03-يونيو-2024
جوع ومجاعة في قطاع غزة

(Getty) منظمات حقوقية تحذر من تسارع الوفيات نتيجة الجوع في غزة

تتنقل المجاعة في قطاع غزة، وتبقى حاضرةً طوال الوقت، رغم الحديث عن "زيادة" في دخول المساعدات إلى القطاع المحاصر، إذ إن الاحتلال وفي ظل عدوانه العسكري، يعمل على خلق أزمة دائمة في قطاع غزة.

وبعدما كانت المجاعة تهدد شمال القطاع، فإن خطرها الآن يرتفع في جنوبه، على وقع العدوان الإسرائيلي على رفح، واستمرار قصف المناطق الوسطى، مما يزيد من خطر المجاعة، الذي تناولته صحيفة "الغارديان" البريطانية في تقرير لها.

وافتتح تقرير "الغارديان" بقوله: "فايز أبو عطايا ولد في الحرب، ولم يعرف شيئًا آخر. خلال ربيعه الأول والوحيد، في بلد يطارده الجوع، تلاشى إلى ظل طفل، جلده ممتد بشكل مؤلم فوق عظامه البارزة". وأضاف: "خلال سبعة أشهر من حياته، لم يكن لديه سوى القليل من الوقت ليترك بصمة خارج نطاق العائلة التي أحبته. ولكن عندما تم الإعلان عن وفاته بسبب سوء التغذية في الأسبوع الماضي، كان ذلك بمثابة تحذير في جميع أنحاء العالم بشأن الأزمة المتفاقمة بسرعة في وسط وجنوب غزة، والتي اندلعت بسبب العدوان العسكري الإسرائيلي في مدينة رفح".

يتزايد سقوط الضحايا في قطاع غزة نتيجة الجوع، وتنتقل المجاعة من شمال القطاع إلى جنوبه

وتم تسجيل ما لا يقل عن 30 طفلًا من ضحايا سوء التغذية في غزة، لكن معظمهم ماتوا في الشمال، الذي كان حتى وقت قريب المنطقة التي تعاني النقص الشديد في الغذاء والرعاية الطبية، حيث قال مسؤول مساعدات أميركي كبير إن المجاعة قد سيطرت على بعض المناطق. فيما أدى وصول الجيش الإسرائيلي إلى رفح في شهر أيار/مايو إلى تغيير حسابات التهديد القاتمة في القطاع.

وقال مدير اتصالات اليونيسف في فلسطين جوناثان كريكس: "إن الوضع المستمر في رفح يمثل كارثة بالنسبة للأطفال. إذا لم يكن من الممكن توزيع إمدادات التغذية، وخاصة الأغذية العلاجية الجاهزة للاستخدام، المستخدمة لمعالجة سوء التغذية بين الأطفال، فسوف يتوقف علاج أكثر من 3000 طفل يعانون سوء التغذية الحاد".

وبعدما كانت المجاعة تتفاقم في شمال القطاع تحديدًا، فإنها تنتقل إلى الجنوب مع احتلال الجيش الإسرائيلي معبر رفح، وتوقف تدفق المساعدات عبره.

وقال مدير برنامج الأغذية العالمي في فلسطين ماثيو هولينجورث إن معظم المواد الغذائية التي لا تزال تدخل غزة يتم شحنها إلى الشمال عبر معابر جديدة، مما يعني أن الأزمة هناك قد خفت، لكن الإمدادات بدأت تنفد لدى الناس في الجنوب.

وأوضح ماثيو هولينجورث: "[في الشمال] تحسن الوضع بشكل ملحوظ عما كان عليه قبل خمسة أسابيع. على الجانب الآخر، في الوسط، وخاصة في الجنوب، ما رأيناه منذ 7 أيار/مايو هو أن الوضع بدأ في التدهور مرة أخرى".

واستمر في القول: "أمامنا أسبوع أو نحو ذلك قبل أن ينفد لدى الناس فعليًا المساعدات كلها التي تمكنوا من الحصول عليها خلال شهر نيسان/أبريل وبداية شهر أيار/مايو".

ويوضح تقرير الصحيفة البريطانية: "قد يكون انهيار إمكانية الحصول على الغذاء والرعاية الطبية مأساة بطيئة، ولكنها تهدد الجميع تقريبًا في جنوب القطاع الآن". وحذرت 20 وكالة إغاثة دولية الأسبوع الماضي من أن "تدفق المساعدات إلى غزة بشكل لا يمكن التنبؤ به قد خلق سرابًا من تحسين الوصول، في حين أن الاستجابة الإنسانية هي في الواقع على وشك الانهيار".

وقالت المجموعات، بما في ذلك منظمة أطباء بلا حدود وأوكسفام ومنظمة إنقاذ الطفولة، في بيان مشترك، إنهم يخشون الآن "تسارع الوفيات؛ بسبب الجوع والمرض والحرمان من المساعدة الطبية".

وسجلت، السبت، حالة وفاة أخرى لطفل في دير البلح، يبلغ من العمر 13 عامًا، متأثرًا بسوء التغذية. وتوضح "الغارديان": "من المحتمل أن تكون هاتان الخسارتان خلال أسبوع مؤشرًا على حالة طوارئ أكبر بكثير".

وقال كريكس: "في أزمات مماثلة في جميع أنحاء العالم، وفقًا لتجربة اليونيسف، لا يموت الأطفال عادةً بسبب سوء التغذية والجفاف في المستشفيات، بل يموتون في المنزل، أو في الشارع، أو في المكان الذي لجأوا إليه. وهذا يعني أن وفيات الأطفال المبلغ عنها؛ بسبب سوء التغذية لا تظهر سوى جزء من إجمالي الحصيلة. هناك قلق معقول من أنه في غزة أيضًا، هناك أعداد كبيرة من الأطفال المتأثرين بسوء التغذية، والذين لا يُمثّلون في الأرقام المذكورة".

بدورها، قالت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية مارغريت هاريس، إن مسحًا سريعًا تناول إمكانية الوصول إلى الغذاء على مدى ثلاثة أيام في أيار/مايو، وجد أن 85% أمضوا يومًا واحدًا على الأقل دون طعام، في غزة.

وتابع تقرير "الغارديان": "نقص الغذاء ليس هو الخطر الوحيد. ويعني الافتقار إلى المياه النظيفة والصرف الصحي أيضًا أن الأطفال أكثر عرضة لخطر الإصابة بالأمراض المعدية، والتي تشكل خطورة خاصة على الصغار جدًا. إن إغلاق معظم المستشفيات والعيادات، والأضرار التي لحقت بتلك التي لا تزال تعمل، والاكتظاظ الشديد، يعني أن الآباء يكافحون للحصول على الرعاية الأساسية لأمراض الجهاز الهضمي، ناهيك عن المراقبة الدقيقة والعلاج اللازم للتعافي من سوء التغذية".

وقالت منظمة إنقاذ الطفولة إنه لم يعد هناك أي طريق أمامهم لإجراء عمليات الإجلاء الطبي للأطفال الذين يحتاجون إلى علاج عاجل خارج غزة.

وعند الحديث عن دخول المساعدات إلى غزة، وصف العاملون في المجال الإنساني التركيز على أرقام الشاحنات بأنه مضلل لأنه لا يوجد معيار لحجم الشاحنة، أو كيفية حساب الحمولات الكاملة أو الجزئية، أو مكان عدها. وتحصي إسرائيل الشاحنات التي تمر عبر معبر كرم أبو سالم، بما في ذلك بعض الشاحنات غير المحملة بالكامل، أو الشاحنات التجارية، في حين تقوم الأمم المتحدة بإحصاء الشاحنات التي تصل إلى غزة محملة بالكامل فقط.

وقال المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية ينس لايركه، يوم الجمعة: "إنها لعبة حمقاء تقريبًا أن نقوم بإحصاء الشاحنات". وأضاف أن التركيز يجب أن ينصب بدلًا من ذلك على الإمدادات التي تدخل غزة وبالتالي تصل إلى المحتاجين.

وتقول المنظمات الإنسانية إن مجموعة المتطلبات الأمنية والتحديات اللوجستية تعني أنه من المستحيل عمليًا تقديم مساعدات كافية.

ووصف المجلس النرويجي للاجئين الجهود المبذولة للوصول إلى الأشخاص الأكثر ضعفًا في غزة بأنها "لعبة عملاقة من الثعابين والسلالم"، حيث يتخذ الموظفون "خطوات صغيرة جدًا إلى الأمام، ثم ينتهي بهم الأمر إلى المربع الأول".

وأوضح: "إذا سمح بدخول الإمدادات الإنسانية إلى غزة، فقد لا يكون لدينا وقود لنقلها. عندما يكون لدينا وقود، قد لا يكون لدينا أموال نقدية لدفع ثمن الشاحنات. في اليوم الذي نتمكن فيه من دفع ثمن الشاحنات، قد تكون الطرق المؤدية إلى المستودع خطيرة للغاية بحيث لا يمكن السفر إليها. وإذا تمكنا من الوصول إلى المستودع، فقد يكون الموظفون الذين نعتمد عليهم في تحميل البضائع قد فروا عندما اقتربت الانفجارات للغاية".

وفي آذار/مارس، حذر ائتلاف من منظمات الإغاثة من أن المجاعة وشيكة في شمال غزة، حيث يعاني الناس من "مستويات كارثية من الجوع".

وقالت مجموعة التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي (IPC) إن الأجزاء الجنوبية من غزة ستواجه أيضًا خطر المجاعة في "أسوأ السيناريوهات"، بما في ذلك غزو رفح الجاري الآن.

ودعا هولينجورث من برنامج الأغذية العالمي إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع تحول ذلك إلى حقيقة. وأضاف: "بحلول الوقت الذي يتم فيه إعلان المجاعة، يكون الأوان قد فات بالفعل، وهناك بالفعل عدد كبير للغاية من الوفيات". وأضاف: "لسنا بالضرورة متأخرين للغاية في جنوب ووسط غزة، لكن علينا أن نتحرك الآن".

وفي وقت سابق، أطلقت أكثر من 100 مؤسسة ومنظمة فلسطينية نداء عاجلًا، طالبت فيه الأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية بالإعلان الفوري عن قطاع غزة منطقة منكوبة بالمجاعة والتلوث البيئي وانتشار الأمراض.

جاء ذلك، خلال مؤتمر صحفي عُقد في مدينة رام الله، بحضور ممثلين عن تلك المؤسسات والمنظمات المحلية والدولية، تابعه مراسل "الترا فلسطين".

وقال متحدث عن المؤسسات إن قطاع غزة يعاني تجويعًا ونقصًا شديدًا في الغذاء، وتدهور مستمر في معدلات التغذية وانتشار سوء التغذية بين الأطفال، وارتفاع معدلات الوفيات بسبب الأمراض الناجمة عن الجوع وسوء التغذية وصعوبة الوصول إلى الرعاية الطبية والصحية، إضافة إلى التلوث البيئي الناتج عن تدمير شبكات الصرف الصحي وعدم قدرة البلديات على إزالة النفايات، ووجود آلاف الجثث تحت الركام، وضعف الاستجابة الإنسانية وتقديم المساعدات اللازمة للمحتاجين.

وأضاف أنه وفقًا للقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، يحظر التسبب بالمجاعة كممارسة عسكريّة ضد السكان المدنيين، كما يخالف التسبب بالمجاعة وتدمير مقومات الحياة في قطاع غزة، التدابير المؤقتة التي أقرتها محكمة العدل الدولية، الذي قد يدفع بإمكانية مقاضاة المسؤولين عن الأمر أو المتسببين بتأخير وصول المساعدات أمام المحكمة الجنائية الدولية.

وفي تعقيب لـ "الترا فلسطين"، قال مدير اتحاد لجان العمل الزراعي فؤاد أبو سيف، إن الوضع في قطاع غزة يصعب وصفه، وتعدى كل معايير الإعلان العالمي لأي منطقة منكوبة بالمجاعة، حيث إن لديهم معايير في قطاع غزة تفوق تلك المعايير العالمية.

وأكد أبو سيف أن المطلوب الآن أن يكون هناك تحرك عاجل من السلطة الفلسطينية بإعلان قطاع غزة منطقة منكوبة بالمجاعة، حيث حصلت في العالم مجاعات مختلفة، لم يتسبب بها البشر، ولكن في قطاع غزة، فإن الاحتلال الإسرائيلي هو المتسبب في هذه الجريمة الكبرى.

أطلقت أكثر من 100 مؤسسة ومنظمة فلسطينية نداء عاجلًا، طالبت فيه الأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية بالإعلان الفوري عن قطاع غزة منطقة منكوبة بالمجاعة والتلوث البيئي وانتشار الأمراض

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن كمية المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى قطاع غزة انخفضت بمقدار الثلثين منذ أن بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على مدينة رفح جنوب قطاع غزة في 7 أيار/مايو الماضي.

وأشار إلى أن كمية الغذاء والمساعدات الأخرى التي تدخل غزة، والتي كانت بالفعل غير كافية لتلبية الاحتياجات المتزايدة، تقلصت بصورة أكبر.

ولفت إلى أنه حتى يوم الثلاثاء الماضي بلغ متوسط الشاحنات التي تصل إلى غزة 58 شاحنة فقط في اليوم مقابل متوسط ​​يومي قدره 176 شاحنة مساعدات خلال الفترة من بداية نيسان/أبريل إلى 6 أيار/مايو بما يمثل انخفاضًا بواقع 67%، موضحة أن هذا العدد لا يشمل بضائع القطاع الخاص والوقود.