11-مارس-2019

متظاهرون يسقطون صورة لبوتفليقة في الجزائر العاصمة (أ.ف.ب)

ألترا صوت - فريق التحرير

لم يكن قطاع واسع من النّخبة المثّقفة في الجزائر مواكبًا للحراك الشّعبيّ، الذّي انطلق يوم 22 شباط/ فبراير الماضي، رفضًا لولاية خامسة للرّئيس عبد العزيز بوتفليقة، بما جعل شباب الحراك يُوجّهون سهام النّقد للصّامتين منهم، ويرفضون التحاق البعض لاحقًا. وهو الوضع الذّي أصاب كثيرين بالحرج، فراحوا يعوّضون تأخرهم بطرق مختلفة، في إطار ما عرف في أدبيات الحراك بـ"ركوب الموجة".

بادرت نخبة كبيرة من المثقفين الجزائريين إلى بعث رسائل احتجاجية للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، في إطار دعم الحراك الشعبي

بين نيّة تبرئة الذّمّة ومآزرة الحراك، ونيّة ركوب الموجة والظّهور بمظهر مثقّف الحراك، ونيّة رفع الحرج من الشّعب، الذّي وجد نفسه أعزل إلا من وعيه وسلميته وعدالة مطلبه، بادرت نخبة كبيرة من المثقفين الجزائريين إلى بعث رسائل إلى الرّئيس عبد العزيز بوتفليقة ومحيطه، الذّي يصرّ على الاستمرار في السّلطة، رغم الرّفض الشّعبيّ لذلك، نرصد لكم بعضها هنا:

اقرأ/ي أيضًا: خيارات "محيط" بوتفليقة تضيق أمام توسع قاعدة الحراك الجزائري ووحدتها 

أمين الزّاوي: "لا تفرّق الجزائريين بعد أن جمعتهم"

بين مرحّب بها على أساس أنّها دعم للحراك ورافض لها على أساس أنّها بلا مصداقية، بحكم أنّ صاحبها كان يدور في فلك الرّئيس بوتفليقة، حين كان مديرًا عامًّا للمكتبة الوطنيّة الجزائريّة؛ تقول رسالة الرّوائي أمين الزّاوي لبوتفليقة: "لقد احتفل بك هذا الشّعب حين جئت للسّلطة، فاستقبلك بكثير من الأمل والاحترام، وبكثير من الحلم، الذّي غيّبته العشريّة السّوداء بدمها المهدور وكراهياتها الفائضة، مع أنّك في كّل ذلك لم تكن سوى استمرار لما قام به السّيد الرّئيس اليمين زروال، في قانون الرّحمة".

مضيفًا: "جئت وأنت تتغنّى بجمع المتفرّق في الجزائريين، إذ كنت تقول إنّك لاقيت بين الجزائريين ذوي اللّحى وذوات الميني جيب". مستطردًا: "السّيّد الرّئيس، أردت أن تصنع جزائر المؤسّسات على أساس الطّاعة لا على أساس القانون، فجاءت حسب رغبتك لا على شاكلة التّاريخ، وحين مرضت أصبحت المؤسّسات، التّي حرصت على صناعتها على مقاسك وذوقك ونرجسيتك السّياسيّة، مريضة مثلك. وحين عمّ المرض و تعمّم الشّلل في المؤسّسات و في النّظام، تحرّك ما بقي من الشّعب، الذّي لم يجرفه مال الفساد، فخرج إلى الشّارع".

ويكمل صاحب رواية "يصحو الحرير"، في الرسالة التي نشرها عبر فيسبوك: "السيد الرئيس، أنت الآن، والنّظام بأكمله أمام خيار وحيد، إمّا الانسحاب أو الخراب، وأعرف أنّ من يتلذّذ بعسل السّلطة لا يُمكنه أن يُسلّم المشعل بسهولة، والذّي هو مشعل منطفئ أساسًا، ولكنّ التّاريخ القريب يُذكّرنا بحال بعض الأنظمة وبعض الزّعماء، الذّين حاصرتهم الشّعوب في أوروبّا الشّرقية، وفي العالم العربيّ، وفي شمال أفريقيا، فكانت نهايتهم فجائعية".

سليمان بخليلي: "لا تخسر رصيدك النّضاليّ"

يعترف المنشّط والمنتج التّلفزيونيّ سليمان بخليلي في رسالته للرّئيس بوتفليقة بكونه لا يعرف عنوانه، "لأنّني لست متأكدًا من إمكانية وصول رسالتي هذه إليك، مادامتْ رسائل الشّعب الحادّة والغاضبة والصّاخبة لم تصلك"، كما قال، مستدركًا: "بل إنّها وصلتْ إليك مُحرَّفة عن لفظها ومعناها وسياقها حسبما سمعناه من رسالتك إلينا حين أصبحتْ هتافات الشّباب مجرّد آهات، وصراخ الشّعب الهادر مجرد قلق حرّكته الرّيبة والشكوك".

ويضيف: "لم يعدْ بإمكاني، والحرائقُ تشتعل في كلّ مكان، أن أبقى صامتًا أو محايدًا، فحيادُ أمثالي اليوم هو وصمة عار على جباههم، بل إنّ حيادي وصمتي ووقوفي مكتوفَ اليد أمرٌ يُعاقب عليه القانون، من حيث كونه أشبه بوقوف أيّ شخص أمام جسدٍ جريح دون أن يُسعفه أو يأخذ بيده، فما بالك عندما يتعلّق الأمر بمن يستطيع أن يقدّم الدّواء ولو على شكل نصح، ويُطَهِّر الجراح ولو بالكحول، ويكوي بالنّار -إذا لزم الأمر- المنطقة المصابة بالورم".

 

 

من هنا، يقول صاحب برنامج "خاتم سليمان" ذائع الصّيت، في رسالته التي بثها عبر فيسبوك: "أكتب إليك يا سيادة الرّئيس، بدون أيّة مصلحة ماديّة كي أناشدك اللهَ من أجل الجزائر، ومن أجل تاريخك النّضاليّ، ومن أجل ماضيك المشرّف، أن تعدلَ عن المضيّ في ترشّحك للانتخابات الرّئاسيّة. فهل يُعقَلُ أن تصُمَّ أذنيك عن هتافات الجماهير الغاضبة وهي تدعوك للرّحيل، مرفوقة أحيانًا بكلام سيّء ومسيء يجعلنا نتألّم، ونحن نسمع ما لا يُشرف مسارك ولا مكانتك؟".

محمّد بوعزّارة: "لا تكن ضدّ إرادة الشّعب"

رسالة الإعلاميّ محمد بوعزارة، عضو اللّجنة المركزيّة للحزب الحاكم، الذّي أعلن استقالته منه انسجامًا مع الحراك الشّعبيّ، ناشدت الرّئيس ألّا يقف في وجه الإرادة الشّعبيّة، "إذ لا يُمكن أن يكون الإنسان العاقل خاصّة من يتبوّأ مثلك موقع القاضي الأوّل وحامي الدّستور أن يكون ضدّ إرادة الشّعب"، على حد قوله.

وأضاف بوعزارة: "لم تكن مسيرات جمعة 22 شباط/فبراير، ولا مسيرات جمعة الأوّل من آذار/مارس، مسيراتٍ عبثية ولا تحرّكها أيادٍ أو بيادق. كانت مسيراتٍ تعبّر عن غضب شعبيّ كنّا نحس به قبل ذلك في آهات الوطنيّين والمواطنين عمومًا في المقاهي والمساجد والشّوارع".

مستطردًا: "وكنّا نعيشه مع الهاربين في قوارب الموت والفارّين من وطن كم كان الشّهداء والمجاهدون الأصفياء يرسمونه لنا بكلّ الألوان الجميلة بعد استعادة الاستقلال. مسؤوليتك كبيرة في هذا الظرف العصيب سيّدي الرّئيس. التّاريخ لن يرحم".

أحميدة عيّاشي: "أنت محاصر يا شقيق الرّئيس"

ما ميّز رسالة الإعلاميّ والكاتب والنّاشط الحقوقي أحميدة عيّاشي، أنّها موجّهة لشقيق الرّئيس السّعيد بوتفليقة، المعروف عنه كونه "الحاكم الفعليّ للبلاد"، ولم يترك منبرًا مناهضًا لأخيه الرّئيس إلا خنقه، مثلما فعل عام 2014 مع جريدة "الجزائر نيوز"، التّي كان يملكها صاحب الرّسالة.

يُخاطب أحميدة عيّاشي شقيق الرّئيس ومستشاره الخاصّ بالقول: "تخيّلت أنّك أصبحت وليّ العهد. وما هي إلا فترة وستكون الحاكم الفعليّ. كنت تحضّر نفسك رفقة رعيّتك لتصبح على رأس "جبهة التّحرير الوطنيّ" في جويلية القادم. لكنّ ثورة الشّعب السّلميّة أخلطت كلّ حساباتك".

ويضيف: "انفجرت الثّورة بهدوء خلّاب. ثورة نقيضة لكلّ السّيناريوهات، التّي كنتم تخوّفون بها الشّعب؛ لا حرب التّسعينيات، لا سوريا ولا ليبيا، بل هي الجزائر الجديدة الواثقة من نفسها، السّائرة نحو استرجاع ربيعها المغتصب مرّتين، على إثر إشعال فتيل الحرب الأهليّة باختلاق فتنة الجهاد والإرهاب، وعلى إثر عمليّة اغتصاب الجزائر، بعد العهدة الثّانية عندما تواطأ توفيق مدين (مدير جهاز المخابرات) مع شقيقك للانقلاب مجدّدًا على مسار الشّرعيّة والدّوس على الدّستور باستبدال العهدتين بعهدات مفتوحة".

ويخلص صاحب الرّسالة إلى توجيه السّؤال التّالي لشقيق الرّئيس بوتفليقة: "كيف ضللت الطّريق، وأنت الذّي ناضلت يوم كنت جامعيًّا إلى جانب قوى التّقدّم؟ انظر إلى كلّ أولئك الأنذال، الذّين كانوا يُحنون الرّؤوس أمامك كيف أصبحوا يُهيّئون أنفسهم للهروب من المركب ويستعدون للانقضاض عليك؟".

خص الإعلامي والناشط الحقوقي أحميدة عياشي، رسالته بشقيق الرئيس السعيد بوتفليقة انطلاقًا من كونه الحاكم الفعلي للبلاد منذ سنوات

يُذكر أنّ الفنّانين والمثقّفين الجزائريين أصدروا بيانين شجبوا فيهما خيار ولاية خامسة للرّئيس بوتفليقة، داعيين إلى "مرحلة انتقاليّة يتمّ بموجبها انتخاب مجلس وطنيّ تأسيسيّ، مَهمّته وضع دستور ديمقراطيّ يُعرض على استفتاء شعبيّ حرّ تحضيرًا لانتخابات رئاسيّة وبرلمانيّة، مع إنشاء الهيئة الوطنيّة للعدالة والمصالحة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

موجة الحراك الجزائري الثالثة.. تنوع أكثر وخطاب أوضح 

ثلاث خواطر من داخل الحراك السلمي في الجزائر