لا يفرق فيروس كورونا المستجد والمرض الناتج عنه "كوفيد 19"، بين مناطق النظام السوري ومناطق المعارضة، فانتشاره في إحدى المنطقتين سيؤدي لاحقًا إلى تفشيه في كامل الأراضي السورية، في وقت يحاول فيه النظام إخفاء الإصابات بالفيروس ودفن أدلة انتشار الوباء في مناطقه مع الجثث. وتؤكد تقارير صحفية أن أرقام الإصابات أكبر مما يقر به النظام، الذي أعلن مؤخرًاعزل مدينة صيدنايا بريف دمشق وبلدة منين ومنطقة السيدة زينب مركز السياحة الدينية للقادمين من إيران وللميليشيات الإيرانية واللبنانية والعراقية، وهي دول تفشى فيها الفيروس.

لا يفرق فيروس كورونا المستجد بين مناطق النظام السوري ومناطق المعارضة، ما يعني أن النازحين في الشمال السوري المدمر قد يدفعون ثمن حالة الإنكار التي يعيش فيها النظام

وتصنف منظمة الصحة العالمية سوريا على أنها من بين الدول الأكثر عرضة للخطر في إقليم شرق المتوسط ​​، نتيجة للتحديات في النظام الصحي الناتجة عن أكثر من 9 سنوات من الحرب في البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: ترقب في إدلب.. هل تصل المساعدات قبل كورونا؟

وزودت المنظمة النظام السوري بمقاييس حرارة تعمل بالأشعة تحت الحمراء وماسح ضوئي حراري لمطار دمشق الدولي، وأجهزة تنفس وأسرّة للعناية المركزة، وثلاث دفعات من وسائل الحماية الشخصية مثل الأقنعة والأثواب الطبية والمعقمات اليدوية للعاملين، في وقت يعتمد الشمال السوري على مختبر واحد لفحص عينات لفحص المرضى المشتبه بإصابتهم بالفيروس.

الفيروس يدخل مع الميليشيات ومن طرق التهريب

أعلنت وزارة الصحة التابعة لنظام الأسد تسجيل ثلاث إصابات جديدة في مناطق سيطرة النظام، ليرتفع عدد الحالات المُعلن عنها إلى 19 حالة، إضافة إلى حالتَيْ وفاة، كما نشرت "انفوغراف" يوضّح مناطق تسجيل الإصابات، وسط تشكيك بتلك الإحصائيات وترجيح أن الأعداد أكبر مِن ذلك بكثير.

وقالت شبكات إخبارية محليّة، إن شابًا مِن مدينة دوما في غوطة دمشق الشرقية توفي، إثر إصابته بفيروس كورونا، تزامنًا مع تسجيل إصابات جديدة بالفيروس في الغوطة. وحسب ناشطين فإن مخابرات نظام الأسد رفضت تسليم الجثة لذويه، ووجهت تهديدًا لهم بالاعتقال في حال الإفصاح عن أن سبب الوفاة هو فيروس كورونا.

كما ظهرت أعراض الإصابة بفيروس كورونا في بلدة حمورية بالغوطة الشرقية أيضًا على ثلاثة شبّان قدموا مؤخرًا مِن لبنان بشكل غير قانوني، ونقلوا إلى مركز الحجر الصحي بعد التأكّد مِن إصابتهم.

وكان النظام قد أعلن عزل مدينة صيدنايا بعد تسجيل إصابة شاب دخل إلى المدينة عن طريق التهريب من لبنان، لتضاف المدينة إلى قائمة المناطق المعزولة التي تضم بلدة منين بريف دمشق ومنطقة السيدة زينب مركز الميليشيات الإيرانية والموالية لها.

وفي ريف دمشق أيضًا، أغلق مجلس مدينة جرمانا مداخل ومخارج المدينة غير الرئيسية، بهدف التخفيف مِن حركة السير لمنع انتشار الفيروس، حسب ما ذكرت شبكة "صوت العاصمة".

