17-مارس-2019

تظل الأوضاع الاقتصادية المسبب الرئيسي لظاهرة تأخر سن الزواج في لبنان (Getty)

بحسب إحصائيات تناقلتها وسائل إعلام، تتصدر لبنان قائمة الدول العربية في تأخر سن الزواج بين الشباب، والذي وصل إلى ما بين 27 و32 عامًا بالنسبة للشابات و31 عامًا بالنسبة للشباب، في حين كان معدل سن الزواج خلال التسعينات، ما دون 30 عامًا بكثير.

تتعدد أسباب تأخر سن الزواج بين الشباب اللبنانيين، لكن تظل الأوضاع الاقتصادية المسبب الرئيسي لظاهرة تأخر سن الزواج

وقد تتعدد أسباب تأخر سن الزواج بين الشباب اللبنانيين، لكن تظل الأوضاع الاقتصادية المسبب الرئيسي لظاهرة تأخر سن الزواج، مع انعدام وجود أفق يبشر بتحسن الوضع.

اقرأ/ي أيضًا: تناقض الدولة اللبنانية.. ما علاقة قبرص بالزواج المدني في لبنان؟!

شباب لبناني بلا فرص عمل

تراجع النمو الاقتصادي في لبنان من 8% من 2007 حتى 2010، إلى أقل من 1% في عام 2018. وهناك أكثر من 81 مليار دولار مديونية على الدولة اللبنانية. فيما تعاني الصادرات اللبنانية للدول العربية انخفاضًا كبيرًا بسبب الحرب السورية، وإغلاق المعابر الحدودية، في مقابل ارتفاع نسبة الواردات، ما خلق خللًا في الميزان التجاري اللبناني.

وهناك تحذيرات دولية من تدهور اقتصادي حاد في لبنان، فبحسب إحصائية أجرتها جمعية الصناعيين في لبنان، فإن عدد المصانع عام 2015 كان يبلغ 2365 مصنعًا، لينخفض إلى 1977 مصنعًا في عام 2017.

يكشف ذلك حجم التدهور الاقتصادي المستمر في لبنان، والذي ينعكس أثره بشكل مباشر على المواطنين اللبنانيين، والشباب منهم تحديدًا، الذين تزداد البطالة بينهم، إذ وصلت نسب البطالة إلى حوالي 25% في 2016، متركزة بين فئات الشباب.

البطالة في لبنان
وصلت معدلات البطالة في لبنان عام 2016 إلى 25% ما دفع لخروج احتجاجات

وتزداد المعاناة اطرادًا بالبعد الجغرافي عن المركز إلى أطراف لبنان البعيدة عن المدن والمراكز الرئيسية، حيث تزداد فيها نسب البطالة، وتنخفض فيها الأجور بنسبة كبيرة.

وعلى مستوى آخر، فإن التوظيفات تقوم أساسًا على المحسوبيات السياسية كرشاوى انتخابية. وقد تم الكًشف مؤخرًا عن توظيف أكثر من خمسة آلاف شخص في عدد من الإدارات العامة والمرافق الحكومية، خلافًا للأصول القانونية ودون خوض امتحانات لتقييم الكفاءة، في الوقت الذي يتم فيه معارضة توظيف الناجحين بالكفاءة وتعطيل التحاقهم بالوظائف بسبب الانتماء الطائفي والسياسي، بحسب آخر تقرير صادر عن التفتيش المركزي في لبنان. 

تكاليف الزواج

وتلعب المتطلبات الأساسية للزواج، ضمن المشكلة الاقتصادية، دورها في تأخر سن الزواج بين الشباب في لبنان. وتدخل في تلك المتطلبات الأساسية، القدرة على تحمل تكاليف المعيشة، وأدناها الفواتير اللازم دفعها، بالإضافة إلى الضرائب المباشرة التي ارتفعت معدلاتها بشكل كبير.

وتعرف لبنان بالارتفاع الكبير لتكاليف المعيشة فيها مقارنة بدول أخرى في المنطقة، في مقابل تركز ثروتها في يد قلة قليلة. فبحسب مؤسسة كريديت سويس، فإن أغلب الثروة اللبنانية المقدرة بـ99 مليار دولار أمريكي لعام 2017، تتركز في يد 3% من السكان.

