23-مايو-2024
تزايد عزلة إسرائيل في العالم

(Getty) نُظر إلى اعتراف النرويج وإسبانيا وأيرلندا، بدولة فلسطينية، باعتباره بداية تحول في المواقف الأوروبية

كشف اعتراف دولة أوروبية بدولة فلسطينية عن تحولات سياسية هامة في مواقف أوروبية ثابتة، كما يشير إلى بداية "تصدع" في مواقف الدول الغربية من إسرائيل، نتيجة عدوانها المتواصل على قطاع غزة.

ما سبق عبر عنه مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي جيك سوليفان، يوم الأربعاء، بقوله إن الولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاء العزلة الدبلوماسية المتزايدة لإسرائيل بين الدول التي دعمتها تقليديًا.

جاءت تصريحات سوليفان خلال مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض، في أعقاب إعلان أيرلندا وإسبانيا والنرويج أنها ستعترف رسميًا الأسبوع المقبل بالدولة الفلسطينية. كما جاءت وسط جهود تبذلها إدارة بايدن والكونغرس لتنسيق الرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية بالسعي لإصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

قال مستشار الأمن القومي الأميركي: الولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاء العزلة الدبلوماسية المتزايدة لإسرائيل بين الدول التي دعمتها تقليديًا

وعندما سئل عما إذا كان يشعر بالقلق إزاء العزلة الدبلوماسية لإسرائيل، أجاب سوليفان بالإيجاب. وقال: "أعتقد أنه سؤال عادل. باعتبارنا دولة تقف بقوة في الدفاع عن إسرائيل في المنتديات الدولية مثل الأمم المتحدة، فقد شهدنا بالتأكيد مجموعة متزايدة من الأصوات، بما في ذلك الأصوات التي كانت في السابق تدعم إسرائيل، تنجرف في اتجاه آخر. وهذا يثير قلقنا لأننا لا نعتقد أن ذلك يسهم في أمن إسرائيل أو حيويتها على المدى الطويل... لذا فهذا أمر ناقشناه مع الحكومة الإسرائيلية".

وأضاف سوليفان أن "أفضل طريقة لمعالجة هذه المشكلة هي أن تتبع إسرائيل استراتيجية تهدف إلى هزيمة حماس في غزة مع السعي لحماية المدنيين وضمان إيصال المساعدات الإنسانية. ومن ناحية أخرى، يتعين على إسرائيل أن تتبنى حل الدولتين كجزء من تسوية إقليمية من شأنها أن تشهد اندماج إسرائيل سلميًا مع الدول العربية المعتدلة".

وانتقد سوليفان التحرك الأيرلندي النرويجي الإسباني للاعتراف بالدولة الفلسطينية، قائلًا "إن الهدف لا يمكن تحقيقه إلا من خلال اتفاق عن طريق التفاوض. الرئيس بايدن كان يدعم على نحو رسمي حل الدولتين. لكنه أكد أن حل الدولتين يجب أن يتم من خلال المفاوضات المباشرة، وليس من خلال الاعتراف الأحادي الجانب".

وأضاف: "نعتقد أن الطريقة الوحيدة لتحقيق حل الدولتين الذي يلبي احتياجات الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء هي من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين".

ومع ذلك، انتقد قرار إسرائيل الرد على الاعتراف الثلاثي بقرصنة الأموال عن السلطة الفلسطينية، قائلًا: "أعتقد أن هذا خطأ على أساس استراتيجي لأن حجب الأموال يزعزع استقرار الضفة الغربية. وهو يقوض السعي إلى تحقيق الأمن والرخاء للشعب الفلسطيني، ما يصب في مصلحة إسرائيل. وأعتقد أنه من الخطأ حجب الأموال التي توفر السلع والخدمات الأساسية للأبرياء".

وتوسع سوليفان في التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، يوم الثلاثاء، والتي قال فيها إن الإدارة مستعدة للعمل مع الكونغرس لسن عقوبات محتملة ضد المحكمة الجنائية الدولية ردًا على محاولتها السعي لاعتقال نتنياهو. موضحًا: "نحن نجري مشاورات على أساس الحزبين والمجلسين [النواب والشيوخ] حول جميع الخيارات المتعلقة بكيفية الرد على ما فعلته المحكمة الجنائية الدولية، ولم نتخذ أي قرارات".

