29-أكتوبر-2015

ذوو الاحتياجات الخاصة يعانون من عزلة داخل المجتمع الجزائري(دومينيك فاجات/أ.ف.ب)

يوجد في الجزائر، حسب الإحصاءات المتوفرة، أكثر من مليوني شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة ويعاني أكثر من أربعة وأربعين في المائة منهم من إعاقة حركية، وهم في الآن ذاته يعيشون عزلة عن المجتمع ويعتمدون على منحة شهرية قيمتها أقل من ثلاثين يورو. لا تفتح السلطات الجزائرية هذا الملف إلا في اليوم العالمي أو اليوم الوطني لذوي الاحتياجات الخاصة، وتؤكد عادة وضعها كافة الإمكانيات تحت تصرف هذه الفئة من المجتمع، بما يسمح لهم الاندماج فيه.

وكانت الوكالة الوطنية لتسيير القروض المصغرة، قد أعلنت في وقت سابق عن دعمها لهذه الفئة، من خلال تقديم قروض لفائدة الأشخاص الذين يملكون حرفة أو مهارات تسمح لهم بخلق نشاط تجاري، كما تضمن قانون المالية لسنة 2014، مادة  تنص على التكفل  بالتجهيزات  اللازمة للمؤسسات المقبلة على تشغيل شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، بتمويل من وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة.

دعم مادي بأقل من ثلاثين يورو شهريًا

في الواقع، يعتبر الدعم المقدم لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة بسيطًا جدًا في الجزائر وهي فئة تعاني من التهميش والإقصاء من التكوين في الحرف والرياضة والمهن اليدوية، رغم تميز الكثير منهم بإمكانيات ومواهب وطاقات كبرى. يقتصر الدعم المقدم حاليًا على منحة حكومية لا تتجاوز ثلاثين يورو في الشهر لمن يعاني إعاقة بنسبة مائة في المائة وهي تقل مع انخفاض نسبة الإعاقة.

يعيش ذوو الاحتياجات الخاصة في الجزائر عزلة عن المجتمع ويعتمدون على منحة شهرية قيمتها أقل من ثلاثين يورو

وبالرغم من أن المبلغ الشهري الذي تخصصه الدولة مهين وبسيط إلا أن الحصول عليه ليس بالسهولة التي يعتقدها البعض، إذ يتوقف ذلك على بلوغ الشخص الذي يعاني الإعاقة سن الرشد، المقدر بثماني عشرة سنة في الجزائر، وقبل ذلك السن يكون غير معني بالمساعدة المادية باعتباره تحت رعاية والديه بغض النظر عن المستوى المعيشي للعائلة، ويشمل هذا القرار مختلف فئات ذوي الاحتياجات الخاصة من الذين يعانون إعاقة ذهنية أو بصرية أو جسدية، ومن أصحاب متلازمة "داون" والتوحد وغيرهم. وفي حال تزوج الشخص الذي يعاني من الإعاقة وصار يكفل عائلة فإن قيمة المنحة الشهرية ثابتة.

الاعتصام والانتحار.. آخر حلول ذوي الاحتياجات الخاصة

في الوقت الذي تتحدث فيه السلطات الجزائرية عن مشاريع اقتصادية كبرى لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة، لا تخصص لهم سوى منحة بسيطة مرتبطة بشروط كثيرة وتمارس ضدهم بيروقراطية إدارية وتعقد إجراءات إيداع ملفاتهم. وكان الحل بالنسبة للكثير منهم، توجيه نداءات للمواطنين عبر وسائل الإعلام والجمعيات الخيرية من أجل شراء كراسي متحركة، تركيب أعضاء اصطناعية، شراء أدوية، وغيرها من اللوازم التي لا توفرها الدولة ولا تكفي المنحة الشهرية إطلاقًا لتغطية نفقاتها.

في المقابل يلجأ البعض منهم، وأغلبهم من ضحايا الأخطاء الطبية وضحايا حوادث المرور وحوادث العمل، إلى طرق أخرى من أجل إيصال رسائلهم والمطالبة بحقوقهم كالإضراب عن الطعام، والاعتصام أمام بعض الهيئات الإدارية والمؤسسات الحكومية، على غرار قيام  شاب يعاني من إعاقة حركية، مؤخرًا بالاعتصام أمام كلية الحقوق بالجزائر. وتتسبب هذه المعاناة عند آخرين في إقدامهم على وضع حد لحياتهم أمام تهميش الدولة واغتصابها لحقوقهم وقهر المجتمع والعائلة أيضًا. وقد أقبل شاب، في السادسة والعشرين من العمر، على الانتحار في الشرق الجزائري بسبب الوضع المزري الذي كان يعيشه، والضغط الذي تمارسه عليه أسرته التي تطالبه بالعمل بالرغم من إعاقته على مستوى اليدين، لينتهي به الأمر بعد عجز تام إلى الانتحار.

