23-أغسطس-2023
gettyimages

الغضب الأفريقي يتزايد من فرنسا ويتصاعد بشكلٍ كبير في الأونة الأخيرة (Getty)

يكشف المزاج الشعبي في أفريقيا، وسقوط أنظمة الحكم الموالية، أن فرنسا تخسر نفوذها هناك، وسينتهي بها الأمر إلى إغلاق كامل قواعدها العسكرية والخروج من القارة التي كانت أحد مناطق النفوذ الاستراتيجية الأساسية لباريس.

وفي هذا الإطار، نشر موقع "بوليتيكو" الأمريكي، مقالًا للباحث في المجلس الأطلنطي مايكل شوركين، تناول فيه الأحداث الأخيرة في النيجر، والحساسية تجاه الحضور الفرنسي في المنطقة.

ويتحدث شوركين، بصفته "المراقب الطويل" للدور الفرنسي في أفريقيا، وجهودها لمساعدة دول الساحل، وبخاصة بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر، لمواجهة حركات التمرد في المنطقة، التي تقودها الحركات  الجهادية المرتبطة بتنظيم القاعدة، وتنظيم داعش.

الانقلاب الأخير في النيجر، كشف عن حساسية مفرطة من السكان، تجاه الوجود الفرنسي في بلدهم

يشير الكاتب إلى أن الانقلاب الأخير في النيجر، كشف عن حساسية مفرطة من السكان، تجاه الوجود الفرنسي في بلدهم، وسواء ما تقوم به فرنسا حسنًا أو سيئًا في النيجر، فهم تعودوا ولوقت طويل، على الشك بدوافع فرنسا. 

ويضيف أن على فرنسا توقّع الأسوأ، سواء كانت المشاعر المعادية  منصفة أو لا، فالأمر لم يعد مهمًا، فالعلاقة مع فرنسا "أصبحت قبلة الموت بالنسبة للحكومات في أفريقيا"، ومصير رئيس النيجر المعزول محمد بازوم، ترجمة لذلك.

 ويقول شوركين، إن النتيجة الوحيدة التي يمكن التوصل إليها الآن هي أن على فرنسا إغلاق كل قواعدها العسكرية والخروج من البلاد. 

علاقة تاريخية

ويقدم شوركين، سردًا تاريخيًا للعلاقة بين فرنسا والدول الأفريقية التي تعود إلى مرحلة الاستعمار، والسنوات التي تلته، ومرحلة التخلص من آثار الاستعمار.

وهنا يعتبر الكاتب أن اللوم يقع على الجميع في رسم هذه العلاقة، فالنخب الأفريقية كانت أحد عوامل فشل هذه العلاقة، بحكم ربط الرأي العام في تلك الدول، النخب بفرنسا. بالإضافة لذلك، الفقر في خلق إيديولوجيا سياسية أفريقية، التي طغت عليها الشعبوية، ما أدى إلى ظهور أجيال من الشباب المحبطين من الوضع الراهن، والذي صنعتْه فرنسا، كما يعتقدون. لكنّ، الكاتب لا يغفل الخطأ الاستراتيجي الذي وقع فيه القادة الفرنسيون، منذ عام 1960، وهو تاريخ بداية تحرر الدول الأفريقية من الاستعمار، حتى الوقت الحاضر، عبر بناء علاقة سياسية واقتصادية مع الدول الأفريقية، أعاقت التنمية السياسية والاقتصادية في تلك الدول، وزاد الامر سوءًا غياب الاهتمام من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

getty

يشير شوركين، إلى أنه مهما حاولنا توزيع اللوم، فإن حقيقة التدخل الفرنسي، بحسن أو بسوء نية، أصبح يؤدي إلى نتائج عكسية. وعليه، فالانسحاب من أفريقيا سيؤدي، بمستويات ما، لتلاشي النفوذ الدولي لفرنسا، لكن فرنسا لديها في الواقع، مثل بريطانيا، الكثير من ملامح القوة، والأولويات الأخرى التي تعكس استراتيجيتها.

