)

ركن الورّاقين: موسوعة رحلات العرب والمسلمين إلى فلسطين (2- 2)