حين غادرت رحمة ابنة الـ14 عامًا مدرستها، كانت ترغب في التخلص من عبء التعليم، بعد رسوبها مرة تلو الأخرى. لكن هذا الخيار دفعها لتكون "خادمة منزلية"، أو كما يطلق عليها البعض "معينة" (كأنهم يجملون الواقع). ترافق البنت بجسدها النحيل، والدتها كلما حصلت هذه الأخيرة على عمل داخل أحد المنازل. تقول والدتها لـ"ألترا صوت": ليس لنا شخص آخر يعيلنا على سد حاجاتنا اليومية. لشراء الأكل والشراب. لا نملك خيارًا سوى العمل لتنظيف المنازل بين الفينة والأخرى".

رحمة طفلة مغربية تعمل رغم صغر سنها كخادمة منزلية بعد أن تركت تعليمها

اقرأ/ي أيضًا: قانون المعينات المنزليات.. عبودية بطبعة مغربية

بعد تركها المدرسة في سن العاشرة، ارتأت الأم، أن ترافقها لمساعدتها في تنظيف منازل السيدات اللواتي يتصلن بها، لتنفيذ مهام منزلية من تنظيف و"جلي" وطبخ وغيرها من أعمال البيت. لكن في الحقيقة، تقوم رحمة بكل تلك الأعمال، لأن والدتها لا تستطيع ذلك بسبب مرضها. تقول رحمة في مقابلة مع "ألترا صوت"، بثقة: "في البداية تتفاجأ السيدات اللواتي يتصلن بوالدتي بمجيئي. وذلك بسبب صغر سني، فأنا بدأت العمل داخل البيوت في سن العاشرة مباشرة بعد مغادرة المدرسة، لكن بمجرد أن يتأكدوا من إتقاني عملي، يبتسمون دون تعليق، وأحيانًا يطلبونني بالاسم لكي أقوم بتنظيف المنزل".

رحمة لا تملك تصورًا آخر في حياتها سوى العمل، سألها "ألترا صوت" عن عودتها إلى المدرسة، إلا أنها ترفض بخجل. تجيب أن وفاة والدها أثرت كثيرًا على أوضاع البيت. فأمها لا تجد معيلًا، فهي تساعدها في شغل المنازل، وتفكر أيضًا في تعلم مهنة "الحلاقة"، التي تحبها كثيرًا.

اقرأ/ي أيضًا: حقوقيون.. وضعية حقوق الإنسان قاتمة في المغرب

قصة رحمة، تشبه قصصًا كثيرة في المغرب. فمشروع القانون المتعلق بعمالة الأطفال يثير الكثير من اللغط وسط حقوقيين مغاربة، لاسيما البنود التي تتعلق بالإشكالات التي تحدد سن الأطفال. فأغلب الحقوقيين يتفقون على أن هذا المشروع لا يرعى حقوق الطفل المغربي، خاصة وأنه ينص على إمكانية تشغيل الأطفال دون سن 18.

في الواقع، قصص كثيرة تؤكد عمالة الأطفال دون هذا السن، سواء داخل المنازل أو في مهن أخرى. لا تتردد أسرهم في تقديم فلذات أكبادهم من أجل إعالتهم، على الرغم من انتهاك براءتهم باكرًا. وتثير المادة السادسة من مشروع قانون يتعلق بشروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالمعينات المنزليات جدلًا واسعًا، لأنها تنص على منع تشغيل الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 16 سنة كعمال منزليين، ومعاقبة من يخالف ذلك، كما يمنع تشغيل طفل ما بين 16 و18 سنة دون رخصة من أسرته أو في أعمال خطيرة. لكن البعض يرى المشكل يكمن في أسرة الطفل، التي وبسبب حاجتها إلى المال، قد تضطر لتشغيل أطفالها دون وصولهم إلى السن القانوني.

تقول راوية البختي، وهي ناشطة مدنية لـ"ألترا صوت" إن "هذا المشروع، الذي حدد في سن 16 سنة، ينتهك اتفاقية حقوق الطفل الذي حدد سن الطفولة في سنة 18 وهي التي صادق عليها المغرب، نتساءل كيف يسمح لأسر الأطفال، وهم في الغالب ينتمون إلى طبقة فقيرة، بتشغيل أطفالهم، عوض التفكير في حلول أخرى تحترم حقوق الطفل ومستقبله أيضًا".

مشروع قانون يسمح بعمالة الأطفال في المغرب تحت سن 18 يحتاج إلى تعديل ويثير الجدل

راوية غاضبة جدًا من مشروع القانون. وبصفتها "فاعلة" في المجتمع المدني، اشتغلت على كثير من حالات الأطفال العاملين في حرف لا تناسب سنهم الصغير ولا براءتهم أحيانًا كثيرة. تقول: "الأطفال الذين يعملون في سن صغيرة غالبًا ما ينحرفون، وأحيانًا يكونون عرضة للتحرش الجنسي والاغتصاب، تنتهك براءتهم من المشغل أو حتى من الزبائن، تجدهم يعملون في النجارة، أو في الحدادة، والفتيات يعملن خادمات في المنازل، يتركون المدرسة بحجة أنهن لا يدرسون جيدًا، أو أن ظروفهن المادية لا تسمح بمتابعة دراستهم، في الحقيقة على المسؤولين إيجاد حلول تلائم حق الطفل وليس العكس".

وكان سبق وانتقدت منظمات دولية هذا المشروع، فقد أكدت منظمة "هيومان رايتس ووتش" أن هذا القانون "لا يلبي اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن العمال المنزليين"، وانتقدت بشدة المشروع ووجهت بشأن ذلك ملاحظات إلى الحكومة المغربية. ونبهت منظمة "يونيسيف" الحكومة إلى "كون مضامين مشروع القانون لا تستجيب للاتفاقية الدولية الموقعة لحقوق الطفل، ولا يراعي مبادئ منظمة الشغل الدولية".

اقرأ/ي أيضًا:

كيف تصبح اتفاقيات حقوق الإنسان ستارًا للانتهاكات؟

مجهولو النسب بالجزائر.. دون حقوق أو هوية