استراتيجية المحيط الهندي- الهادئ

تكشفت وثائق فرنسا الوطنية، بما فيها القانون الذي مرر حديثًا بشأن البرامج العسكرية على مدى خمسة أعوام القادمة المقدر بـ438 مليار دولار، أن مصالح فرنسا الحيوية كامنة في أوروبا، وبشكل أقل في منطقة المحيط الهندي-الهادئ، حيث تحتفظ بثاني أضخم محور اقتصادي حصري، بسبب المناطق التي تسيطر عليها وراء البحار.

ويعتبر محور المحيط الهندي-الهادئ، المنطقة التي تدير فيها فرنسا تعاملات تجارية على قاعدة أوسع من تبادلها التجاري مع أفريقيا.

وبحسب استراتيجية المحيط الهندي- الهادئ فإن تجارتها في المنطقة تمثّل ثلث التجارة الفرنسية خارج الاتحاد الأوروبي، وزادت بنسبة 49% منذ العقد الماضي.

ولا تمثل الحصة الأفريقية من التبادل التجاري إلا نسبة صغيرة، وهي تتقلص، ولا تظهر إلّا بالكاد في إحصائيات التجارة الفرنسية.

getty

القوة الناعمة الفرنسية

ومع ذلك، لا يزال يمكن لفرنسا الاعتماد على قوتها الناعمة في منطقة الساحل وبقية أفريقيا، وعليها أن تتعلم التنافس للحصول على مواقف محببة من الرأي العام، وبطريقة فعالة. وهذا يحتاج إلى عمليات تواصل أفضل، بل ودعاية، وليس جنودًا أو مقاتلات حربية، كما  يقول شوركين.

كما يجب على فرنسا التركيز على عمليات المعلوماتية يدلًا من الحملات العسكرية، التي نالت إعجاب الولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة بعد التدخل الفرنسي في مالي عام 2013.

من جانب آخر، ترغب فرنسا بتجهيز قواتها لكي تكون مستعدة لحرب عالية الوتيرة، وهنا تظهر أن نشاطاتها العسكرية في القارة الأفريقية تعتبر إلهاءً لها.

أما بالنسبة لمكافحة الإرهاب، فإن الواقع الموضوعي يظهر أن القوى الخارجية لا تستطيع عمل أي شيء من دون علاقات مثمرة مع دولة شريكة، وأن سكان البلد المهدد بالإرهاب هم القادرون على معالجة المشكلة، وإذا رفضوا المساعدة الخارجية، لا يمكن فعل المزيد. وفي الوقت نفسه، فإن التهديدَ النابع من ملء روسيا الفراغ مبالغ فيه، ويجب ألا يكون مبررًا لمزيد من التدخل. 

الحكومات الأفريقية، بالتحديد مالي، ترتبط بروسيا، لأنها تشعر بالإحباط من فرنسا

يؤكد الكاتب، أن جزءًا من الجاذبية الروسية، تكمن في أن "الكثير من الأفارقة يرون فيها تلك القوة المعادية لفرنسا، وكلما غابت فرنسا عن المخيلة الجماعية كلما قلت الجاذبية الرمزية لروسيا". 

كما أن الحكومات الأفريقية، بالتحديد مالي، ترتبط بروسيا، لأنها تشعر بالإحباط من فرنسا.

شركاء فرنسا في الغرب

يكشف شوركين أن الولايات المتحدة والشركاء الأوروبيين، مثل ألمانيا، لا يثيرون نفس ردود الفعل، وهو ما يفتح لهم بابًا  لملء الفراغ، وإخراج روسيا، لكن هذا يستدعي منهم أن يظهروا "العناية والإبداعية"، أكثر مما أظهروه حتى الآن. 

وهذا يعني أن على فرنسا الثقة بهم في مستعمراتها السابقة، وكان هذا الأمر عقبة في تسعينات القرن الماضي، لكن في هذه المرحلة، على باريس أن تكون جاهزة، لأنه ليس لديها أي خيار آخر.