22-نوفمبر-2015

السيسي مقترعًا

بانتهاء الانتخابات البرلمانية تكتمل مؤسسات الدولة التي أطيح بها بعد "30 يونيو"، لكن اللافت للنظر أن كل من هذه المؤسسات التي تم بناؤها تبدو بلا رؤية أو برنامج تبتغي تحقيقه في فترة عملها.

مرشحون ونواب بلا رؤية

هدف المرشحين كان الفوز بغض النظر عما سيفعلونه بعد فوزهم المنتظر

على عكس انتخابات برلمان 2011، لم يحدث نقاش مجتمعي حول برامج القوائم الانتخابية أو الأحزاب أو المستقلين الذين يخوضون الانتخابات البرلمانية الحالية، كما كان المال السياسي حاضرًا وبقوة في التصويت.

هدف المرشحين كان الفوز بغض النظر عما سيفعلونه بعد فوزهم المنتظر، لذلك اعتمدو على التربيطات الانتخابية، وفاز في الجولة الأولى من هم من عائلات كبيرة. أيضًا كانت عداوة الإخوان حاضرة في ترويج بعض المرشحين لأنفسهم.

حالة التفاخر بعدم وجود برنامج انتخابي كانت ممثلة في أحمد نجل مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك، حيث وقف الأخير واضعًا ذراعه على كتف ابنه فى أحد المؤتمرات ليعلن بكل اعتزاز عدم امتلاك أحمد أي برنامج سياسي، وامتدت هذه الحالة إلى المرشحين المغمورين، ففي مشهد متكرر يجلس أحدهم في ما يشبه مؤتمر صغير على كراسي مقهى ممتد فوق أحد الأرصفة، وحوله أقل من عشرة أفراد يستمعون كلماته "أنا ابن الدايرة، هدفي هو خدمتك ولا أريد أي مصلحة شخصية من المنصب".

وبعبارات واسعة وفضفاضة لخص المرشح مفيد ثابت الأسباب التى تدعو لانتخابه في كونه محاميًا، وأن "البرلمان لا قيمة له بدون محامين لأنهم الأقدر على وضع التشريعات والقوانين المناسبة وتحويل هموم ومعاناة المواطن البسيط إلى قوانين رادعة للفساد والمفسدين بجانب الاستفادة من خبراتهم القانوية في حل مشاكل مصر الخارجية خاصة المتعلقة بسد النهضة".

أما المرشح في دائرة مدينة نصر إسلام رفاعي فبرر ضرورة انتخابه بأنه أكثر ما يساعد الأمن القومي ، قائلًا إن إعادة انتخاب الوجوه القديمة يوصل إلى حالة إحباط، ومواجهة الإحباط بنفس أهمية حراسة الحدود.

وفي نفس الدائرة يروج الدكتور خالد خيرت لنفسه بأنه نجل اللواء حسام خيرت "بطل عملية الكربون الأسود".

أقصى ما تناقش المرشحون بشأنه هو "هل يقلص البرلمان صلاحيات نفسه مقابل صلاحيات أوسع للرئيس"، لكن حتى هذه النقطة لم يكن لدى أي منهم تصور كامل عن الذي سيتم عمله بالضبط، بعضهم وافق عليها والبعض اعترض، دون نقاش جاد حول الأمر.

أيضًا كان هناك سؤال يطرح نفسه، منذ الشهر الماضي، وهو: هل سيقر البرلمان القوانين التي أصدرها السيسي وعدلي منصور في فترة غياب البرلمان؟ تصل هذه القوانين إلى نحو ثلاثمائة قانون، في حين أن الدستور حدد فترة خمسة عشر يومًا فقط من انعقاد المجلس للنظر في أمر هذه القوانين. اللواء سامح سيف اليزل كان لديه حلًا سهلًا لهذه المشكلة "نوافق عليها كلها ثم نناقشها فيما بعد".

