19-أكتوبر-2017

من فن "مادوباني" في الهند

- كيف تُحصي خياراتك إذا ما اُخذت على حين غرة؟ تقاوم؟ تستسلم؟ أم تنتقم؟

- بل أضع في حقيبة ظهري كل مآخذي وصراعات الهويات وجدالاتي البيزنطية مع "أنايّ" وأرحل إلى شواطئ فرصة جديدة... لن أنسى نظاراتي الطبية طبعًا، العدسات اللاصقة خيار سيء لإنسان كسول مثلي... يقول مُتهكمًا.

يبحث بين أقراصه المدمجة، أو "السي دي" باللغة الدارجة الخفيفة، عن أغنية أجنبية يبدو مؤديها كمّن أصابته وعكة صحية ثم اعتلى المسرح وأدّى شيئًا وصفه بالغناء. العجيب أنه يُديرها إلى ما لانهاية، يقول إنها ذات طابع "هيبي" تنفث الغبار عن جموحه الراكد. يلملم أغراضه، أساوره الخيطية، "زنوبته" وفرشاة أسنانه، فالأسنان الوسخة تزعجه إلى حد القرف.

ولا ينسى اغلاق كتابه المهم جدًا الذي يقرأه دون أن يضع علامة.

الساعة الرابعة فجرًا، عيناه مسمرتان في السقف، لا تغمضان، هو أشبه بمن ينتظر خبرًا أو فُرجة في تدافعات القدر.

يبدو متهورًا في قراراته المصيرية، قالها مرة "أنا مقامر"، ومنذاك أدمن اللعبة أو الشعور... بل ربما كلاهما معًا. المجهول يحث جسده على إفراز الأدرنالين وهو يرمي نرد الحظ بتعجرف.

أخبره الشيطان أنه على وشك اقتراف خطأ مصيري، فضحك... لقد ضحك كثيرًا من الشيطان الأبله، والخسارات السطحية التي عددها له، كان الشيطان في حاله تلك كنكتة سمجة تستحق الركل. كان يدرك أن جُل ما سيخسره تأخر شراء السيارة أو الشقة أو البحث عن حبيبة لسنين أخرى.. لا يستهين بالحب، فهو يُكمله ويُسكنه، ولأنه يخاف السُكنى في عصر الصحوة، صحوته أعني، يريد أن يركب أمواج مغامرة متهورة وحده، فإذا اختل توازنه، لم يتأذَ نصفه الآخر.

يُجهز مؤونته من الخيالات الجامحة ويوزعها كيفما شاء في زوايا عقله، سيحتاجها في الأيام المقبلة، حينما تأتي عقلانيته على شكل سؤال مُدّوٍ تغيظه، وهي ترتدي ثوب ناسكة حكيمة متسائلة عن جدوى فعله الأحمق.

الساعة، لا تزال الرابعة والنصف فجرًا، تداعبه بإلحاح أطياف العوالم التي لا يعرفها، والسماء الزرقاء الممتدة كما أوقات القيامة، والعمر سيبدو حينها -هكذا يظن- كما لو ابتدأ توًا.. يُمني نفسه بالآفاق وبتلك الأحلام -التي أسماها يومًا- بالمغفلة ثم عكف على دفنها حية، ما أشرسها لم تستلم!

يهدم أصنام النجاح المرصوصة على سُلم أولوياته، لُيعلن الفتح! ثم يشق في الحائط المجاور نافذة، يطل منها على العالم، فيطير. ينقصه الطيران، ليحيا حُراً كما يريد.

قبل الطيران، سينفض عن عقله عبء الذاكرة بما تحمله من روائح وصور.

- والوطن؟

- صار هو الآخر جزءًا من الذاكرة... تشوّه، كم تغيّر!

- وحينها من ستكون؟

- أنا منذ الآن...اللامنتمي!

 

اقرأ/ي أيضًا:

بأسنان متوحشة تضحك الحياة

مسوّدة الطيران