30-مايو-2016

ثلاث حالات تجعل الطفل أبًا في الجزائر(فاروق بعطيش/أ.ف.ب)

يُشكل الزواج حدثًا متميزًا في الفضاء الجزائري، ويرتبط بالنضج واكتمال الرجولة، حتى أن بعض الريفيين لا يُلقون السلام على غير المتزوج، ولا يشركونه في المهام والتبرعات الجماعية، في المقابل يحظى المقبل على "عمارة البيت"، هكذا يسمون الزواج، بحركة تضامن كبيرة من الأهل والجيران والأصدقاء، قد تصل إلى التكفل بالمهر ومصاريف العرس.

ليس من الشائع في الجزائر تزويج الأطفال والمراهقين، وإن حدث ذلك فيتم الاكتفاء بالخطوبة أو ما يُسمى شعبيًا بـ"التعيين"

ارتفعت عتبة زواج الشاب الجزائري في العقدين الأخيرين، من ما دون العشرين فما فوقها بقليل إلى الثلاثينات وقد تصل إلى بداية الأربعينات، خاصة في المدن الكبيرة لأسباب متعددة منها ضيق السكن العائلي وتفشي البطالة، وهو المعطى الذي ساهم في موجة "عنوسة"/تأخر سن الزواج عالية في أوساط الفتيات اللواتي تقول الدراسات إنهن بتن يتفوقن عددًا على الذكور بنسبة بسيطة.

اقرأ/ي أيضًا: الأسرة الجزائرية في دوامة اختطاف البراءة

ليس من الشائع في الجزائر تزويج الأطفال والمراهقين، وإن حدث ذلك فيتم الاكتفاء بالخطوبة أو ما يُسمى شعبيًا بـ"التعيين"، حتى لا تتم خطبة المعنية من طرف أسرة أخرى، إلا في حالات ثلاث أدت بالتراكم إلى تشكّل شريحة من الأطفال الأزواج الذين يجدون أنفسهم آباء بكل ما يترتب عن ذلك من مسؤوليات وأتعاب ومواقف.

أولى هذه الحالات تفرضها عادة سائدة في الأوساط الريفية خاصة، هي أن تتفق الأمّان، عادة ما تكونان شقيقتين، على أن تكون بنتُ إحداهما لابن الأخرى، يحدث ذلك خلال فترة الحمل أو بعد الولادة مباشرة، وتعمد أم الولد إلى تقديم هدية من ذهب أو فضة لكنتها المستقبلية، تسمى "القدال" وهو الاسم الذي يطلق على عملية منع الأرض ذات الملكية الخاصة على الرعاة الغرباء، ليبقى عشبها حكرًا على مالكها أو على من يُؤجر الأرض منه.

بعد أن تكبر الصبية وتصير عرضة للأعين والألسن، يتم تطبيق الاتفاق بتزويجها بابن خالتها. مثلما حصل لشهيناز، طالبة الحقوق في جامعة "امحمد بوقرة"، التي تقول: "حين تزوجنا كان عمري ثلاثة عشر عامًا وكان عمره أربعة عشر، وأنجبنا بعد عامين من ذلك. لم أحس بالفرق بين بيت أبي وبيت زوجي لأن خالتي عوضت أمي بشكل عفوي بعطفها ونصائحها وتعليماتها في شؤون الزواج". تضيف أم صفي الدين: "عانيت كثيرًا في المدرسة لأنني كنت عرضة لاستهزاء الزملاء، لكن بعد أن ولد صفي الدين صرت أكثر شجاعة في مواجهة المحيط".

سألنا محدثتنا دارسة الحقوق عن رأي القانون في هذه الحالة فقالت: "تحدد المادة السابعة من "قانون الأسرة الجزائري" السن الشرعية للزواج الذي يترتب عنه عقد رسمي بـ19 عامًا، غير أن القانون ذاته أعطى للقاضي إمكانية الموافقة على استثناءات "تحددها الضرورة والمصلحة"، وهو ما شكّل ثغرة يتم من خلالها ترسيم الزيجات التي لا يستوفي فيها أحد الزوجين أو كلاهما شرط السن القانونية، بما يجعل الارتباط أحيانًا أقربَ إلى اغتصاب الطفولة منه إلى الزواج".

الحالة الثانية تفرضها الوضعية العائلية للطفل/الزوج، بأن يكون وحيد أبيه، مع استحالة إنجاب غيره إلا بإعادة الزواج على أمه، وتعجيلًا للفرح بعرسه، أو خوفًا من الوالد على سلامته، فيبقى بلا وريث يحمل اسمه وثروته، فإنه يعمد إلى تزويج وحيده مبكرًا.

اقرأ/ي أيضًا: عن قصص كفاح في "الوقت الضائع"..

في السياق حدث أن حضرنا عرسًا في مدينة "شلغوم العيد"، 370 كيلومترًا شرق الجزائر العاصمة، كان المتزوج فيه عماد، 15 عامًا، وهو وحيد أبيه الذي يملك شركة متخصصة في الإنارة العامة. كان عرسًا متكامل الأركان وكان العريس يتعاطى مع الحدث بكل ثقة في النفس. يقول أبو عماد: "وجه الاعتراض في هذه الحالات هو عدم قدرة الزوجين على القيام بواجبات الزواج وحقوقه، فما بالنا نسمع يوميًا بمئات حالات الطلاق بين أزواج تجاوزوا سن الثلاثين والأربعين؟ العبرة ليست بالسن بل بالتربية، وأنا أعددت ولدي الوحيد جيدًا لهذه التجربة".

عندما تؤول العلاقة العاطفية بين الطفلين إلى علاقة جنسية كاملة يترتب عنها حمل الفتاة، تسارع العائلتان إلى تزويج الطفلين فورًا

وعن إمكانية رفض المحكمة أن تمنح الزوجين عقدًا رسميًا، بحكم أن الزوج يقل عن السن القانونية بأربع سنوات يقول محدثنا: "سأشرح وضعي العائلي للقاضي بغية الحصول على تفهمه، فإن تعذر ذلك سيبقى زواجًا عرفيًا متكامل الأركان من الناحية الدينية حتى يكبرا".

الحالة الثالثة تطغى على الحالتين السابقتين، من حيث كثرة حدوثها، هي أن تؤول العلاقة العاطفية بين الطفلين إلى علاقة جنسية كاملة يترتب عنها حمل الفتاة، وهو ما يشكل فضيحة مدوية في المجتمع الجزائري، فتسارع العائلتان إلى سترها بتزويجهما فورًا، خاصة إذا كانا قريبين بحيث تصبح الفضيحة مزدوجة لكل طرف منهما.

يعترف ح. و، 17 عامًا، بأنه انجذب إلى ابنة عمه الأكبر حين كان تلميذًا في الإعدادية. "سرعان ما تحول الانجذاب إلى حب متبادل وحقيقي. وخوفًا من التأويلات المشينة لرؤية الناس لنا، صارحت عمي بحبي لها وبنيتي في أن أتزوجها بعد أن ننهي دراستنا فبارك الأمر". يسترسل: "ذات صيف حدث أن كانت في بيتنا، وقعت العلاقة ثم لم نشعر إلا وبطنها يعلن عن أمومته. صارحتُ أمي بالأمر فسارعت إلى التنسيق مع أمها ورُتّب الزواج في أقل من عشرين يومًا، والشائع عند الأهل والمعارف اليوم أن ابنتنا ولدت في شهرها السابع".

اقرأ/ي أيضًا:

الطلاق في مصر.. حالة كل 6 دقائق!

نصف المغاربة مضطربون نفسيًا ودعوات لقوانين تحميهم