ذكر السائق البرازيلي المعتزل فيليبي ماسا في تصريح أمس الثلاثاء أنّه يفكّر في الطرق القانونية الكفيلة بتحدي نتائج بطولة العالم للفورمولا1 موسم 2008، وبالتالي منحه بطولة العالم بدلًا من لويس هاميلتون، وهو أمر لو حدث فسيغيّر تاريخ اللعبة بشكل جذري.

حلم البرازيل الضائع

في أواخر ثمانينيات القرن الماضي وبداية التسعينيات، كانت البرازيل تملك أفضل سائق لسيارات الفورمولا 1 في العالم، وصنّفه الكثيرون وقتها كأفضل سائق بالتاريخ، ونحكي عن أسطورة سباقات الفورمولا 1 الراحل آيرتون سينا، والذي كان خير خليفة لمواطنه نيلسون بيكيه، الاثنان حصل كلّ منهما على بطولة العالم ثلاث مرّات، في الفترة بين 1981 و1991، لتؤكد البرازيل سيطرتها شبه المطلقة على هذه الرياضة في تلك الحقبة.

آيرتون سينا

عوّضت رياضة الفورمولا1 الشعب البرازيلي بعض الشيء عن خيباته في كرة القدم، كانت آخر ألقاب بطولة كأس العالم لراقصي السامبا في عام 1970، ورغم تواجد أجيال قويّة كفريق الثمانينيات الذي ضمّ زيكو وسقراط وآخرين، إلا أن الخيبات الكروية استمرّت.

اقتنص لويس هاميلتون بطولة العالم 2008 من البرازيلي ماسا في المنعطف الأخير باللفة الأخيرة من السباق الذي أقيم بالبرازيل

النجم البرازيلي الأوّل في تسعينيات القرن الماضي كان السائق آيرتون سينا، كان هو أهم برازيلي رفع علم بلاده في المحافل الدوليّة، واعتبر أسطورة وملهمًا للأجيال في بلد يعشق كرة القدم حتى النخاع.

 ولشدّة أهمّيته كرمز يلهم الرياضيين البرازيليين، رحل سينا إلى بعثة المنتخب البرازيلي قبل انطلاق كأس العالم 1994 بـ58 يومًا، وقتها كانت البرازيل تلعب ودّيًا مع نادي باريس سان جيرمان في فرنسا، وحينها لم يتوقّع أحدٌ أن تنافس البرازيل على بطولة المونديال، حتى بيليه نفسه رشّح كولومبيا للظفر باللقب المقام في الولايات المتحدة، ومن أجل ذلك ذهب آيرتون سينا إلى معسكر المنتخب البرازيلي، وتناول العشاء مع اللاعبين، ومنحهم كلمات مؤثرة ساعدتهم على الإيمان بقدراتهم.

آيرتون سينا قبل مواجهة البرازيل وباريس سان جيرمان 1994

في تلك الفترة كان آيرتون سينا ينافس في بطولة العالم للفورمولا1، وبعد 11 يومًا من اجتماعه مع المنتخب البرازيلي، خاض ثالث جولات بطولة العالم للفورمولا1 بحلبة سان مارينو، كان هنالك شاب صاعد اسمه مايكل شوماخر ينافسه على المركز الأوّل، ومن أجل ضمان الصدارة زاد آيرتون سينا من سرعته، وتعرّض لحادث أودى بحياته، أسابيعٌ بعد ذلك وتتوج البرازيل بكأس العالم ويرفع لاعبوا البرازيل خلال التتويج لافتة كُتب عليها: "سينا، لقد أسرعنا سويّة، اللقب الرابع أصبح لنا".

منتخب البرازيل يكرّم آيرتون سينا فور تتويجه بكأس العالم 1994

برحيل آيرتون سينا، انطفأت شعلة البرازيل في عالم الفورمولا1 إلى الأبد، لكنّ عام 2008 شهدت عودة الروح للبلاد في هذه الرياضة، مع سائق فريق فيراري فيليبي ماسا، والذي اقترب كثيرًا من منح البرازيل بطولة العالم في رياضة السيارات هذه لأوّل مرّة منذ عام 1991.

للمفارقة، آخر جولة من بطولة العالم 2008 للفورمولا1 كانت في البرازيل، قبل بداية الجولة الأخيرة كان البريطاني الشاب لويس هاميلتون يتصدّر المسابقة، ويلاحقه فيليبي ماسا، ومن أجل تتويج السائق البرازيلي باللقب كان عليه الفوز بالمركز الأوّل، بشرط حلول البريطاني لويس هاميلتون بالمركز السادس أو أقل من ذلك.

ماسا يعبر خط النهاية في المركز الأول بسباق البرازيل 2008

عشرات الآلاف من البرازيليين احتشدوا في حلبة ساوباولو لمناصرة ماسا، علّهم يشاهدون بطلًا برازيليًا جديدًا بعد الراحل آيرتون سينا، ولم يخيّب سائق فيراري آمالهم، نال المركز الأوّل بالسباق، في وقت كان به هاميلتون يحتلّ المركز السادس، ما يعني تتويج ماسا والبرازيل بالبطولة، لكنّ المنعطف الأخير باللفّة الأخيرة غيّر كلّ شيء.