ملامح عزلة

ونُظر إلى اعتراف النرويج وإسبانيا وأيرلندا، بدولة فلسطينية، باعتباره بداية تحول في المواقف الأوروبية، إذ تتجه إسرائيل نحو العزلة بشكلٍ متزايد.

وتمتلك إسرائيل مجموعة شبه ثابتة من الحلفاء، من دول مثل المجر والتشيك، وما تزال ألمانيا إلى جانب إسرائيل. ومع ذلك تظهر الانقسامات بشكلٍ أكبر، وتواجه الدول الأوروبية ضغوطًا دولية ومحلية متزايدة لحملها على اتخاذ موقف أكثر صرامة ضد إسرائيل.

ومن بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، وقفت السويد وحدها طوال عقد من الزمان في الاعتراف بالدولة الفلسطينية. لقد دعمت أوروبا منذ فترة طويلة مع إنشاء دولة فلسطينية في نهاية المطاف، أي "حل الدولتين" الذي تعارضه الحكومة الإسرائيلية. وأعربت عن إحباطها من تعامل إسرائيل مع قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، لكن معظم الدول لم تكن راغبة في الذهاب إلى أبعد من ذلك.

وبدلاً من ذلك، كان الاتحاد الأوروبي، قبل الحرب، يقترب أكثر من إسرائيل، بما في ذلك من خلال شراكات مهمة ماليًا وسياسيًا في التجارة والعلوم.

ورغم الاصطفاف الواسع إلى جانب إسرائيل بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، فإن الموقف تحول مع تقدم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي شهد قتل الأطفال والمجاعة الواسعة وتدمير قطاع غزة.

اتخذت أيرلندا وإسبانيا، العضوان في الاتحاد الأوروبي، والنرويج، الدولة المتحالفة بشكل وثيق مع الاتحاد الأوروبي خطوتها بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو ما وصف بـ"التوبيخ الحاد لإسرائيل، حتى لو كان له تأثير عملي ضئيل، ولم يكن مفاجئًا".

وتوضح التقارير: "إذا حذا المزيد من جيرانهم حذوهم، فقد يصبح الاتحاد الأوروبي ثِقَلًا موازنًا رئيسيًا للموقف الأميركي الذي يرى أن الدولة الفلسطينية لا ينبغي أن تنتج إلا عن طريق تسوية عن طريق التفاوض مع إسرائيل. ومن شأن ذلك أن يعمق الصدع بين أوروبا وإسرائيل".

يشار إلى أن الاتحاد الأوروبي حافظ ككتلة على اتفاقياته التجارية وغيرها مع إسرائيل، على الرغم من الدعوات المتزايدة لقطعها أو الحد منها بشكل كبير.

اتخذت غالبية دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة مواقف مماثلة إلى حد كبير في بداية الحرب، لكن المواقف الانشقاقية بدأت بالظهور بشكلٍ متسارع.

ولكن التحولات الكبرى في السياسة الخارجية الأوروبية، تحتاج إلى إجماع كافة دول الاتحاد الأوروبي على موقف واحد. ويظهر الموقف من محكمة الجنايات الدولية هذا الخلاف. إذ قال رئيس الوزراء التشيكي بيتر فيالا، بعد صدور تصريحات مدعي عام المحكمة: إن السعي لاعتقال "ممثلي حكومة منتخبة ديمقراطيًا مع قادة منظمة إرهابية إسلامية أمر مروع وغير مقبول إطلاقًا". ووصف رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ذلك بأنه "سخيف ومخز".

نُظر إلى اعتراف النرويج وإسبانيا وأيرلندا، بدولة فلسطينية، باعتباره بداية تحول في المواقف الأوروبية، إذ تتجه إسرائيل نحو العزلة بشكلٍ متزايد

بدورها، قالت وزيرة الخارجية البلجيكية الحاجة لحبيب إن "الجرائم المرتكبة في غزة يجب أن تُقاضى على أعلى المستويات، بغض النظر عن مرتكبيها".

وقالت وزارة الخارجية الفرنسية، إن "فرنسا تدعم المحكمة الجنائية الدولية واستقلالها ومكافحة الإفلات من العقاب في الحالات جميعها".

من جانبها، قالت الخبيرة في العلاقات الإسرائيلية الأوروبية في ميتفيم، وهي مجموعة أبحاث إسرائيلية في السياسة الخارجية، مايا سيون تسيدكياهو، إن هذه الإعلانات تعكس مقدار الدعم العالمي الذي خسرته إسرائيل منذ هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر.