28-يونيو-2019

وحدت أمم أفريقيا الشعبين المغربي والجزائري في القاهرة (أ.ف.ب)

رغم خطاب العداء الطاغي على سياسة البلدين تجاه بعضهما البعض، والحدود التي تتجسد سدًا أمام إرادة الوصال لدى الشعبين، لا يدخر الشعبان جهدًا في تبيان عكس كل شقاقٍ مفتعل كلما سنحت الفرصة بالتبيان.

"خاوة خاوة" هو اللفظ الطاغي على خطاب الجماهير المغربية والجزائرية المشجعة لمنتخب البلدين في بطولة أمم أفريقيا

حدث وقع قبل أيام قليلة، يجسد قصة المغاربة والجزائريين، في الوقت الذي يطغى فيه خطاب التفرقة بين الجارين المغاربيين، وتضيق الأسلاك الشائكة والخنادق، النزر الفاضل من الحركة بين القطرين؛ لتعود الجماهير لتبيان العكس، من بوابة كأس أفريقيا هذه المرة، وبمبادرة للتشجيع المشترك لفريقي البلدين المشاركين، في أبرز مسابقة قارية لكرة القدم والتي تحتضن القاهرة نسختها الحالية.

اقرأ/ي أيضًا: انفراج محتمل بين المغرب والجزائر.. هل تصلح كرة القدم ما أفسدته السياسة؟

بداية المبادرة

"خاوة خاوة" هو اللفظ الطاغي على خطاب الجماهير المغربية والجزائرية، والذي يعني: "نحن إخوة"، ويفيد التكرار فيه التأكيد على صدق الشعور المتبادلِ.

هكذا، وتزامنًا مع كأس أمم أفريقيا، دعت مجموعة صفحات إلى مبادرة تهدف إلى التشجيع المشترك بين الجزائريين والمغاربة لمنتخبي البلدين المشاركين في البطولة، مبادرة لقيت قبولًا منقطع النظير على السوشيال ميديا وفي المدرجات.

"بدأت الحملة من الجاليات المهاجرة"، يصرح لـ"الترا صوت"، عبد الله، مدير صفحة "Troll Football Algeria" الجزائرية الساخرة، والمشاركة كذلك في الدعوة إلى المبادرة المذكورة.

وأوضح عبدالله: "الجماهير في المهجر تلتقي ببعضها في الواقع، وتشجع فرق بلدانها، عكس أرض الأوطان الأصلية التي تفصل بالحدود المغلقة بين شعبيها. زد على ذلك حب الجمهور الجزائري لحكيم زياش، وكذلك المغاربة لرياض محرز، ما ساهم في اكتمال الأمر".

وحققت المبادرة إقبالًا من البلدين، هذا ما يجمع عليه كل الداعين لها، وتعززه التعليقات الحماسية التي يفيد بها المتتبعون على المنشورات الداعية لها.

"كرة القدم دائمًا مساحة الشعوب للتعبير عن نفسها"، هذا ما يؤكده سعد شكري، الشاب المغربي، ومدير صفحة "Moroccan Football Trolls" المغربية، التي تشاطر نظيرتها الجزائرية توجهها، وذلك في حديث له مع "الترا صوت"، قال فيه: "هذا الأمر عاديّ، ودائمًا كان بين الشعبين اللذين هما في الحقيقة واحد، ليس في العالم الافتراضي فقط بل في الواقع كذلك". 

يُدلل شكري على كلامه: "والدليل على ذلك كم الحماس الذي نعيشه في مقاهي المغرب والمنتخب الجزائري يخوض مبارياته"، موضحًا أن وسائل التواصل الاجتماعي دفعت هذه الحماسة لتأخذ صيتها، وتتأسس في مبادرة عفوية، "خصوصًا أن السخرية تعرف إقبالًا كبيرًا من طرف شعب البلدين، كونها المتنفس الأكبر لتفريغ ما يجول في دواخلهم"، يقول شكري.

أما عبدالله، مدير الصفحة الجزائرية، فيقول: "شيء رائع وجميل لما تصلنا رسائل تحث على المبادرة بين البلدين"، خاتمًا حديثه لـ"الترا صوت" بالشعار الشهير "خاوة خاوة"، نفس الشعار الذي ردده سعد شكري، وغيرهما كثير من المغاربة والجزائريين غير العابئين بسياسات الحكومات. 

على أرض الواقع

ومن مصر التي تحتضن المسابقة القارية لكرة القدم، تتبعنا خيط تحقق المبادرة، بالتواصل مع مشجعين حاضرين في مصر. "لقد التقيت بهم في مباراة المغرب وناميبيا، وقالوا لي إنهم يشجعون منتخبنا. صراحة أنا فرح وفخور بهذا التضامن"، يقول رضا أغناو لـ"الترا صوت"، متحدثًا عن الجمهور الجزائري الذي ساند المغرب، متوقعًا تواجده بشكل أكبر في المباراة القادمة.

بذات الشكل عبر نوفل قدريش، المشجع الجزائري، عن تأييده للمبادرة، قائلًا: "الفريق المغربي هو فريقنا كذلك، لأن وطننا الأكبر هو المغرب الكبير"، متمنيًا أن يحوي النهائي فريقًا مغاربيًا على الأقل، أو كلاهما يقول لكي لا يكون بيننا خاسر.

لكن مع ذلك يبقى الحضور الجماهيري لكلا البلدين في المحفل الكروي ضعيفًا جدًا، كما يلفت محمد لكبير، المشجع المغربي، قائلًا إن "الجماهير المغربية والجزائرية لم تحضر بكثافة إلى مصر". 

ومع ذلك، تبرز روح الوحدة التي عاشها لكبير وهو يتابع مباراة منتخبه. يقول: "بعد تسجيل هدف للمغرب لم أشعر بنفسي حتى عانقت المتفرج الجزائري الذي كان بقربي"، كما حضر مباراة الخضر مع منتخب السنغال، مؤكدًا نفس الروح. ونفس الروح التي عاينها مهدي الوافي، مشجع مغربي، وهو يصف لنا كيف يهتف المغاربة والجزائريون "خاوة خاوة" إذا ما جمعتهم شوارع القاهرة، في صدفة قد تطول لعناق حار أو تبادل الأعلام والتقاط الصور.

تشجيع مشترك هو الذي تحقق كذلك على أرض الواقع، ربما يكون غير واضح بجلاء بسبب تكاليف الانتقال للقاهرة، وربما كذلك لأن المسابقة لا زالت في أدوارها الأولى، إلا أنه مثبت كما رصدنا بالصور والتفاعلات بين جمهور منتخب البلدين الجارين.

كثيرًا ما تصلح كرة القدم ما أفسدته السياسة من العلاقات بين المغرب والجزائر، إصلاحًا أكثر ما يتجلى في الشعبين

يُذكر أنه في ساحة كرة القدم أيضًا، وقبل عدة شهور، حدث تقارب رسمي بين المغرب والجزائر، انعكس على ردود الأفعال الشعبية، عندما صوتت الجزائر لصالح ملف المغرب لاستضافة كأس العالم 2026، في وقتٍ امتنعت فيه دول عربية من التصويت للمغرب، لأسباب سياسية لا علاقة للمغرب بها بصورة مباشرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد تصويتهما ضدّ المغرب.. الجزائريون ساخطون على الإمارات والسّعودية

رغم المشاكل.. هذه أبرز أوجه التعاون الاقتصادي بين المغرب والجزائر