23-أبريل-2018

لا تهتم بورتمان بالسياسة كثيرًا، لكنها متمسكة بصهيونيتها "الملطفة" (Getty)

عندما أعلنت الممثلة الأمريكية الإسرائيلية، ناتالي بورتمان، عن رفضها تسلم جائزة "نوبل اليهودية" في إسرائيل، ورفضها زيارة البلاد "بسبب الأحداث الأخيرة"، بدأت حملة من التهليل والامتنان تعم الصحافة العربية، في موازاة تلك التي بدأت في إسرائيل، مطالبًة بسحب الجنسية منها وبمعاقبتها، ومنعها من دخول البلاد. كانت أصوات قليلة تدرك وقتها، أن كل هذه الضجة في الاتجاهين، مبالغ فيها، وأن بورتمان لم تصبح، بين ليلة وضحاها، ثائرة من ثوار الجنوب، ولم تقرر الانضمام إلى حركة المقاطعة فجأة.

خرجت بورتمان موضحًة للرأي العام الإسرائيلي،  أنها لا تحب الـ"بي دي أس"، وليست ضد إسرائيل

بعد أيام قليلة، خرجت بورتمان موضحًة للرأي العام الإسرائيلي، بلهجة فيها شيء من الاعتذار، أنها لا تحب الـ"بي دي أس"، وأن موقفها ليس من إسرائيل، ولكن من الحكومة الإسرائيلية، مضيفًة الجزء الأهم على الإطلاق، أنها مثل أي مواطن إسرائيلي، تملك الحق في أن تكره الحكومة من دون أن يعني ذلك أنها تقاطع إسرائيل. عقب ذلك، عنونت صحيفة هآرتس خبر تصريحات بورتمان بعنوان استدراكي: "ليست بي دي أس، إنه نتنياهو".

اقرأ/ي أيضًا: عن ندوة المركز العربي لاستراتيجيات مقاطعة الاحتلال

وخلال اليومين الماضيين، بدأ نقاش حاد يظهر في الصحافة الإسرائيلية، وفي مدونات اليمين، حول إن كان الموقف من إدارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مبررًا لاتخاذ هذه الخطوة. كانت أمثلة كثيرة تضرب للمقارنة، منها مثلًا ما ذكره الصحافي في هآرتس، أنشيل فيفر، في تحليل نشرته الصحيفة اليوم الإثنين: هل يجب على مواطن بريطاني أن يؤمن بفكرة الملكية الوراثية السخيفة، من أجل أن يقبل جائزة من قصر بكنغهام؟ أو هل على أمريكي أن يرفض جائزة من البيت الأبيض، فقط لأن حظه السيئ جعلها تتزامن مع إدارة دونالد ترامب؟ إضافة إلى ذلك، كان هناك جدل يسوقه وزراء الليكود، عن إن كانت مقاطعة نتنياهو ممكنة بدون مقاطعة إسرائيل، أو على الأقل مقاطعة 52% من الإسرائيليين الذين صوتوا له؟ نفس المبررات ساقها هين ماستيغ في "رسالة عتب" كتبها على "جورزاليم بوست"، قائلا إن نجمة هوليوود لم تقاطع أي جائزة أمريكية بسبب دونالد ترامب، لكن هذه المرة مع اتهامات بأنها تسبب شروخا في المجتمع الإسرائيلي بين يسار ويمين. 

يعرف من يطلع على بعض مقابلات النجمة الأمريكية الإسرائيلية، أنها غير مبالية كثيرًا بالسياسة

هناك مغالطات واضحة بالتأكيد في كل هذه الأسئلة، لكنها على ما يبدو، من وجهة نظر نقدية، أسئلة محقة، مع اختلاف في القصد والغاية. قبل أيام، توج نتنياهو ديفيد غروسمان بجائزة إسرائيل للأدب، وتسلم الأخير الجائزة بصدر رحب، رغم أن موقفه من نتنياهو أكثر حدة بالتأكيد من موقف بورتمان، وقد صافح نتنياهو، وصافح كذلك وزير التعليم المتطرف، نفتالي بينيت.

كان يمكن لبورتمان، أن تختار طريقًة أقل حدًة، وملائمًة لموقفها البسيط من نتنياهو. ويبدو أن خطوتها كانت أقرب لأن تفهم باعتبارها موقفًا من إسرائيل كليًا، لكنها لم تكن كذلك، فلماذا تتخذ قرارًا مبالغًا فيه بالمقارنة بموقفها، بأن لا تزور إسرائيل كليًا؟ قد لا تتعلق الإجابة بأي أبعاد سياسية تمامًا. إنه موقف كما أشرنا في ألترا صوت قبل أن يحدث كل هذا النقاش، مرتبط بالخجل أكثر منه بالنقد. يعرف من يطلع على بعض مقابلات النجمة الأمريكية الإسرائيلية، أنها غير مبالية كثيرًا بالسياسة، وقد قالت في غير مرة، مثلا في مقابلة مع "هوليوود ريبورتر"، أنها لا تريد استخدام موقعها الفني للتعبير عن مواقف سياسية. لكن من الواضح أن الجوائز الإسرائيلية تنغص على أؤلئك الذين مثل بورتمان، اختيارهم النأي والابتعاد.