وقد كشفت دراسة نشرها بنك عودة  حول أسعار الشقق في بيروت، أنها تتراوح ما بين ألفي دولار وسبعة آلاف دولار للمتر المربع الواحد، أي أن شقة بمساحة 100 متر مربع، يتراوح سعرها ما بين 200 ألف دولار والمليون دولار بحسب المنطقة في العاصمة بيروت.

وفي الأزمة العقارية، توقفت المؤسسة العامة للإسكان عن إعطاء قروض للبنانيين لشراء الشقق على المدى الطويل، ثم في بدايات عام 2019 توجهت المؤسسة العامة للإسكان إلى رفع الفوائد على القروض السكنية من 3.78% إلى 5.9%، ما يزيد من الأعباء على الجميع، ومنهم الشباب المقبل على الزواج.

وما يكشف عن ذلك، انخفاض نسبة قبول طلبات القروض السكنية من خمسة آلاف طلب إلى 110 طلبات، وفقًا للشروط الجديدة المعتمدة ضمن خطة عام 2019، أي بوجود فارق ناقص في العدد يبلغ 3900 طلب لقرض سكني.

تداعيات اجتماعية ونفسية

يؤدي تأخر سن الزواج إلى تغيير في الهيكلية الديمغرافية للمجتمع اللبناني من حيث تفريغه من شبابه وارتفاع نسبة الكهولة، وتغير في طبيعة العائلة اللبنانية واتجاهها صوب النموذج الغربي الصغير أو العائلة النواتية. 

كما أن ذلك يدفع من جهة أخرى إلى إيجاد أطر جنسية أخرى، بعد أن كان الأمر محصورًا غالبًا بمؤسسة الزواج؛ وذلك من أجل إيجاد بدائل جديد لإشباع الرغبات الجنسية الطبيعية.

الزواج في لبنان
ارتفع متوسط عمر الزواج في لبنان إلى ما يزيد عن 30 عامًا

ويشير نبيل خوري، طبيب علم النفس العيادي، إلى أن هناك "تداعيات على الصحة النفسية جراء تأخر سن الزواج، لأن الإنسان يكون بحاجة إلى استكمال دوره الاجتماعي، لعدم الشعور بالنقص، أو عدم الفاعلية الاجتماعية".

ووفقًا لحديث الخوري لـ"ألترا صوت"، فإن "اكتمال المعالم البيولوجية والنفسية يواكبه اكتمال للمعالم الاجتماعية عند الإنسان الذي يريد أن يثبت لنفسه بأنه قادر على الاستمرار عبر ورثة له، والقدرة على تكوين العائلة. فالرجل يشعر بالأمان من أن هناك من يأتي من بعده ويحمل اسمه وطاقاته وإرثه الجيني، ويشعر بالاستقرار كذلك، في حين تشعر المرأة بأن مولودها يضيف إليها أبعادًا إنسانية واجتماعية أكبر، ويُشبع لديها مشاعر غرائزية".

يؤدي تأخر سن الزواج، بحسب الخوري، إلى حالة من الانتكاس النفسي والاجتماعي لدى الرجل والمرأة، ولتعويض ذلك قد يكرسان حياتهما للاهتمام بأبناء العائلة. لذا، وفقًا للخوري، يسود نمط العمة العزباء المشاركة بفاعلية في تربية أبناء إخوتها الذكور، أو العم العازب أو الخال العازب.

وربما ما يزيد من وقع الأزمة، هو الرغبة في الزواج وتحقيق هذا النمط من الاستقرار، مع انعدام القدرة على ذلك بسبب ظروف خارجة عند إرادة الإنسان، تتركز في الأوضاع الاقتصادية، وأنماط الزواج الاجتماعية، التي تزيد من صعوبة الزواج لتكاليفه الباهظة.

ثمة تداعيات على الصحة النفسية من تأخر سن الزواج لأن الإنسان بحاجة إلى استكمال دوره الاجتماعي لعدم الشعور بالنقص أو عدم الفاعلية

وعلى المستوى النفسي، يعتقد الطبيب نبيل الخوري، أن تأخر سن الزواج لما بعد الـ30، قد يكون له آثار سلبية على نفسية الرجل والمرأة، خاصة في مجتماعتنا العربية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"انتي عانس" وغيرها.. إعلانات تهين المرأة المصرية؟

دراسة حديثة: المغربيات عازفات عن الإنجاب والخصوبة في تراجع