11-ديسمبر-2022
امرأة في طهران

امرأة في طهران

من يشاهد عروض لوريال أو أي شركة كبرى من شركات منتجات العناية بالبشرة والشعر يلاحظ أن قصات الشعر التي يقررها المصممون لرؤوس العارضات قد تكون مناسبة لأي شيء، لكنها قطعًا غير مناسبة للنشاط اليومي. رؤوس العارضات تبدو في هذه العروض كما لو أنها ممنوعة من التفلت وثمة قيود كيميائية تضبط حركتها، حتى لتبدو الرؤوس التي تعلو أكتاف العارضات والعارضين كما لو أنها لا تنتمي لأجسامهن أو أجسامهم. قصات الشعر هذه لا تُنجز استجابة لحاجة يستدعيها الوضع النفسي أو العملي للعارض أو العارضة. يعامل رأس العارضة في هذه العروض بوصفه كانفا يمكن الرسم عليها أو حجر يمكن نحته من جديد. كل يوم ينمو الشعر على رأس العارضة بانتظار أن يصبح طوله وكثافته قابلان لإعادة تشكيله على النحو الذي يبهر الرائي ويحذره من اللمس.

هذه رؤوس أناس مستوحدة. لا تستطيع التواصل مع الآخرين، لأن أي تواصل من أي نوع يفسد اللوحة أو المنحوتة ويجعلها غير قابلة للإصلاح

 

هذه رؤوس أناس مستوحدة. لا تستطيع التواصل مع الآخرين، لأن أي تواصل من أي نوع يفسد اللوحة أو المنحوتة ويجعلها غير قابلة للإصلاح. والحال، تؤجر هذه الرؤوس على أكتاف أصحابها ليتمكن المصورون من التقاط صور لها. وبهذا تصبح العارضة أو العارض شخصين أو أكثر. شخص مناسب للتصوير والعرض، وشخص مناسب لمعاركة الحياة. الصور تفرض عليهم وعلينا أن نتواصل معها، نحن وهم. هم أبناء صورهم، ونحن عشاق صورهم والمعجبون بها. أما من هم في حقيقة الأمر فهذا أمر يجدر بنا تبينه إن أمكن.

على النسق نفسه، يتشدد النظام الإيراني في فرض الحجاب على النساء. في هذا الفرض أيضًا ما يشبه إخراج الفتاة أو المرأة من نفسها والتعامل معها بوصفها مادة للتصوير. التنوع غائب، صحيح، لكن تعميم الحجاب لونًا وطريقة ارتداء يجعل المرأة كائنًا غير مفرد. تصبح صورتها في الحجاب تمثل كل بنات جنسها. مادة مغلفة تحوي في داخلها غرضًا ثمينًا. اللوحة في هذه الحال، هو جسمها تحت الحجاب. الجسم الذي يترك أمر تحديد معالمه لخيال الرجال والنساء على حد سواء. وحين تقرر الفتاة الإيرانية أن تبرز بعضًا من شعرها للمارة على الطريق، فهي لن تستطيع بعملها هذا أن تثير الرجال من المارة العابرين. ذلك أن هذا الإبراز الذي تقوم به، لا يعدو عن كونه إبرازًا لنفسها ووجهها بوصفهما وجه ونفس فرديان. وكمثل كل الأفراد في الراهن من الأيام، فإنهن يتعبن ويشقين، وقد تكون الواحدة منهن في هذه اللحظة في وضع نفسي وجسدي أبعد ما يكون عن تقبل أي اتصال بآخر من أي نوع، حتى لو كان مجرد تحية عابرة. النساء الإيرانيات اللواتي يطمحن لأن يكن أنفسهن، يرغبن حقًا في أن ينتقلن من مرتبة اللوحة الفنية إلى مرتبة الكائن البشري. ومثلهن في ذلك مثل العارضات اللواتي يتم تحجيب وجوههن وشعورهن وأنفسهن ليتسنى للمصور أن يلتقط الصورة التي تعبر عرضًا عن أن النساء كلهن متشابهات في وظائفهن الاجتماعية.  

اقرأ/ي أيضًا:
مرايا الحبّ