23-يوليو-2019

يظهر فشل الخطط الاقتصادية للحكومة المغربية في حياة الناس اليومية (Morocco World News)

إعداد: رجاء غرب وسفيان البالي

في خطوة جديدة، يوم الثلاثاء الماضي عادت مؤسسة كريستين لاغارد لتشدد على الحكومة المغربية إسراع الخطى نحو الانتقال من نظام الصرف الثابت إلى نظام الصرف المرن للدرهم، أو ما يطلق عليه باصطلاح أهل الاقتصاد "تعويم الدرهم"، وذلك "لتقوية الاقتصاد المغربي لمواجهة الصدمات الخارجية" كما ورد في توصيات البنك الدولي.

واقع وردي للاقتصاد المغربي يكد العثماني وحكومته في رسمه، يتبدد مباشرة بعد النزول إلى الشارع، الذي لو كان له عنوان عريض هذه السنة لكان "الاحتقان الاجتماعي العام"

وفي شهر نيسان/أبريل الماضي، كان البنك قد أصدر تقريرًا مطولًا عن الوضع الاقتصادي بالمملكة. سطر فيها على نجاح المرحلة الأولى من الانتقال إلى مزيد من المرونة في سعر الصرف، مؤكدًا أن الظروف الاقتصادية الحالية للبلد مناسبة لمواصلة "الإصلاح" لأغراض وقائية، كونها ستساعد الاقتصاد على امتصاص الصدمات الخارجية المحتملة والحفاظ على قدرته التنافسية الخارجية.

اقرأ/ي أيضًا: حراك الريف.. انتهاكات الأمن مستمرة بتعذيب المعتقلين داخل السجون

أيضًا، دعا صندوق النقد الدولي الحكومة المغربية إلى مواصلة التوحيد المالي، الذي أطلقته في كانون الثاني/يناير 2018، وذلك بتوسيع نطاق تداول الدرهم مقابل العملات الصعبة إلى 2.5 في المئة من السعر المرجعي من 0.3 في المئة. مبررًا تكرار دعوته هذه، بكونه يسعى إلى الحفاظ على قدرة المغرب في تحمل المديونية، وحماية الاستثمارات ذات الأولوية والإنفاق الاجتماعي على المدى المتوسط.

تضارب التقارير

"المغرب متشبث بتوصيات البنك الدولي بشأن تعويم الدرهم"، هكذا تعلنها مراسلة وزير المالية محمد بنشعبون ووالي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري مع رئيسة البنك الدولي كريستين لاغارد، بتاريخ الـ 25 من كانون الثاني/يناير من هذه السنة. في شكل عرض مطول للسياسات الاقتصادية والإصلاحات التي تنتهجها المملكة. كما يؤكد نص المراسلة انخراطه في كل الإجراءات التي ينبغيها تحقيق أهداف خط الائتمان والسيولة الممنوح من البنك الدولي، والذي طلبته الحكومة سابقًا في رسالة مماثلة بتاريخ 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2018.

لاحقًا، في الـ 20 من شباط/ فبراير، صادق البنك الدولي على تمويل يقدر بـ5 ملايير دولار، يدخل ضمن إطار برنامج المساعدات المالية والفنية للمغرب، ويمتد على طول الأعوام الستة المقبلة استجابة لطلب الحكومة المغربية، والتي ستكون مسؤولة عن إعداد إدارة البرنامج.

"المملكة بمنعطف هام في تاريخها، ولها فرصة فريدة لتحقيق نمو قوي يشمل الجميع بثماره، وذلك بالاستفادة من الاتجاهات الإيجابية التي يشهدها المجتمع المغربي، ومنها التوسُّع الحضري والعمراني، والتحوُّل الديموغرافي"، يقول بلاغ البنك إثر ذلك، فيما أعربت ماري فرانسواز ماري نيلي، مديرة دائرة منطقة المغرب العربي بالبنك الدولي، عن ثنائها على الحكومة قائلة: "قد أطلقت الحكومة خططًا طموحة لتلبية طموحات الشباب وتطلعاته، وستلقى هذه الجهود المساندة الكاملة من مجموعة البنك الدولي".

بالمقابل، فإن حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامي في نسختها الثانية، والتي تباهي "بشجاعة" تنزيلها للإصلاحات التي أقرها البنك الدولي، تثمن حصيلتها لحد الآن: "نحن أمام حصيلة فيها الكثير من الإنجاز ومن الإصلاحات، ومن المؤشرات الإيجابية المتعددة"، حسب العرض الذي قدمه رئيس الحكومة أمام البرلمان منتصف شهر أيار/مايو الماضي، منبهًا الشعب إلى عدم الانسياق وراء "حملات التبخيس والتشويه الممنهج بهدف التأثير على الثقة في العمل الحكومي"، و"التهويل فيما يخص ارتفاع نسبة المديونية"، يقول رئيس الحكومة سعد الدين العثماني.

