استشهد لما انتبه أن ساقيه سبقتاه إلى المقبرة

 

في الجامعة حاولت أن أكون عضوًا في التنظيم ومُحبًا يجيد إلقاء النكات

وفشلتُ بعد مظاهرة طلابية أخبرونا فيها أن الطائرات المصرية تغير على حيفا.

المتحدث حينها كان من حركة فتح،

يومها سقط عشرة شهداء على حاجز حوّارة جنوب نابلس

كنت أركض معهم خلف شاحنة مرسيدس 608 حمراء اللون،

استدارت بعد أن وصلت بالمتظاهرين إلى الحاجز.

في المركز الثقافي الفرنسي وبعد حديث طويل عن المخابرات

وسلوك الثوار في الشارع وبينما كان مساء المدينة يرسم صورتها

على مدخل المخيم، قصفت الأباتشي سيارة تقلّ ثلاثة مقاتلين

من الجبهة الشعبية وفتح. استشهد اثنان، بينما المقاتل الثالث

الذي أنقذ على عجل من سيارة السبارو وكان يصرخ إنه حي،

استشهد لما انتبه أن ساقيه سبقتاه إلى المقبرة.

دفنتُ أصدقاء بيدي تلك الأيام وكانت الزنازين مفتوحة والمقابر أيضًا

وكانت الأشياء تتداخل في بعضها لتأخذ لونًا واحدًا،

حتى ظننا أن الشمس وقتها ستشرق من الغرب.

 

يظن أنه خسر أباه إلى الأبد

 

اليوم مثلا كان العشب مبتلًا

والكلاب لم تغادر باتجاه جحورها بعد

ومطر فبراير كان يدفع بالشتاء نحو التلال وكنت أفكر فيك.

وفي الحقيقة مضى وقت طويل وأنا لا أفعل شيئًا غير ذلك.

أصدر عمر دياب خمسة ألبومات على الأقل

وأصدر صديقي ثلاثة كتب.. تبعها مؤخرًا برواية.

ومرت مواسم كثيرة خسرانة وهاجر الناس

وما زلت أفكر أنك حقيقية مثل الله

وأنه باستطاعتي التأكيد لك أن الإيمان

هو قدرة شخصين الادعاء أن أشياء كثيرة حدثت بينهما في الزمن الماضي

بينما ليس هناك من ماض بينهما ولا زمن ولا شيء!

فقط هناك شخصان، واحد يتمشى برفقة الآخر

ويتحدث معه عن الله والإيمان والأمنيات السابحة بالهواء

ويظن أنهما متفاهمان، يظن أنهما يستطيعان مواصلة المشي

والتلويح من بعيد لمارة مثلهما يتظاهرون بالمشي والحديث!

الآخر لم يكن يعنيه الأمر، كان يحمل شروده وفاقدًا لكينونته.

يظن أنه خسر أباه إلى الأبد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لا يوجد سيناريو آخر

ألم أصغر من أن أقوله