النظام ينشر الفيروس في حلب

شهدت مدينة حلب التي تسيطر عليها قوات الأسد وحلفاؤها الروس والإيرانيون، حملةً تتهم النظام بنشر فيروس كورونا في المدينة، وتطالبه بالإفراج عن المعتقلين السوريين، وطرد الميليشيات الإيرانية. واتهم القائمون على الحملة عبر مناشير ورقيّة، النظام السوري بأنه يساهم في نشر فيروس كورونا بين أهالي المدينة، متعمدًا قتل السوريين بجميع أنواع الأسلحة وبكافة الوسائل.

وكشفت مصادر خاصة لـ"تلفزيون سوريا"، أن رجلًا من أهالي مدينة أورم الكبرى جنوب غرب حلب، توفي إثر إصابته بمرض كوفيد 19، وسط تكتم من نظام الأسد. وأفادت المصادر بأن الرجل البالغ من العمر 74 عامًا أصيب بكورونا، ونقلته زوجته مع اثنين من "الشبيحة" إلى مستشفى الرازي في حلب وتم الحجر عليه بشكل كامل لمدة يومين قبل أن يفارق الحياة في 25 آذار/مارس الماضي.

وأضافت أن جثمان المتوفى نقل إلى بلدة أورم الكبرى في الساعات الأولى من فجر اليوم الذي يليه، وتم دفنه مع التقرير الطبي لمنع انتشار الخبر، كما لم يسمح لأحد بالاقتراب من مكان الدفن، حيث أشرف "الشبيحة" على دفنه بمشاركة ابنه. وأكدت المصادر أن مستشفى الرازي وثق إصابة الرجل بفيروس كورونا، إلا أن "شبيحة" النظام ضغطوا على المستشفى لتوثيق الوفاة باعتبار أنها ناجمة عن "التهاب ذات الرئة".

ونشرت صحيفة دير شبيغل الألمانية تحقيقًا مشتركًا مع موقع "سوريا إن كونتكست" حول انتشار وباء كورونا في سوريا، أكدت فيه إخفاء نظام الأسد الأعداد الحقيقية للإصابات والوفيات، والتي تقدر بأكثر مما هو معلن.

وحتى الأسبوع الماضي أعلنت وسائل إعلام النظام خلو سوريا من الإصابات وأن جميع الاختبارات كانت سلبية لأسابيع، بيد أن إخفاء الإصابات ليس ممكنًا لفترة طويلة، خاصة مع حصول سوريا في 13 من آذار/مارس الماضي على الدفعة الأولى من أجهزة اختبار الفيروس من قبل منظمة الصحة العالمية.

وكشفت صحيفة "دير شبيغل" أنه "في 21 من آذار/مارس الماضي/ سُجلت أول إصابة بكورونا، حيث عادت طالبة من لندن إلى دمشق عبر الإمارات وبيروت وكانت نتيجة الفحص إيجابية، لكنها لم تخضع للحجر الصحي، باعتبارها ابنة مسؤول قوي في النظام.

تتابع الصحيفة أنه "حتى يوم السبت أعلنت سلطات النظام تسجيل أربع حالات وأعلن مساء الأحد عن أول وفاة، ويبدو ذلك محض كذب فالجائحة تنتشر بسوريا منذ أسابيع في المدن السورية الكبرى لكن يمنع الحديث عنها". ونقل التحقيق عن طبيب من المنطقة الساحلية طلب عدم ذكر اسمه ومدينته والمشفى الذي يعمل فيه، أن "عناصر أمن الدولة يأتون مرارًا وتكرارًا ويأمرون الجميع بعدم الحديث عما يجري وإلا فسنموت".

ويضيف الطبيب "رغم عدم استطاعتي تحديد داء المرضى الذين تم قبولهم بأعداد متزايدة إلا أنهم عانوا التهابًا رئويًا وضيقًا في التنفس وحمى شديدة جدًا، فلا يمكننا إجراء الاختبارات هنا، لذا نرسل العينات إلى دمشق، لكننا لا نتلقى أي إجابة". وبحسب الصحيفة الألمانية فإن طبيبين من مشفى تشرين العسكري في دمشق تحدثا عن سيناريو مشابه لمدن الساحل، فأعداد الإصابات والوفيات تزداد، ناهيك عن وجود العديد من الإصابات بالفيروس بين عناصر المليشيات الأجنبية التي تقاتل مع النظام، والمصابون من أفغانستان وباكستان ولبنان وايران والعراق. وهذا ما يتقاطع مع إعلان مصادر باكستانية في التاسع والعاشر من آذار/مارس الماضي عن تسجيل ست إصابات بكورونا لأشخاص عادوا من سوريا.

