في رسالته الأخيرة بمناسبة ذكرى الثورة الجزائرية، أعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن قرب إتمام مشروع تعديل الدستور الذي سبق وأن أعلن عن نيّة إجرائه منذ نيسان/أبريل 2011. ولقد مرّ مشروع التعديل طيلة أربع سنوات ونصف بمراحل عديدة، وبقي محل شدّ وجذب بين السلطة والمعارضة التي رفضت الانخراط في مشروع الإعداد تحت عنوان رفضها استئثار السلطة التنفيذية به، وبالتالي لا يزال الشارع الجزائري ينتظر المشروع الموعود.
أعلن بوتفليقة عن نيته إجراء تعديل دستوري منذ أبريل 2011 لكن المشروع بقي محل شد وجذب بين السلطة والمعارضة
إن تعديل الدستور المنتظر لن يكون التعديل الأول. فقد سبقه تعديلان قام بهما بوتفليقة، تحت ضغط الواقع آنذاك وصادق عليهما البرلمان. وتمّ التعديل الأول في 2002 تحت ضغط احتجاجات الأمازيغ بالتنصيص على اللغة الأمازيغية كلغة وطنية. ثم كان تعديل 2008 كمحاولة لشخصنة الدستور. فبعد ولايتين رئاسيتين، وجد بوتفليقة عائقًا دستوريًا يمنعه من الترشح لولاية رئاسية ثالثة لانتخابات 2009 إذ يحدد الدستور الولاية الرئاسية بفترتين فقط.
ولذلك، بادر بوتفليقة بمشروع قانون لتعديل الدستور يشمل المادة التي تحدد عدد الترشحات الممكنة للرئاسيات إضافة إلى مواد أخرى لا تقلّ أهميّة من حيث دلالاتها وآثارها. وفي حوصلة عامة، يقوم تعديل 2002 على 3 أسس، تعزيز نفوذ رئيس الجمهورية كمحور للسلطة السياسية، التأكيد على القيم الرمزية للدولة الجزائرية وتعزيز موقع المرأة في الساحة السياسية.
وفي هذا السياق، عرفت الجزائر وفي ظرف ثلاث وثلاثين سنة وتحديدًا منذ الاستقلال وحتى 1996، تاريخ إصدار الدستور الحالي، أربعة دساتير أي بمعدل دستور كل ثماني سنوات وهو ما يمثل شاهدًا على حيوية المجال السياسي في الجزائر وسرعة تحوّلاته. وكان أول دستور شهدته الجزائر هو دستور 1963 الذي تم إقراره في عهد أول رئيس للجمهورية أحمد بن بلّا. ثم كان دستور 1976 الذي أصدره الهواري بومدين وبعده دستور 1989 وهو الدّستور الذي تم إصداره في عهد الرئيس بن جديد إثر أحداث 1988، والذي تم تعليق العمل به إثر الانقلاب العسكري بداية التسعينيات. وفي 1996، بادر الرئيس لمين زروال، المنتخب حديثًا حينها، بتشكيل لجنة من أجل إعداد الدستور لتجاوز الفراغ المؤسساتي الذي تعيشه البلاد وهو الدستور الحالي الذي تم إقراره في استفتاء شعبي في الثامن والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 1996.
تعديل دستوري.. بخطى "السلحفاة"
إثر اندلاع الثورات العربية، أعلن عبد العزيز بوتفليقة في خطاب للشعب الجزائري في الخامس عشر من نيسان/أبريل 2011 عزمه إخضاع الدستور إلى تعديل تحت يافطة الإصلاح السياسي على غرار ما قامت به المغرب المجاورة. وبذلك يكون التعديل الثالث للدستور الذي يقترحه بوتفليقة منذ صعوده للسلطة سنة 1999.
ولقد لقي الإعلان عن نيّة تعديل الدستور ردود أفعال مختلفة من الفاعلين السياسيين حيث شككت أغلب أحزاب المعارضة في جديّة السّلطة في ملفّ الإصلاح السياسي. وفي هذا الجانب، يقول الكاتب الصحفي المتابع للشأن الجزائري نصرالدين بن حديد لـ"الترا صوت": إن "التحوير جزء من محاولة إتمام وضع اليد على الدولة".
وقد أوكل بوتفليقة في البداية لرئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح مهمّة إجراء مشاورات مع الأحزاب والشخصيات الوطنية. وقدّم بن صالح في نهاية شهر حزيران/يونيو 2011 حصيلة مشاوراته إلى بوتفليقة. وبينما تم القيام بتعديلات في عدد من القوانين الأساسية على غرار قانونيْ الأحزاب والصحافة في بداية 2012، بقي ملف التعديل الدستوري مركونًا على الرفّ إلى غاية نيسان/أبريل 2013، إذ أعلن الوزير الأول عبد المالك سلال، قبل أسبوع من الذكرى الثانية لخطاب "الإصلاحات" لسنة 2011، تنصيب لجنة خماسية لتعديل الدستور تولّى رئاستها أستاذ القانون في جامعة قسنطينة عزوز كردون. وقدّمت اللجنة مسودّة لمشروع تعديل الدستور في أيلول/سبتمبر 2013. وقد تزامنت أشغالها مع مرض الرئيس بوتفليقة وتواجده في باريس للعلاج وما خلفه من جدل واسع في الساحة السياسية.
إثر ذلك، أعلن بوتفليقة، ساكن قصر المرادية، بمجرد إعادة انتخابه لعُهدة رئاسية رابعة، في مايو/أيار 2014، استئناف مسار التعديل بإطلاق جولة جديدة من المشاورات محورها مسوّدة لمشروع التعديل. وأًعلن عن تكليف أحمد أويحيى، مدير ديوانه، بإدارة المشاورات مع القوى الحزبية والشخصيات الوطنية، التي قاطعتها القوى الرئيسية الفاعلة وأهمها حركة مجتمع السلم.
وتناولت المسودة المطروحة مختلف محاور الدستور وتحديدًا مسألة تنظيم السلطات ومسألة الحقوق والحريات، إذ تطرقت لتعديل أكثر من خمسة وأربعين فصلًا ليكون بذلك أشمل مشروع لتعديل الدستور في تاريخ التعديلات الدستورية في الجزائر على مستوى المسائل موضوع التعديل وعلى المستوى الكمّي فيما يتعلق بالفصول محلّ التعديل.
وتتمثّل أبرز مقترحات المسودة في تحديد عدد الولايات الرئاسية بحصرها في عهدتين، وتعزيز الدور الرقابي للبرلمان، وتوسيع تركيبة المجلس الدستوري مع حفاظ رئيس الجمهورية على تعيين رئيسه ونائبه. كما شملت المسودة إثراء في باب الحقوق والحريات بالتنصيص على عدد منها على غرار مبدأ الإنصاف بين الجنسين وحرية الصحافة. وقد حافظت المسودة على الصلاحيات التنفيذيّة الموسّعة للرئيس. ولم تتناول مسألة ترسيم اللغة الأمازيغية التي تمثل مطلبًا لعدد من القوى السياسية والمدنية.
التعديل الدستوري والإصلاح السياسي المنشود
تناولت مسودة مشروع تعديل الدستور الجزائري أساسًا محوري تنظيم السلطات والحقوق والحريات وتطرق التعديل لأكثر من خمسة وأربعين فصلًا
لم يتطلّب تعديل الدستور في 2008 إلا شهرًا واحدًا بين إعداده وإقراره. في المقابل، لا يزال الشعب الجزائري ينتظر التعديل الدستوري الموعود تحت عنوان "الإصلاح السياسي" منذ أربع سنوات ونصف. وتحوّل هذا التعديل من ورقة مواجهة ضغط الشارع الجزائري إبان الثورات في 2011 إلى وعد انتخابي في 2014 مع انتظار إتمامه قبل موفى هذه السنة وفق مسؤولين رسميين.
وفي علاقة بالإصلاح السياسي الذي يمثل عنوان التعديل خاصة مع حديث بوتفليقة الأخير أن هذا التعديل يستهدف إرساء "ديمقراطية هادئة"، يجدر التأكيد أن خصوصية النظام الجزائري تتجلى في حدّة التجاذبات بين مراكز نفوذه، والتي ظهرت بشكل واضح قبيل الانتخابات الرئاسية وإثرها خاصة بعد إقالة مدير الاستخبارات العسكرية الجنرال توفيق. وبالتالي، فإن عملية الإصلاح أو الانفتاح السياسي ترتبط بالضرورة بديناميكية التجاذب بين أركان النظام بغض النظر عن اتجاه أو مشروع كل سلطة نفوذ داخله.
ولذلك يرى مراقبون أن تعديل الدستور لم يكن بخارج عن هذا الإطار وهو الذي طالت مدة إعداده لأربع سنوات ونصف. ويقول نصر الدين بن حديد لـ"الترا صوت" في هذا الجانب إن العودة لملفّ التعديل في الوقت الحالي هو "سعي للخروج من الأزمة القائمة وتنفيذ لاستحقاق موعود". وبالنهاية وحتى ينكشف اللحاف عن النسخة الأخيرة لمشروع التعديل في ظلّ حالة الضبابية وعدم الاسترسال في خطوات إعداده موازاة مع مناخ الشرخ بين السلطة والمعارضة، يبقى سؤال الإصلاح السياسي في الجزائر معلقًا على جواب قد يقصر ميعاده أو يطول.
اقرأ/ي أيضًا: