31-يناير-2022

تزايد للنفوذ الإيراني في دير الزور (رويترز)

الترا صوت – فريق التحرير

كشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية عن دور متزايد للميليشيات الإيرانية في محافظة  دير الزور على حساب النظام  السوري. وبينت الصحيفة في تحقيق نشرته أنه منذ سيطرت الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني على المحافظة التي كانت في معظمها سابقًا تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، استطاعت تثبيت وجودها هناك، وتجنيد الآلاف من شباب المنطقة في صفوفها، حيث يتبع الحرس الثوري الإيراني نهجًا يحقق له هذا الانتشار عن طريق الاتصال المباشر مع السكان المحليين والتقرب منهم لاكتساب الشرعية.

 منذ سيطرت الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني على دير الزور، التي كانت في معظمها سابقًا تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، استطاعت تثبيت وجودها هناك، وتجنيد الآلاف

وتشرح الصحيفة أن إحدى الطرق المتبعة هي النشاط الخيري عن طريق أهم مؤسستين تنشطان في المحافظة وهما المركز الثقافي الإيراني ومنظمة جهاد البناء.

وفي الشهر الماضي، فتح الجيش السوري مكاتب لتجنيد مقاتلين سابقين في صفوف المعارضة لكن لم يلتحق أحد تقريبًا، وينقل موقع إخباري محلي أن العدد كان قليلًا جدًا لدرجة أن مسؤولي الأمن التابعين للنظام اضطروا لسحب المارة من الشوارع في محاولة لتسجيلهم في مكاتب التجنيد. وفي حين تعهد النظام بفتح صفحة جديدة مع الكثير من الشباب في إطار جهود أوسع  للمصالحة، فقد اصطدمت مخططاته بعقبة كبرى، حيث يتحدث خبراء محليون ومقاتلون سابقون أن الميليشيات الإيرانية الناشطة في المحافظة كانت تعرض بديلًا أكثر جاذبية.

وبحسب الصحيفة، فإن هناك اعتقاد أن إيران تمارس لعبة طويلة الأمد في دير الزور، فقد نجحت في تجنيد أبناء المحافظة في الميليشيات الحليفة، ووفرت لهم امتيازات وخدمات لا تستطيع سلطات النظام الفاقدة إلى الثقة إلى توفيرها. وسعت إيران إلى تثبيت جذورها  في المحافظة الاستراتيجية حيث تعتبر أن ذلك سيعزز من مصالحها الإقليمية بعد انتهاء الحرب.

وبحسب المتابعين للشأن في المحافظة تحدثوا للواشنطن بوست، فإن إيران تبني المدارس وتوزع كراتين الغذاء، وتحاول تحويل المساجد في المحافظة السنيّة إلى شيعية، وبالفعل تحول بعض السوريين إلى المذهب الشيعي وإن كانوا أقلية، فقد بات الأذان من المساجد الشيعية يسمع للمرة الأولى في دير الزور.

يتحدث شاب يُدعى أبو خديجة للصحيفة الأمريكية أنه حين انضم إلى ميليشيا مدعومة من إيران قبل ثلاث سنوات لم يكن دافعه الدين أو الأيديولوجيا بل أراد الراتب والمزايا، وهو مثل الكثير من الشباب السوري الذي انضم إلى تلك الميليشيات يعتبرون أن ذلك هو  الحل الوحيد للهروب من التجنيد في صفوف جيش النظام. وأضاف أنه في حين يدفع الجيش في دير الزور راتبًا شهريًا يبلغ 27 ألف ليرة سورية وهو ما يعادل نحو 7,5 دولار أمريكي، تعرض الميليشيات الإيرانية أكثر من ضعف ذلك المبلغ، فضلًا عن دفع مرتبات أعلى في مناطق مثل مدينة البوكمال على الحدود العراقية.

يشير أبو خديجة الذي يبلغ الآن 26 عامًا أنه انضم إلى كتيبة تتألف من 100 سوري يحمون في الغالب المخازن الإيرانية في دير الزور، وهم يعملون بالتناوب 15 يوم عمل و15 يوم إجازة، على عكس جيش النظام، الذي يرسل جنوده إلى مناطق بعيدة عن مناطقهم لمدة شهرين على الأقل مع إجازة لا تتجاوز 5 أيام فقط. ويتحدث أبو خديجة عن أن بطاقة التعريف الخاصة بالميليشيات الإيرانية تُخول للمقاتل الحصول على كرتونة غذاء شهرية تحتوى على سكر وزيت طهي وأرز وتونة معلبة وحبوب، وتكون الكراتين مُزيَّنة بصورة للقائد العسكري  للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني الذي قتلته القوات الأمريكية في العراق قبل عامين، إلى جانب جملتين باللغة العربية والفارسية تقولان: "هدية من المقاومة الإسلامية". ويقدم لحاملي البطاقات أيضًا رحلات مجانية إلى دمشق مرتين في الأسبوع على متن طائرات إيرانية، ويمكن  للراغبين في الزيارة لأي سبب كان التسجيل في الرحلة قبل يوم واحد.

