31-ديسمبر-2015

دعاء العدل/ مصر

شعب أقرع ونزهي يشترط أكل التفاح الأمريكاني بينما التفاح المصري الأخضر والأحمر والمسرطن على الشجر لا يجد من يأكله، لا يقبل تناول تورتة أعياد الميلاد دون زينة من المستوردة بـ490 مليون دولار (4 مليار جنيه مصري) سنويًا ثم يخرج مع عيد العمال وبداية كل سنة جديدة إلى ساحات المصانع والشركات الحكومية والميادين صارخًا من الجوع، والفقر، وقلة الرواتب: "المعونة يا ريّس".

قال السيسي: "سنحاسب المخطئين"، ولا يزال كل مسؤول يعوم على أنهار من لبن وعسل وخمور في مكتبه حتى الآن

حكومة مساطيل، وبُرمجية، أغلب وزرائها مدمنو شيشة، وكيفهم المغشوش ينعكس على قراراتهم، استوردوا "بفرة" وتبغ مفروم ومكبوس وخام وعلب معسِّل بمليار جنيه خلال 8 أشهر، رغم إن تجارة الحكومة في السجائر والشيشة والدخان تجلب عشرة أضعاف تكاليفها ضرائب، بينما الرئيس السيسي في كل مؤتمر جماهيري يطلب من الناس تقليل استهلاك الطاقة والرضا بالقليل، ويعلن حبه لاشتراكية روسيا، وتبنيه لمبدأ أحمد زكي في البيضة والحجر "إذا غلا عليّ شيء تركته" على الهواء مباشرة، وحين سأله صحفي عن تطبيق ذلك في السياسة الاقتصادية للدولة ومكاتب المسؤولين عامرة ومنتفخة بكل متع الحياة، قال: "سنحاسب المخطئين".. ولا يزال كل مسؤول يعوم على أنهار من لبن وعسل وخمور في مكتبه حتى الآن.

رغم ذلك، الأيام السوداء تشابهت علينا، والليالي الحمراء أيضًا.. هل تذكر حسني مبارك حين قال: "خلوا الشعب يرفع رجليه شوية"؟ كان تلميحه جنسيًا لا يخلو من حسرة، الناس في تزايد، وحملات تنظيم الأسرة فاشلة، ولا حلّ لديه إلا "إخصاء" المصريين، الذين لا يتوقفون عن الولادة مهما ساء حالهم ودخلوا دوامات الفقر والقهر وكسرة النفس، ليس لأي سبب إلا إن لا شيء يبعث على الدفء في هذا البلد والأولاد عزوة و"دفا".

الدنيا برد وقاسية ومتعبة.. وحالات الخوف من المستقبل تحرض على أن يرفع الشعب رجليه، لكن حسبة المصريين مختلفة، تدفعهم إلى الإنجاب أكثر. ستسأل: وما دليلك على إن المصريين عادوا للإنجاب بشراسة في هذه الأيام السوداء؟.. سأجيب: استوردنا قمصان نوم حريمي في 2015 فقط بـ194 مليون دولار (مليار ونصف المليار جنيه)!

بعد هذا الرقم، ولأن الشيء لزوم الشيء، طبيعي أن تعرف إن مصر استوردت جمبري وكافيار وشوكولا بـ78 مليون دولار (أكثر من مليار جنيه)، وكلها إذا وضعتها في إطار التفسير الجنسي للتاريخ، مثيرات ومنشطات جنسية وفسفور يليق بحالة الشراهة والجوع التي تجعل من استيراد قمصان نوم بمليارات "حاجة إنسانية طبيعية"!

في مصر، نحن أمام حكومة ورجال أعمال وطبقة عالية تنتحر شبعًا ومواطن يشنق نفسه لأنه لا يجد ثمن الدواء

طبقًا لشعر عبد الرحمن الأبنودي: "احنا شعبين شعبين.. شوف الأول فين والتاني فين.. وادي الخط ما بين الاتنين بيفوت"، شعب يعض في الأرض وينام من غير عشاء، فالمثل الذي يؤكد إن "ماحدش بينام من غير عشا" انتهت صلاحيته في مصر، وشعب آخر يسكن السحاب، ويتغذى على الجمبري والكافيار وعشاؤه باتون ساليه وتفاح أمريكاني.

المبالغ الضخمة المدفوعة في شراء واستيراد سلع تدخل في باب ما غلا ثمنه وخفّ وزنه، ولا تلاحظ عدم وجودها إذا اختفت - وفقًا لنشرة نهاية العام الصادرة عن الجهاز المركزي المصري للتعبة والإحصاء - تضع من يقول إن مصر على وشك الإفلاس في ورطة، مصر لن تفلس الآن، أصحاب الجيوب الخاوية لا يستوردون لعب أطفال وأجهزة تكييف بـ258 مليون دولار، وكافيار وجمبري وشيكولاتة وفاكهة جاتوه بمليارات.

نحن أمام حكومة ورجال أعمال وطبقة عالية تنتحر شبعًا بينما على الجانب الآخر من الحياة.. شنق مواطن نفسه بالطريق الصحراوي لأنه لا يجد ثمن برشام الضغط، وبابا نويل لن يزوره لينفحه من هداياه هذا العام.

بابا نويل لن يزور القاهرة في رأس السنة، كما لم يوزع هداياه على فقرائها وأطفالها في الكريسماس بعدما رأى بعينه بذخ وفحش وفُجْر المصروفات لاستيراد أشياء لا يقدر هو شخصيًا على شرائها، اكتشف إنه أفقر من المصريين، وقدم استقالته وطلب الهجرة من مصر!

اقرأ/ي أيضًا:

مصر.. إنها حرب المياه

مصر تحت حكم المماليك.. مشاهد ووقائع فاضحة