اقرأ/ي أيضًا: إسرائيل لأوروبا: حاربوا المقاطعة وإلا.. داعش

مشكلة هذه الجائزة، وكثير من الجوائز الإسرائيلية، أنها لا ترتبط  لا بأبعاد فنية ولا علمية. حسب التعريف الذي وضعه المؤسسون لها، فإنها تذهب للشخصيات العامة التي تلتزم بالقيم اليهودية، وتمثل قدوة لأجيال اليهود. وتحت هذا التعريف، فإن الشخصيات الإسرائيلية المؤثرة في الرأي العام العالمي، ستكون على رأس المرشحين، وبالتأكيد فإن فوزها سيخدم صورة نتنياهو القوي في الخارج، التي طالما اعتمدت دعاية الليكود عليها.

إن جزءًا كبيرًا من المواقف النقدية ضد المجازر الإسرائيلية، يتجاهل الصورة العامة لإسرائيل، ويتعامل مع القتل باعتباره لحظة استثنائية

إن قبول هذه الجائزة بالتأكيد لا يشبه قبول جائزة أمريكية للفيزياء أو الغناء في عهد ترامب، وكذلك لا تشبه الجوائز الفنية التي يقدمها البروتوكول الملكي البريطاني. إنها جائزة سياسية بالمعنى الأول، وبالتالي، فإن قبولها سياسي أيضا.

في حديثه عن الأدب الإسرائيلي الذي يعترف بالمجازر ضد الفلسطينيين، يوضح يتسحاق لاؤور، واحد من أهم النقاد الإسرائيليين، أن مشكلة هذا النوع من الأدب، في كونه غالبا لا يتعاطف مع الضحية نفسها، ولا يعبر عن أي نوع من القلق تجاها. إنه قائم فقط على قلق من أننا عندما نقتل، فإننا نتجاوز "الأخلاق الإسرائيلية/ اليهودية السامية". لاحقا، بدى أن هذا القلق مرتبط بصورة إسرائيل "النظيفة" في العالم.

إن جزءًا كبيرًا من المواقف النقدية ضد المجازر الإسرائيلية، ومواقف اليسار الإسرائيلي/الصهيوني المزعوم،  يتجاهل الصورة العامة لإسرائيل، ويتعامل مع القتل باعتباره لحظة استثنائية تجب إدانتها، ولا يمثل سببًا بنيويًا لوجود إسرائيل أصلًا. قد يرتبط بحكومة أو بموقف أو بحرب، لكنه لن يرتبط بالتأكيد حسب هذا المنطق بإسرائيل. وفي نفس الوقت، فإن الموقف من فلسطينيي الضفة وغزة، لا يتعارض مع الاضطهاد المنظم ضد فلسطيني الداخل، لأن إسرائيل، كما جاء في تقريري هآرتس وجورازليم بوست، دولة ديمقراطية، يمكن نقد حكومتها، لكن بدون أخذ موقف عام من الدولة. 

مشكلة هذه الجائزة، وكثير من الجوائز الإسرائيلية، أنها لا ترتبط  لا بأبعاد فنية ولا علمية، ولكن سياسية فجة

ليس خوفًا على الضحايا الفلسطينيين، ولكن خوفًا منهم إذًا، خوفًا من أن تتلطخ الأخلاق الإسرائيلية "النظيفة" بدمائهم، أو من أن تنكسر الصورة الإسرائيلية "الناصعة" في العالم. هذا هو المنطق العام، لكن من خلاله، يمكن فهم موقف كل شخصية إسرائيلية معروفة، تأخذ موقفًا من المجازر، ولكن ليس من إسرائيل. مرة أخرى، إنه "خجل" من ضحايا غزة، وخوف منهم، لا خوف عليهم. وبالتأكيد، قلق من أن "تصريحات نتنياهو العنصرية" على حد وصف بورتمان، تحرج الشخصيات الإسرائيلية العامة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

خجلًا من غزة.. بورتمان ترفض تسلم "نوبل اليهودية" في إسرائيل

"مقاطعة إسرائيل".. قضية محورية في انتخابات ولاية جورجيا الأمريكية وحجة للقمع