يؤكد أبو خديجة أن بطاقة التعريف هذه لا تسمح له فقط بحمل السلاح بل الأهم أنها تحميه من التعرض للاعتقال أو الاستجواب على يد جيش النظام وأجهزته الأمنية المكروهين والمرهوبين في نفس الوقت من معظم سكان المحافظة. وتقول الصحيفة إن الميليشيات المدعومة من إيران كانت الداعم الأبرز والأهم للنظام السوري طوال معظم فترات الحرب السورية، لكنها في بعض المناطق وتحديدًا شرقي البلاد أصبحت تمثل أيضًا منافسًا قويًا على النفوذ هناك.

منحت إيران أولوية لترسيخ موقعها في محافظة دير الزور، وتتولى الميليشيات الإيرانية وميليشيات أخرى حليفة معها السيطرة بشكل أساسي على المدن الرئيسية، ولعل المدينة الأبرز هي البوكمال الواقعة على طول نهر الفرات عند الحدود العراقية. وتمثل هذه المدينة منطقة عبور استراتيجي لإيران، حيث تسعى لإقامة ممر بري يمتد من إيران ويمر بالعراق وسوريا وصولًا إلى لبنان، يسمح بنقل المعدات العسكرية إلى حلفاء طهران تحديدًا حزب الله اللبناني؟ ويمنح هذا المعبر البري عددًا من المزايا الاستراتيجية بما في ذلك قدرة أكبر على مواجهة  إسرائيل.

ولضمان بقاء هذا الممر في يد حلفائها تمارس إيران حملتها متعددة الجوانب في المحافظة لنيل دعم السكان المحليين. ويقول المحلل المقيم في سوريا والمختص في الشؤون القبلية في شرق وشمال شرق سوريا عمار الحمد "يريد الإيرانيون إنشاء قاعدة شعبية موالية لهم في حال اضطروا للمغادرة يومًا ما".

ووفقًا لناشط محلي يُعرف باسم أبو مارية يعمل عدد من الميليشيات في دير الزور بعضها متحالف مع النظام السوري وحليفته روسيا بالإضافة إلى تلك المتحالفة مع إيران، وتضم العديد من الميليشيات المرتبطة بإيران أفرادًا وقيادات محلية سورية تتلقى الأوامر من قادة في الحرس الثوري الإيراني. وقدَّر أبو مارية وجود نحو 12 ميليشيا كبيرة متحالفة مع إيران في المحافظة تتألف من مقاتلين أجانب بينهم إيرانيون وكذلك أفغان وباكستانيون.

يقول أبو خديجة إن سكان منطقته تقبلوا إلى حد كبير السيطرة الإيرانية، في الغالب لأن الميليشيات المدعومة من إيران لديها بوضوح سلطة على الأرض أكبر من النظام، بل ويقدم السكان المحليون الشكاوى إلى المسؤولين الإيرانيين حين يتسبب جنود النظام بمشكلات، وأضاف "لديهم نفوذ أكبر من الجيش".

يشعر معظم سكان دير الزور بالقلق من وجود جيش النظام الذي اشتهر بارتكاب المجازر خلال الحرب التي امتدت  10 سنوات. وأشار أبو خديجة إلى أنهم "يحاولون نيل دعم السكان، بعكس الجيش الذي إذا أراد شيئًا من شخصٍ ما، فإنه يكسر الباب، الإيرانيون لا يفعلون أمورًا كهذه".

الناشط في المحافظة ومن سكانها الأصليين عمر أبو ليلى الذي يترأس شبكة رصد تدعى "دير الزور 24" يقول "لا توجد سلطة حقيقية على الأرض بقوة إيران في أعين السكان"، وأضاف أن "إيران مدركة لذلك. إيران ليست غبية، إنَّها تتأكد من عدم اكتساب عداوة الناس".

منحت إيران أولوية لترسيخ موقعها في محافظة دير الزور، وتتولى الميليشيات الإيرانية وميليشيات أخرى حليفة معها السيطرة بشكل أساسي على المدن الرئيسية

وعمل الإيرانيون على المساعدة في تحسين ظروف معيشة أهل المحافظة كجزء من محاولة نيل دعم السكان المحليين، ووفقًا لتقارير محلية تبني منظمة "جهاد البناء المدارس وتقيم المستشفيات الميدانية وتفتتح دور الحضانة في دير الزور وكذلك في مدن حلب وحماة ومناطق أخرى في المناطق التي يسيطر عليها النظام". ويضيف أبو ليلى أن المركز الثقافي الإيراني يعيد في غضون ذلك تأهيل المساجد في محاولة لنشر المذهب الشيعي، فقد نظم خلال شهر رمضان  صفوفًا لتعلم اللغة الفارسية والتاريخ الإيراني، وقدم حوافز مالية للأسر التي تُنهي الصف، وأقام المركز أيضًا أضرحة شيعية في دير الزور لجذب الزوار.