واقع وردي يكد العثماني وحكومته في رسمه، يتبدد مباشرة بعد النزول إلى الشارع، الذي لو كان له عنوان عريض هذه السنة لكان "الاحتقان الاجتماعي العام". ويتبدد بذات الشكل والمندوبية السامية للتخطيط تكشف عن تقريرها السنوي لـ 2019، راسمة على لسان رئيسها أحمد لحليمي صورة قاتمة لواقع المغرب الاقتصادي والاجتماعي.

حيث يورد تقرير المندوبية السامية بأن نسبة النمو لن تتجاوز 2.7% في العام الحالي، في وقت ترفع فيه الحكومة رهانها بالوصول لعتبة 3.2%. واصفًا إياه بالنمو الهش، والذي لا جدوى منه في خلق فرص للعمل أو محاربة البطالة، التي تبلغ نسبة 10%، وتبايناتها الكبيرة مجاليًا بين القرى والمدن.

وفي ما يخص المديونية الداخلية، أكد أن الدين الإجمالي للخزينة وصل خلال 2018 إلى 64.9% وليس 64.7% كما جاء على لسان رئيس الحكومة. الفارق الذي يرى ضئيلًا، يتجاوز على مستوى القيمة ملياري درهم (210 مليون دولار). فيما وصل الدين العمومي الإجمالي إلى 81.3% من الناتج الداخلي الإجمالي، ويشير التقرير إلى أن هذه النسبة لم تتجاوز 73.4% في متوسط الفترة الممتدة ما بين 2010 و2017، و60.2%، خلال الفترة الممتدة ما بين 2005 و2009.

غير راضين بإجراءات البنك الدولي

في خلاصات تقريره، أكد المندوب السامي أحمد لحليمي على أن "معدلات النمو الاقتصادي طبقًا لما تخطط له الحكومة ستستمر في النزول"، في وقت لا زال الاقتصاد الوطني يعتمد بشكل أكبرَ على الزراعة، وتبقى الأنشطة غير الفلاحية غير كافية لبلوغ معدل النمو الاقتصادي الوطني للمستوى المطلوب.

واصفًا مستوى التضخم الذي تباهي الحكومة بأنه لن يتجاوز في العام الحالي 0.8% بالفضيحة بالنسبة لبلد نامٍ يعاني من عجز في الميزان التجاري وضعف في السيولة. منتقدًا تشدد الحكومة في تطبيق توصيات البنك الدولي، مقابل التركيز على التوازنات الاقتصادية العالمية في إدارة الاقتصاد الوطني. داعيًا إلى ضرورة تملك القرار الاقتصادي الوطني دون الانسياق الأعمى وراء إملاءات البنك الدولي.

فيما يخص تعويم الدرهم، كان الحليمي قد حذر سابقًا من مغبة عدم إيصال المعلومة إلى المواطنين، وعدم توضيح توابع هذا القرار سلبية كانت أم إيجابية. مؤكدًا أن قرار التعويم هذا حتمًا سيطيح بقيمة الدرهم، محققًا نسب تضخم مرتفعة.

اقرأ/ي أيضًا: المساواة في الإرث في المغرب.. جدل وتكفير

"الدوامة التي ستعصف بالعملة المغربية وبالاقتصاد المغربي الذي ما يزال هشًا لتحمل صدمة تعويم الدرهم"، هكذا يصف الخبير الاقتصادي عبد المجيد أقصبي، في حديث لـ DW الألمانية، تعويم الدرهم في الوقت الراهن. معللًا ذلك بأن المغرب ليس لديه ما يكفي من الاحتياطيات من العملة الصعبة لتحمل ارتفاع تكاليف وارداته وخدمة الدين الخارجي الناتج عن انخفاض سعر العملة بعد تحريرها، لا سيما إذا تعرضت للمضاربة بسبب ضعف الثقة باستقرارها.

في خلاصات تقريره، أكد المندوب السامي أحمد لحليمي على أن "معدلات النمو الاقتصادي طبقًا لما تخطط له الحكومة ستستمر في النزول"، في وقت لا زال الاقتصاد المغربي يعتمد بشكل أكبرَ على الزراعة

ما اتفق عليه كل من المندوب السامي أحمد لحليمي والخبير الاقتصادي عبد المجيد أقصبي، من كون استجابة البلاد لدعوات البنك الدولي الملحة بتعويم الدرهم في الوقت الراهن "كارثة" ستحل بالاقتصاد الوطني. كارثة ستضاف إلى هموم الشارع المغربي الذي يكابد غلاء مستوى العيش برفع الدعم عن المواد الأساسية، ونظام التعاقد في الوظيفة العمومية والسعي إلى خصخصة التعليم في المستقبل. كلهَا سياسات البنك الدولي التي طبقتها الحكومة الإسلامية بإصرار كبير.

 

اقرأ/ي أيضًا:

التعليم المغربي..أرقام صادمة رغم خطط الإصلاح

موقف هادئ من المساواة في الميراث بين الجنسين