25-أكتوبر-2015

عبد الكريم مجدل بيك/ سورية

أطفئ النور.. ترقب بصمت.. ضع قناع البراءة هذه ضروراتٌ أمنية. مهما بدت تحركاتك غريبة ستصبح روتينية مع مضي الوقت. إن الفراغ سيكسر الخواء، سيقلب كل المعايير ويجعلك تشعر بأنك مركز الكون. كل التحركات مرتبطةً بك، كل الهمسات متعلقةً بك، بحضورك تختفي الهوامش. وإن افترضنا مجازًا أن تراقص الأشجار ناجم عن الذبذبات الموسيقية المنبعثة من سيارتك، فهل نستطيع تبرير شروق الشمس بتجفيف ملابسك الداخلية!

لا قيمة للوقت. التجربة تثبت أن السرعة لا تساوي المسافة مضروبةً بالزمن. الدقيقة تختلف قيمتها حسب نوع الساعة والبلد الذي يصنعها واليد التي ترتديها. لا تقاوم الزمن، لا فائدة من السير بعكس التيار، لن تكسب يومًا واحدًا ولو مشيت عمرك كله بعكس دوران الأرض، قف في مكانك، لا تبذل أي جهدٍ ضائع.

لا تصعد على سلم المشاة، حياتك لا تستحق عناء الصعود. امشِ معصوب العينين، كلنا نفضل الطريق الأقصر. لو لم تذهب ليلى من الطريق الطويل لما تناول الذئب جدتها. سيسبقك أحدهم إلى عقر دارك، سيبدل الماء خمرًا ويفرش الأرض سحرًا. ستكون غريبًا في بلدك عما قريب.

لا تصلح مرآة سيارتك، ستبيعها عما قريب وترحل، لا تغسل ثيابك، قد تنساها على المنشر عندما ترحل، لا تدق مسمارًا بالحائط، تستطيع أن تتدبر أمرك وتعلق معطفك على كرسي.

لا جدوى. كل ما تفعله تفعله عبث، إنها جعجعة بلا طحن، جهدٌ بلا طائل. من الأفضل ألا تجهد نفسك أكثر، ما عليك سوى أن تتمدد وتترك أشعة الشمس تنساب من بين أضلعك لعلها تحملك إلى عالمٍ آخر، ربما، ربما ستهبك جسدًا. ألم تسأم من جسدك؟ ألا ترغب بالتحرر من عبئه الثقيل؟ تمدد، استرخي، امشِ معصوب العينين، لا شيء يستحق كل هذا العناء.

الجسد، إنه لعنة العبيد، بإمكان أرواحنا أن تحلق بالسماء، أن تنتقل عبر المكان والزمان دون أي حساب للقوانين الفيزيائية. إننا أسرى أجسادنا. أنّى لنا أن نتحرر من هذا السجن الضيق. وجل ما أخشاه أن تتشبث روحي بجسدٍ جديد.

هناك في الجانب المظلم من هذا العالم حيث روحها تنتظر، سأكون عما قريب. لا شمس هناك ولا قمر، لا وجود لهذه المعاني الفيزيائية. هناك حيث العدم لن تشعر بتمايز أحد، لا يوجد من يرتدي الساعات. لا ساعات هناك ولا وقت ولا انتظار. هناك حيث روحها سأكون سعيدًا.

اطفئ النور.. ترقب بصمت.. ستكون هناك عما قريب.

اقرأ/ي أيضًا:

خلاصُ أبي جابر

الحرب في خمس عشرة دقيقة