 إذ تجاوز هاميلتون السائق الألماني تيمو غلوك، وانتزع منه المركز الخامس، واقتنص بطولة العالم، ويبقى مشهد احتفال فريقي فيراري بفيليبي ماسا، ومكلارين بلويس هاميلتون في الوقت نفسه تاريخيًا، ثوان بعد ذلك ويدرك فريق فيراري وعشرات الآلاف من البرازيليين أنّ اللقب ضاع بطريقة دراميّة، وأن شعلة البرازيل في الفورمولا ون ما زالت نارها خامدة بعد رحيل آيرتون سينا.

لويس هاميلتون فاز ببطولة العالم للفورمولا 1 عام 2008 بفارق نقطة واحدة فقط عن فيليبي ماسا، وأصبح أصغر سائق في التاريخ يظفر باللقب عن عمر 23 عامًا، قبل أن يتخطى رقمه القياسي سيباستيان فيتيل عام 2010، كذلك بات هاميلتون وأوّل سائق أسمر البشرة ينال لقب بطولة العالم، بينما كانت هذه أقرب محاولة للبرازيل من أجل نيل بطولة العالم، ولم تفعلها حتى الآن.

ماذا حدث في سنغافورة 2008؟

تكوّنت بطولة العالم للفورمولا 1 موسم 2008 من 18 جولة، واستضافت البرازيل الجولة الـ18 والأخيرة من البطولة، وتوّج باللقب كما أسلفنا لويس هاميلتون بفارق نقطة واحدة فقط عن فيليبي ماسا، لكنّ الحديث كلّه هنا عمّا حدث بالجولة الـ15 في سنغافورة.

حلبة شارع خليج مارينا في سنغافورة شاركت في استضافة بطولة العالم للفورمولا 1 للمرّة الأولى، وتمّ فيها إجراء أوّل سباق ليلي بتاريخ هذه الرياضة، في هذا السباق نجح البرازيلي فيليبي ماسا في اقتناص المركز الأوّل بالتصفيات التأهيلية، ليضمن مكانه في المقدمة عند خطّ الانطلاق، ومع بداية السباق كانت الأمور تجري بشكل تنافسي طبيعي.

استمرّت الأمور على طبيعتها إلى أن ارتطمت سيارة سائق فريق رينو نيلسون بيكيه جونيور بالجدار، ما تسبّب بدخول سيارة الأمان للسباق، وأدّى الحادث بشكل كبير لتتويج زميله في الفريق فيرناندو ألونسو بالمركز الأوّل، وإثارة الكثير من الجدل حول شرعية هذا الفوز.

في هذا السباق تسبّب الحادث بتغييرات جذرية، فيليبي ماسا الذي انطلق في المركز الأوّل، دخل إلى مراكز الصيانة خلال تواجد سيارة الأمان بالحلبة، وحدث خطأ غريب من فريقه الميكانيكي، تسبب بخروجه من أماكن الصيانة وما زال أنبوب الوقود معلّقًا بسيارته، ليخسر الكثير من الوقت حتى يصل إليه فريق الصيانة ويزيل هذا الأنبوب قبل إكمال السباق.

ماسا يمشي بسيارته في سنغافورة 2008 وأنبوب الوقود مازال معلقًا فيها

كلّف هذا الحادث وما تبعه من أخطاء فيليبي ماسا الكثير من المراكز، وحلّ في نهاية السباق بالمركز 13 دون أي نقطة، فيما نال ألونسو المركز الأوّل، والمهمّ هنا هو ترتيب لويس هاميلتون الذي حلّ ثالثًا.

ماذا لو؟

بعد 15 عامًا من تتويج هاميلتون ببطولة العالم للفورمولا 1، وتحديدًا في شهر آذار/مارس الماضي، فجّر الرئيس التنفيذي للفورمولا 1 السابق بيرني إيكلستون مفاجأة كبرى، حين كشف أنّه ورئيس الإتحاد الدولي للسيارات وقتها كانا يعلمان بتفاصيل حادثة سباق سنغافورة 2008، الأمر الذي أثّر لاحقًا بشكل كبير لصالح تتويج هاميلتون بكأس العالم.

الرئيس التنفيذي السابق للفورمولا1 صرّح لموقع فورمولا1 إنسايدر في آذار/ مارس الماضي، أنّه ورئيس الاتحاد الدولي للسيارات وقتها ماكس موسلي كانا على علم بتفاصيل الوضع في سباق سنغافورة، " قررنا عدم القيام بأي شيء، أردنا حماية الرياضة وإنقاذها من فضيحة ضخمة، لهذا السبب أقنعنا السائق نيلسون بيكيه جونيور بالتزام الصمت في الوقت الحالي".