ويبدو أن عدوى الترشح بدون برنامج انتقلت إلى النقابات أيضًا، فقال إبراهيم فارس المرشح لعضوية مجلس نقابة المحامين عندما سئل عن برنامجه "لا يوجد لدي برنامج فأنا أراعي ربنا فى خدمات وأموال المحامين"

رامي محسن، مدير المركز الوطني للاستشارات البرلمانية، يعلق على ظاهرة المرشحين بدون برامج قائلًا "معنى أن هناك مرشحًا بهذا الشكل، أنه ليس لديه استراتيجية، وبدونها لا يكون لديه رؤية، في هذه الحالة لو فاز هذا المرشح فسيكون واحدًا من اثنين، إما أن يكون مثل نواب الحزب الوطني فيصوت بالموافقة على أي شيء يعرض في المجلس، أو أنه لن يحضر الجلسات من الأساس".

رئيس بلا برنامج

لا برامج لدى الرئيس، ولا خطة لدى الحكومة، ومن المحتمل أن يكون البرلمان أيضًا بدون استراتيجية تنظم عمله

لكن النواب المستقلبيين، ليسوا وحدهم في هذا الأمر، عندما ترشح عبدالفتاح السيسي للرئاسة لم يكن يمتلك برنامجًا انتخابيًا، وفي أحد اللقاءات سأله الفنان محمد صبحي عن برنامجه، فرد السيسي قائلًا: "انتوا الفنانين كنتوا جزء من الناس اللي ضغطوا عليا، ودلوقتى جايين تطالبونى ببرنامج، أنا معنديش برنامج"، معللاً ذلك أنه كان منشغلًا طوال الفترة الماضية بتقوية الجيش.

الصحفي محمد حسنين هيكل نصح السيسي بهذه النصيحة أيضًا، فقال في حوار صحفي: "لا ينبغي أن يكون للسيسي حملة أو برنامج، لأنه يجب أن يقدم نفسه بصفته الرجل الذي يستطيع المواجهة والخروج من الأزمة". لكن هل فات هيكل أن الخروج من الأزمة لا بد له من رؤية ما؟!

حكومة بلا مشروع

لم يتم طرح الحكومة باعتبارها حكومة سياسية أو تكنوقراط أو حتى حكومة تسيير أعمال تعمل لفترة قصيرة حتى إجراء الانتخابات، لكن البعد عن اختيار شخصيات ذات دور سياسي بدا واضحًا. يعلق الباحث السياسي محمد العربي على هذه النقطة قائلًا: هي ليست حكومة سياسية بالطبع فلا تجد فيها وزراء مثل فؤاد محيي الدين أو كمال الجنزوي أو ممدوح سالم أو عاطف صدقي، وفي نفس الوقت الأمر أعقد من أن يطلق عليها وصف تكنوقراط، فوزراء التكنوقراط يأتون من أجل حل مشكلة ما خلال فترة زمنية محددة ثم يرحلون، أو يظهرون أكثر في الدول التي تعيش صراعات طائفية أو سياسية تجنبًا لمزيد من الصراع حول مقاعد الحكومة. والوصف الأدق على التشكيل الوزاري هو البيروقراطية، لأن اختيار الوزراء فيها أشبه بالترقيات أو التصعيد لمنصب أعلى بعد قضاء مدة طويلة في الخدمة، كما أن الوزير في هذه الحالة يواجه مشكلات عليه حلها، فلو نجح يستمر في منصبه، أو يتم استبداله.

ويضيف العربي: هؤلاء الوزراء يديرون الأمور، ويكونون بمثابة دروع سياسية مقابل ألا يمس القيادة السياسية أى انتقاد، وهو تقليد قديم من أيام مبارك. والأزمة أنه يقضي على فكرة رجل الدولة وسياسة الدولة العامة والتنسيق بين الوزارات. وضع السياسة العامة يفترض أن يكون من الرئاسة وتنفذه الوزارات، وهو غير موجود، ويوجد بدلًا منه مجموعة المشاريع، والخطط الأمنية، وبهذه الطريقة لو أتيت ببيروقراطيين على أعلى مستوى سيفشلون.

لا برامج لدى الرئيس، ولا خطة لدى الحكومة، ومن المحتمل أن يكون البرلمان أيضًا بدون استراتيجية تنظم عمله. من المفترض أن مؤسسات الدولة تكمل عمل بعضها البعض، لكن كيف يحدث هذا وكل مؤسسة لا فكرة لديها عما تريد فعله؟ تبدو الدولة في هذا الشأن كأعمى يتعكز على أعمى.

اقرأ/ي أيضًا: 

المرشحون للبرلمان المصري..الملايين من أجل مقعد

من ينظم انهيار السيسي؟