02-يوليو-2016

جدار الرحمة في أحد مناطق العراق

في ساحة عنتر بن شداد بمنطقة الأعظمية في بغداد، كانت تقف امرأة ترتدي العباءة السوداء. تحمل كيسًا أسود تضع بداخله الملابس المرمية على الأرض، كانت تُحاول أن تُغطي وجهها عندما رأتنا نقترب لالتقاط صورة للمكان. "لا تصوروني. أريد أخذ الملابس لأطفالي وأذهب"، قالت المرأة التي لم نعرف اسمها.

 قام عدد من المتطوعين في العراق بإنشاء مبادرة (جدار الرحمة)، وفكرته أن يضع كل شخص ما لا يحتاجه من الملابس على الجدران لمساعدة الفقراء

أسرعت بلملمة بعض ما تحتاجه وهي تنظر للجميع بإرتباك وتُردد: "نحن الفقراء نعيش على بعضنا. من وضع لنا هذه الملابس هم أناس فقراء مثلنا وليس أصحاب القصور والمناصب السيادية، الذين لا يعرفون ما يحدث لنا". طلبت منا أن لا ننشر الصورة التي التقطناها. وعدناها بحذفها مباشرة.

عندما عرفت أن الصورة لن تُنشر، اقتربت من كاتب القصة وحدثته: "هل تعرف كم عائلة فقيرة استفادت من هذا الجدار؟ أنا أعرف 15 عائلة كست نفسها منه لأنها لم تمتلك ما يُمكنها من شراء الملابس. أطفالي كذلك لم يرتدوا ملابس جديدة منذ عام تقريبًا. هذه الملابس ستساعدهم على ذلك".

اقرأ/ي أيضًا: افتتاح أول عيادة مجانية في المغرب

كانت تدمدم بين نفسها وهي تنصرف حاملة كيسها الأسود الذي ستُفرح به أطفالها. في ذات اللحظة قُطعت ساحة عنتر المدورة بسيارات مسلحين. كان مسؤول كبير في الدولة قد مر من هناك بسيارات مظللة وحمايات مدججة بالسلاح. عندما اقترب من الملابس الموضوعة على الرصيف والحائط، فتح نافذة سيارته لالتقاط صورة ثم انصرف.

في بداية عام 2016، قام عدد من الناشطين المتطوعين في العراق بإنشاء مبادرة (جدار الرحمة)، وفكرته أن يضع كل شخص ما لا يحتاجه من الملابس على الجدران لمساعدة الفقراء، وأن لا يأخذ الذين يتمكنون من شراء ملابس جديدة أي من تلك المعلقة.

ويوجد في بغداد سبعة جدران للرحمة توزعت على مناطقها، أكثرها رواجًا تلك الموجودة في مناطق الأعظمية وساحة عدن والكرادة، فيما قامت بعض المحافظات الجنوبية والوسطى.

إبراهيم سعيد، وهو أحد الذين نفذوا فكرة إقامة جدران رحمة في منطقة ساحة عدن يقول لـ"الترا صوت"إن"هذا العمل يشعرك بالإنسانية التي يجب أن تكون عليها. عندما ترى أناس فقراء يلبسون وينعمون بذلك وكنت أنت السبب، فهذا أمر سيكون عظيمًا حتمًا".

يضيف "علينا أن نساعد بعضنا وأن نقف مع بعضنا للأبد، والحملات التطوعية التي يشهدها العراق الآن نمَّت لدى الكثيرين فكرة مساعدة الاخرين، وفكرتنا جاءت بعدما رأينا أن هناك الآلاف يحتاجون للمساعدة، لذلك ابتكرنا هذه الطريقة التي لا تُحرج أي منهم".

اقرأ/ي أيضًا: رمضان الجزائر.."ضيف خفيف" بعادات وأطباق متميزة

محمد سمير، وهو صاحب محل في منطقة حي العامل، غربي بغداد، يُراقب الملابس المعلقة على جدار الرحمة القريبة من محله. "لم أر أحدًا يأتي في النهار لأخذ الملابس. بعض الأحيان يأتي مجموعة من الأطفال الفقراء لأخذ ما يحتاجونه ويذهبون. لكنني في الليل أرى نساء يبحث عن ما ينفعهن. النساء أعرفهن. إنهن من العوائل الفقيرة التي تسكن العشوائيات".

الناس الذين يتبرعون بالملابس، عادة ما يأتون في أوقات النهار. يعلقون الملابس على الجدران وينصرفون. البعض منهم يضعها في حمالات ملابس، وآخرون يقسمونها. الأطفال، النساء، الشباب، كبار السن، كل على حدة حتى يسهلوا عملية حصول الفقراء على ما يحتاجونه.

محمد وهو أحد المتبرعين للجدار، يقول إن "هذا الجدار ساعد عشرات الأشخاص على الاستفادة من الملابس. هناك عوائل لم تتمكن من شراء أي شيء لأطفالها. كان (جدار الرحمة) رحمة عليهم. يعيشون في العشوائيات أو في أماكن لا تصلح للعيش. هذا الجدار ساعدهم كثيرًا".

عندما وقف طفل حافٍ أمام جدار الرحمة في منطقة الكرادة. لم يمد يده على الملابس. بقي واقفًا أمامها وينظر إلى المارة. يبدو أنه كان بحاجة لمساعدة أحد للبحث عن ما ينفعه. كانت شابة قالت إنها "طالبة جامعية" قد شعرت بما يريد فسألته "هل تُريد ملابس من هذه؟ أجابها "نعم".

وضعت حقيبتها على الرصيف. أعطته كتبها وطلبت منه أن يجلس. عندما بدأت تبحث عن ملابس للطفل الجالس على الرصيف، كانت تلوح باتجاه صديقتها لمساعدتها في ذلك. كان كاتب القصة يجلس على الرصيف بالقرب منهم. لم يكن يُريد أن يُعرف بنفسه لهم حينها.

لمى التي ساعدت الطفل أحمد، تدرس في جامعة بغداد، كانت تعتقد أن الجدار هو لبيع الملابس المستعملة (البالة)، لكن لافتة "إن كنت تحتاج إليها فخذها، وإن كنت لا تحتاج فاتركها" وضَّحت للمى مجانية الملابس الموجودة وتخصيصها للفقراء.

تقول لـ"الترا صوت": "قررت أن أبحث عن الملابس التي لا نحتاجها في المنزل وأجلبها للفقراء هنا. سأغسلها وأرتبها وآتي بها. هذه مبادرات إيجابية تخلق روح جماعية وتعطي شعور للآخرين بأن هناك من يقف معهم. أنا سعيدة بما قدمته للطفل أحمد".

عندما غادرت لُمى بعد أن هيأت لأحمد ما يحتاج، ناداها من بعيد: "سأغسلهم وأرتديهم. أنا سعيد لأني سأرتدي يوم غد ملابس جديدة. هذه الملابس التي أرتديها قديمة جدًا".

هناك في أقصى شمال العاصمة بغداد حيث منطقة الكاظمية، نُصب جدار رحمة جديد. في ساحة عدن التي تربط بين مناطق الحرية والشعلة والكاظمية، يتسول العشرات ويبيع مثلهم في التقاطعات الكلينكس والماء. هؤلاء أغلبهم ينحدر من مناطق عشوائية في منطقتي الحرية وجكوك، ومناطق أخرى في أطراف مدينة الكاظمية.

يقف طفل يبيع الكلينكس يقول إن اسمه (سجاد) بالقرب من الملابس وهو يُنادي ساخرًا: "للبيع للبيع. ملابس للبيع. هذه ملابسي لوحدي. سعر القطعة ألف دينار عراقي". ثم ينقطع عن المناداة ويعود إلى الشارع مباشرة حال توقف السيارات ليستمر ببيع الكلينكس.

كان هذا الطفل الذي يفترض أن الملابس الموجودة خاصته، يرتدي قميص أبيض يبدو أنه خُيط أكثر من مرة. وبنطال بلا لون. ونعلين رُبط أحدهما بوصلة قماش حتى لا يُقطع.

عندما أصبحت إشارة المرور خضراء عاد بالقرب من الملابس وهو يُحدث الواقفين بالقرب منها لالتقاط الصور وكأنه مرشد سياحي "هذه للفقراء فقط. لن نسمح لأحد بمد يده عليها. أنا وأصدقائي الذين يبيعون معي في الشارع سنختار ثياب الغد من هذه الملابس".

اقرأ/ي أيضًا: 

ما يجب أن تتوقعه إذا ما قررت إنجاب الأطفال!

8 أمور تجنبي القيام بها قبل زفافك