بيرني إيكلستون زاد في تصريحاته: "في ذلك الوقت كانت هناك قاعدة مفادها أن ترتيب بطولة العالم بعد توزيع الجوائز لا يمكن المساس به، لذلك تم تقديم الكأس إلى هاميلتون وكان كل شيء على ما يرام، كانت لدينا معلومات كافية في الوقت المناسب للتحقيق في الأمر، وفقًا للنظام الأساسي كان يجب علينا إلغاء نتائج السباق في سنغافورة في ظل هذه الظروف، هذا يعني أن فيليبي ماسا سيكون بطلًا للعالم وليس لويس هاميلتون".

تصريحات الرئيس السابق للفورمولا 1 أغضبت فيليبي ماسا، السائق البرازيلي المعتزل صرّح مساء الثلاثاء لموقع موتو سبورت أنّه سيبحث عن العدالة، وسيحاول إيجاد طريقة للمطالبة بحقّه في بطولة العالم للفورمولا1 في 2008، يضيف ماسا: "بعد 15 عامًا مما حصل نسمع أن رئيس الفورمولا 1 ورئيس الاتحاد الدولي للسيارات كانا يعلمان أن ذلك الحادث كان مدبرًا، ولم يفعلا شيئًا كي لا يشوّها صورة الفورمولا 1!.. من جهتي سأدرس خياراتي القانونية، في اعتقادي نتيجة هذا سباق سنغافورة كان يجب أن تُشطب".

الرئيس السابق للفورمولا1: "كان علينا إلغاء نتائج السباق في سنغافورة في ظل هذه الظروف، هذا يعني أن فيليبي ماسا سيكون بطلًا للعالم وليس لويس هاميلتون"

فيليبي ماسا وفريقه حاولوا تغيير نتيجة جائزة سنغافورة الكبرى في يوم حصول حادث نيلسون بيكيه جونيور المفتعل، لكن القواعد الإدارية جعلت ذلك مستحيلًا لسببين، الأوّل أن النتائج لا تتغير بمجرد توزيع الجوائز للسائقين في البطولة، والثاني والأهم أنّه لم يكشف تحقيق الاتحاد الدولي للسيارات في أحداث سنغافورة عن أي دليل يشير إلى أن ألونسو وفريق رينو على علم بخطة الحادث أو ساعدوا في تنفيذها، لذلك شعر مجلس إدارة الفورمولا1 أنه سيكون من غير العدل تغيير نتيجة سباق سنغافورة 2008.

فيليبي ماسا استسلم لهذا القرار في 2008:"في ذلك الوقت، أخبرني محامو فيراري عن هذه القاعدة، ذهبنا إلى محامين آخرين وكان الجواب أنه لا يمكن فعل أي شيء"، لكنّ موقف السائق البرازيلي تغيّر الآن رغم مضي 15 عامًا، فريق رينو متورّط والشاهدان على ذلك رئيسي الاتحاد الدولي للسيارات والفورمولا1 في تلك الفترة وذاك السباق.

نيلسون بيكيه جونيور في سنغافورة 2008

يدرك فيليبي ماسا أنه من الصعب للغاية شطب نتائج سباق سنغافورة، لكنّه مصرّ على العمل بكل الطرق القانونية الكفيلة بمنحه بطولة العالم رغم مضي 15 سنة: "هناك العديد من الأشياء التي لا يمكنك العودة فيها إلى الوراء 15 عامًا لحل الموقف، لكنني أنوي دراسة الوضع، وما تنص عليه القوانين والقواعد، يجب أن تكون لدينا فكرة عما يمكن القيام به، الوضع الصحيح هو إلغاء نتيجة ذلك السباق، إنها العدالة الوحيدة التي يمكن تحقيقها في قضية كهذه".

يعلم فيليبي ماسا جيّدًا أن شطب نتائج سباق سنغافورة هو أمر صعب للغاية وشبه مستحيل، وربّما لم يحدث من قبل في تاريخ الرياضة، باستثناء بعض الألعاب الفردية، كتورّط رياضيّ فائز بالميدالية الذهبية بالمنشطات، وسحب الميدالية منه ومنحها لصاحب المركز الثاني، حتى لو مرّت سنوات على ذلك، ولكن في رياضات جماعيّة يصعب تنفيذ ذلك، خصوصًا أن هاميلتون لم يكن طرفًا مؤثّرًا في معادلة سنغافورة، بل متأثّرًا بشكل إيجابي، أو على الأقل تبيّن في سباق الجولة الأخيرة بالبرازيل أنّه كذلك.

لو لم يصدم سائق رينو نيلسون بيكيه جونيور سيارته بجدار سنغافورة لما فاز ألونسو بذاك السباق، حينها سيفشل لويس هاميلتون بتحقيق بطولة العالم الأولى بمسيرته، وسيروي فيليبي ماسا عطش البرازيل لبطولات الفورمولا ون بعد غياب دام عقود، بقي أن نذكّر بمفارقة هامّة للغاية، وهي أن سائق رينو نيلسون بيكيه جونيور برازيلي أيضًا، وهو ابن أسطورة الفورمولا 1 البرازيلي نيلسون بيكيه.