17-نوفمبر-2015

يختلف خطاب الرئيس الفرنسي "فرانسوا أولاند"، الاثنين، السادس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر، عن باقي الخطابات التي دأب عليها سادة الإليزيه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، شكلًا ومضمونًا. الخطاب ألقاه أولاند أمام اجتماع مشترك لمجلس النواب ومجلس الشيوخ في قصر"فرساي"، والمسؤولية التاريخية كبيرة بعد الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت استاد فرنسا الدولي وأحياء في شرق باريس. فالمسؤولية الملقاة على عاتقه كبيرة، طمأنة الفرنسيين على الأمن والاستقرار، واحتواء التجاذبات السياسية بين اليمين واليسار ووسط اليمين، لا يريد أولاند مقايضة دولة القانون رضوخًا للإرهاب ولا السماح لانقسامات سياسية تضر بالوحدة الفرنسية.

أبدى أولاند خلال خطابه رغبته في ضرورة مساهمة الاتحاد الأوروبي بمساعدة فرنسا على مواجهة الحرب التي يشنها تنظيم الدولة الإسلامية ضدها

الجلسة الاستثنائية ركز فيها أولاند على رسم سياسة مرحلية لمواجهة ارتدادات الهجمات الأخيرة، أمنيًا وسياسيًا. بدت استراتجية تمديد حالة الطوارئ ثلاثة أشهر، الأكثر وضوحًا، عبر تقديم مشروع من قبل مجلس الوزراء للبرلمان لإجازته. حالة الطوارئ التي لا يجيز القانون الحالي تمديدها أكثر من اثني عشر يومًا، ما يفسح المشروع المقدم من قبل مجلس الوزراء، المجال أمام الجهات الأمنية المختصة لممارسة عملها بمهنية عالية ضمن تأطير دولة القانون.

يرى أولاند أن المادة السادسة عشرة من الدستور الفرنسي، المتعلقة بالخطر الداهم، العصيان المسلح والهجوم الأجنبي، والمادة السادسة والثلاثين المتعلقة بإعلان حالة الطوارئ، "لم تعد تتناسب مع الخطر الذي نواجه". لذلك يرغب أولاند في إجراء تعديل للدستور الفرنسي، رغبةً منه في إصلاح الخطوط العريضة للدستور، بما لا يضر بالحريات العامة، وبقاء هذه التدابير الاستثنائية التي تمنح سلطات واسعة للجيش والشرطة والقضاء، ضمن تأطير قانون الجمهورية الفرنسية.

يؤكد أولاند على أن الأمن مقدم على الاستقرار، مطالبًا بتوفير حصة من ميزانية سنة 2016، لأغراض توظيف خمسة آلاف وظيفة في الشرطة، وألف وظيفة في الجمارك، وألفين وخمسمائة وظيفة في إدارة السجون والقضاء، من أصل عشرة آلاف فرصة عمل توفرها الحكومة في العام القادم. أعلن أولاند كذلك عن عدم تقليص ميزانية الجيش قبل سنة 2019، وبضرورة استدعاء الاحتياط. التحديات الأخيرة للإرهاب حسب تعبيرات أولاند: "يجب أن نكون قادرين فيها على استخدام التكنولوجيا الحديثة". في تبريره لرصد الميزانية الضخمة لمكافحة الإرهاب.

الرئيس الفرنسي الذي دعا إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن في أقرب وقت، لاتخاذ تدابير مشتركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، أشار خلال خطابه في ذات السياق إلى اجتماع مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين، لانبثاق تصورات جديدة تقوي إنشاء "تحالف واحد كبير "حسب تعبيرات أولاند.

وأبدىأولاند خلال خطابه رغبته في ضرورة مساهمة الاتحاد الأوروبي بمساعدة فرنسا على مواجهة الحرب التي يشنها تنظيم الدولة الإسلامية ضدها. التركيز على المساعدة الأوروبية، أثارها أولاند بغية تفعيل معاهدة الدفاع المشترك بين الدول الأوروبية. اتفاقية "لشبونة" للدفاع المشترك التي دخلت حيّز التنفيذ سنة 2009، يرى أولاند وجوب تفعيلها كون الاعتداءات الإرهابية الأخيرة، أعادت إلى الواجهة ضرورة التنسيق بين الحلفاء الأوروبيين بشكل أكثر فاعليةً وانسجامًا. في ذات السياق أشار أولاند إلى ضرورة مساعدة حلف شمال الأطلسي. لذلك فإن هجمات باريس ستكون من أولويات اجتماع وزراء الدفاع الأوروبيين، المنتظر انعقاده قريبًا. كما لفت أولاند النظر خلال خطابه إلى ضرورة ضبط الحدود الأوروبية. مهددًا بالعودة إلى الحدود الوطنية في حال لم يتم ذلك.

الضربات الفرنسية ضد الدول الإسلامية وتحديدًا في مدينة الرقة السورية، التي يتخذ منها التنظيم مقرًا له في سوريا، ستتكثف خلال الفترات القادمة، فحسب قول أولاند: "أن حملة الطائرات شارل ديغول، ستسافر إلى شرق المتوسط، مما يمكننا من مضاعفة قدراتنا ثلاث مرات".

كما أعار أولاند خلال خطابه اهتمامًا لموضوع الجنسية، مبديًا رغبة في سحب الجنسية ممن يحمل جنسية أخرى وولد في فرنسا، وأدين بعمل إرهابي بالمشاركة والفعل والتورط، كذلك بما يخص ثنائي الجنسية، ما يخص تسهيل طرده، ويندرج في ذلك حرمان ثنائي الجنسية من العودة إلى التراب الفرنسي، إذا كان التحق بمنظمات عنيفة. ويقدر عدد الفرنسيين الذين قصدوا سوريا والعراق للالتحاق بمنظمات عنيفة بنحو تسعمائة وستة وستين شخصًا، خمسمائة وثمانية وثمانون شخصًا منهم لا يزالون هناك، ومائتان وسبع وأربعون شخصًا لم يستمروا مع المنظمات العنيفة. طالب الرئيس الفرنسي كذلك برصد العائدين عبر إذن مسبق للعودة، وتحديد طرق نقلهم لتقليل مخاطرهم، ورصدهم ومتابعتهم من قبل أجهزة الاستخبارات والأمن، وخضوعهم لبرامج اجتثاث الإرهاب، كما "قد تفرض شروطًا صارمة للرقابة" عليهم مثل الإقامة الجبرية. أولاند يعول على تعديل الدستور لمواجهة هذه المصاعب وتحقيق هذه الخطوات.

أولاند في خطابه لم يرغب من تقليل اللهجة الدبلوماسية العدائية حيال نظام بشار الأسد، "في سوريا، نحن نسعى بلا كلل إلى حل سياسي لا يفضي إلى بقاء الأسد" يقول أولاند. إشارة قوية في خطاب أولاند إلى أن الاعتداءات الإرهابية لن تطوي ملف عدائه للأسد. معتبرًا أن اللاجئين السوريين هم ضحايا عنف فروا منه، وعلى الدول الأوروبية عدم الرجوع عن ذلك، ومعاملتهم بكرامة. إشارات تطفو على سطح الخطاب تبدو مريحة للمعارضة السورية بشقيها العسكري والسياسي.

اقرأ/ي أيضًا:

أبرز الهجمات الإرهابية في أوروبا في القرن ال21

فرنسا التي تنتقم من نفسها