03-فبراير-2016

تلاميذ سوريون في تحية العلم الصباحية

حالة من الهلع والرعب انتشر في تونس من جراء أخبار تداولتها بعض الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، تقول بانتشار القمل في المؤسسات التربوية وأن معاهد تربوية أغلقت أمام الانتشار المخيف للقمل، وزارة الصحة سارعت لإجراء تحقيق في الأخبار وخلصت إلى نفي خبر انتشار القمل في المؤسسات التربوية مبينة أنه تم تسجيل بعض الحالات في تونس الكبرى فقط. الوزارة أوضحت أنه تم تسجيل عشرات الإصابات فقط في إحدى المعاهد الثانوية وأن الأمر لا يستحق كل هذه المخاوف.

منذ صبت مديرة المدرسة زيت الكاز على رأس أحد الأطفال، أصبنا بفوبيا القمل

تذكرت وأنا أتابع "فوبيا القمل في تونس" كيف كانت مدارسنا الابتدائية تتعامل مع أحد الأولاد المصابين بالقمل، ففي صفنا مثلًا حين أصيب طفل وأخته بالقمل، جمعت المديرة الطلاب ووضعت الطفل وأخته في المنتصف وحلقت لهما شعر الرأس، ثم قامت بصب الزيت الكاز لأنها تعتقد أنها ستحترق "القملات"، لكن جلدة رأس الطفلين في الحقيقة هي التي احترقت وصارت كجلد الدربكة، ومنذ ذلك التاريخ أصبنا بفوبيا القمل بما فيها من عذاب نفسي وجسدي، وأظن أن كثيرًا من الأسر العربية تعاني منها بسبب الجهل بهذا الكائن "المتطفل" على أجسادنا.

في الحقيقة، لن أستثني نفسي فعندما أصيبت ابنتي بالقمل وأنا المقيم في عقر دار المدارس الأوروبية العظيمة، عانت أسرتنا من حالة رعب لا تقل عما عانته الأسر التونسية، كل عفش البيت أخرجناه إلى الشمس، وسلال الغسيل صارت بالجملة مترافقة مع حملة تفلية للقمل وتعزيل للمنزل، والمحزن حالة الخوف من القمل التي تسببنا بها للطفلة كل تفتيش وتنظيف وحمام وقص شعر. 

المضحك المبكي أننا ونحن في أتون الحرب مع "القمل"، كانت بداية العام الدراسي الماضي. أقرأ في صحيفة "ميترو" الهولندية الأوسع انتشارًا في البلاد، تحقيقًا من صفحتين عن كيفية "التعامل مع القمل" والصدمة كانت أنه بالإحصائية وصلت نسبة إصابة الهولنديين إلى 80%، هؤلاء القوم النظيفون والمتطورون يصابون بالقمل أيضًا، واعجباه! لا بل يوجد في هولندا مؤسسة رسمية لمكافحة القمل اسمه "المركز الوطني لقمل الرأس LSH"، أكثر من ذلك فإن هذا المركز كان أطلق مشروعًا لجعل هولندا "وطنًا خاليًا من القمل"، لكنه أعلن "فشل" هولندا في حربها مع القمل، ودعا إلى ضرورة نشر الوعي حول القمل، وأنه موضع عادي ولا يتطلب الخوف.

علينا أن نثور على الخاطئ مما تعلمنا لنبني أوطاننا بثورات تنشد الحرية والديمقراطية

خضت أكثر بالبحث فكانت النتائج مذهلة، فالأسر الأوروبية المولعة بتربية الحيوانات الأليفة تعاني "تفشي داء القمل" المنتقل عبر الحيوانات، ولأن للحيوانات سمات من سمات الإنسان يجب علينا أن لا نخاف من هذا الكائن المتطفل على حيواناتنا، لذلك فإن نسبة تفشي داء القمل بين الأطفال في أغلب الدول الأوروبية لا تقل عما هي عليه في هولندا.

بعد أن أنهيت البحث عن تاريخ القمل في أوروبا، حضنت ابنتي وقلت لها وعيوني تدمع: آسف يا بابا بس الله يلعن يلي نفضك يا افتكار (مديرتنا اللي كتير بحبها والله لليوم بس كل شي لحال، smile رمز تعبيري).. يلعن اللي نفضك يا حزب البعث.. الله يلعن تخلفنا.

القمل ليس بعبعًا وليس وحشًا قادمًا لالتهام المنزل، هو كائن متطفل مثل الرشح والكريب تعايش مع الإنسان والحيوانات منذ ملايين السنين، ولنحاربه لا يقتضي الأمر منا شن حرب شعواء على رؤوس أطفالنا وسلخ جلدة رؤوسهم وتعقيدهم باقي حياتهم. باختصار ما أود قوله: شعوب لا تعرف كيف تتعامل مع القمل، لن تنجح ثوراتها وستبقى تعاني من عادات وتقاليد وموروث اجتماعي ما ظلت، علينا أولًا أن نثور على الخاطئ مما تعلمنا لنبني أوطاننا بثورات تنشد الحرية والديمقراطية.

اقرأ/ي أيضًا:

هواجس الثلج

قبلة للمتألم على صليبه