كما ينقل التحقيق عن طبيبة تعمل في مشفى بدمشق تأكيدها وجود 50 حالة وفاة بالفيروس، نتيجة عدم توفر أي أدوية وانعدام إمكانية عزل المصابين، فيما سجلت الوفيات على أنها التهاب رئوي حاد.

الشمال السوري يستغيث

لم تسجل حتى الآن أي إصابة بفيروس كورونا في مناطق سيطرة المعارضة السورية، حيث أعلن وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة مرام الشيخ في تغريدة على تويتر أنهم أجروا  اختبارٍا على 27 حالة يشتبه بإصابتها بالفيروس كانت نتيجتها سلبية، لكن الخطر يهدد المنطقة بسبب ضعف المنظومة الصحية التي دمرها نظام الأسد وروسيا خلال السنوات الماضية. وفي محاولة لمنع وقوع كارثة صحية، وقّعت عشرات المنظمات المدنيّة السوريّة على بيان وجّهت خلاله نداء استغاثة مِن أجل استجابة فورية وشاملة ومتوازنة للوباء في عموم سوريا، وحماية الشعب السوري مِن هذه الجائحة.

وطالب الموقّعون على البيان، منظمة الصحة العالمية (WHO) بالشراكة مع المنظمات السورية الاستجابة الفورية والشاملة والمتوازنة لجائحة كورونا، وتزويد جميع السوريين في جميع المناطق السوريّة بوسائل الوقاية مِن الجائحة ومكافحتها، بما في ذلك مجموعات الفحص "Testing Kits"  وأجهزة التنفس الاصطناعية والكمامات والقفازات الطبية ومواد التعقيم، وعدم السماح لـ نظام الأسد بعرقلة الجهود الإنسانية تحت أي حجة أو ذريعة.

كما طالبت المنظمات بتفعيل آليات تمرير المساعدات الإنسانية عبر الحدود بشكل أكبر والحفاظ عليها، لتقديم ما يكفي من الدعم للمدنيين في مناطق سيطرة المعارضة، كما طالبوا المجتمع الدولي ومنظمات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والإنسانية بمزيد من الضغط على "النظام" لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع انتشار الفيروس وتأمين العلاج والحماية لجميع المواطنات والمواطنين على كافة الأراضي السورية، ومراقبة ذلك من خلال مشاركة الأرقام الفعلية للمصابين بفيروس كورونا ضمن مناطق سيطرته.

اقرأ/ي أيضًا: فيروس كورونا يهدد الشمال السوري.. احتمالات مفتوحة على الكارثة

ودعا البيان إلى المزيد مِن الضغط على نظام الأسد لإطلاق سراح أكثر مِن 130 ألف معتقل في سجونه، وكذلك الضغط على الجهات العسكرية الأخرى لإطلاق سراح المعتقلين والمحتجزين تعسفيًا لديها المعرّضين اليوم لخطر أكبر في ظل تفشي الوباء، والسماح للصليب الأحمر بزيارة كل مراكز الاعتقال والتأكد مِن توفر الظروف التي لا تسمح للجائحة بالانتشار.

تصنف منظمة الصحة العالمية سوريا على أنها من بين الدول الأكثر عرضة للخطر في إقليم شرق المتوسط ​​، نتيجة للتحديات في النظام الصحي

وحذرت لجنة الإنقاذ الدولية من أن سرعة تفشي فيروس كورونا، في مخيمات اللاجئين والنازحين المكتظة، ستفوق بأربع مرات سرعة ذروة تفشيه في مدنية ووهان الصينية منشأ الفيروس، وقارنت وضع المخيمات بسفينة "دايموند برنسيس" السياحية التي تفشّى فيها الفيروس وتم فرض الحجر الصحي عليها في ميناء يوكوهاما الياباني، قبل إخلائها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 كورونا في "حمى" نظام الأسد.. إجراءات مسرحية في الوقت الضائع

فيروس كورونا.. من "مهزلة" الدولة المركزية إلى بروبغاندا اليمين الشعبوي