مراكز مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة.. لكنها غير متاحة

تؤكد الحكومات الجزائرية المتتالية توفيرها المراكز والهياكل الضرورية للتكفل بذوي الاحتياجات الخاصة منذ سن الطفولة وإدماجهم في الحياة العملية والاجتماعية، وقد أعلنت سنة 2013 عن فتح خمسة وعشرين مركزًا بيداغوجيًا للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ذهنيًا.

تؤدي معاناة البعض من ذوي الاحتياجات الخاصة إلى إقدامهم على وضع حد لحياتهم أمام تهميش الدولة واغتصابها لحقوقهم

كما أحصت وزارة التضامن الوطني والأسرة في نفس السنة، مائة وستة وثمانين مركزًا للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة موزعين على مختلف محافظات البلاد، وأعلنت أنها تتكفل بأكثر من ستة عشر ألف طفل معاق. وكانت ذات الوزارة قد أعلنت سنة 2011، أن نسبة نجاح الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم الابتدائي قدرت بأكثر من تسعين في المئة، وخمس وستين في المئة في شهادة التعليم المتوسط، أما في شهادة البكالوريا/الثانوية العامة فقدرت النسبة بسبعة وأربعين في المئة.

وتوجد هذه المراكز المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة عادة في المحافظات الكبرى، وتبعد عن المحافظات الصغيرة والريفية بالرغم من استقرار أغلب ذوي الاحتياجات الخاصة بها. ويحول ذلك دون التحاقهم بالمراكز المخصصة لهم بسبب صعوبة التنقل وغياب التهيئة التي تسمح لهم بالتفاعل مع المجتمع والاندماج فيه، فحافلات النقل الجزائرية الحكومية والخاصة أيضًا، لا توفر مقاعد وأبواب خاصة بهذه الفئة لا سيما منهم ذوي الإعاقة الحركية، ما ينجر عنه تنقلهم بمساعدة أشخاص آخرين وبصعوبة كبيرة ولا يقتصر الخلل على صعوبة التنقل فقط وإنما يشمل المحيط الخارجي بصفة عامة، أين يسجل غياب تام لممرات خاصة بذوي الإعاقة على مستوى الطرقات وأيضًا المؤسسات ومختلف الإدارات.

المجتمع المدني الجزائري.. الأمل الأخير

ينشط عدد محدود من الجمعيات والمنظمات في مجال حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في الجزائر، لكن تبقى أنشطتهم فسحة الأمل الوحيدة. أصدرت جمعية "أمل نور السلام للتضامن" بمحافظة المسيلة، صحيفة أسبوعية جزائرية تعنى بذوي الاحتياجات الخاصة، تحت مسمى "عبير" وتنقل مشاغلهم وتخصص خمسين في المئة من أرباحها كمساعدات مادية لفائدتهم. وتأتي هذه المبادرة من أجل خلق صوت إعلامي يخدم هذه الفئة وينقل مشاغلها للمسؤولين والمواطنين الراغبين في المساعدة.

من جهة أخرى، لاقى مشروع جمعية "اليمامة" رواجًا، باعتباره سابقة في الجزائر، وهو يتمثل في الإدماج المدرسي للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في محاولة لتقليل الفوارق بينهم وبين باقي الأطفال، وتفادي استبعادهم من قبل المعلمين لعدم ملاءمة المدرسة وخصوصيتهم. وكان بشير براق، رئيس جمعية "اليمامة" الناشطة في محافظة الجزائر، قد قدم مشروعًا من أجل الاعتراف بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم، والحياة المهنية والحق في الثقافة. وحمل المشروع شعار "الإدماج التربوي للطفل المعاق في المدارس العادية".

وعلى صعيد آخر، قام مجموعة من الشباب المتطوعين، بإنشاء صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وهي تهتم بنقل أخبار وانشغالات ذوي الإعاقة، وقد تمكنت من استقطاب خمسة وأربعين ألف معجب، وما بين ثلاثة آلاف إلى سبعة آلاف مشاهدة يوميًا لمنشوراتها، في محاولة لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة ليكونوا أكثر فاعلية واندماجًا في مجتمعهم.

اقرأ/ي أيضًا:

ضربة أخرى في مرمى شباب الجزائر

في الجزائر.. العمل دون عقد أو تأمين اجتماعي