22-ديسمبر-2022
gettyimages

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يلتقي في النائب رئيس وزراء الصين هو تشون هوا في طهران في 13 كانو أول/ ديسمبر 2022 (Getty)

كشفت القمم العربية الصينية عن التوترات بين إيران والصين. فبعد زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية، وعقد قمة عربية صينية وخليجية صينية وسعودية صينية ظهرت التوترات الإيرانية الصينية إلى السطح. وظهرت بداية التوترات عقب عقد القمة الصينية السعودية، التي اختتمت بالتوقيع على "اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة" بين السعودية والصين.

كشفت القمم العربية الصينية عن التوترات بين إيران والصين. فبعد زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية، وعقد قمة عربية صينية وخليجية صينية وسعودية صينية ظهرت التوترات الإيرانية الصينية إلى السطح

وأثارت هذه الاتفاقية تحفظات من الجانب الإيراني، فقد اختتمت الزيارة ببيان مشترك شدد على الحاجة إلى "تعزيز التعاون المشترك لضمان الطبيعة السلمية لبرنامج إيران النووي. ودعا الجانبان إيران إلى التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتأكيد على احترام مبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول"، كما تضمن البيان المشترك للقمة التي عقدت بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، إشارةً إلى الجزر الثلاث "طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى"، التي تتنازع عليها الإمارات وإيران والتأكيد على ضرورة التوصل إلى اتفاقٍ لتسوية الملف وفقًا لقواعد القانون الدولي.

ورد مسؤولون إيرانيون على هذا البيان، الذي ترافق مع موجة انتقادات واسعة في وسائل الإعلام الإيرانية. وفي السياق، غرد وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان، عبر تويتر "الجزر الثلاث، أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى في الخليج الفارسي، وهي أجزاء لا تنفصل عن أرض إيران النقية، وتنتمي إلى هذا الوطن الأم إلى الأبد"، وأضاف "فيما يتعلق باحترام وحدة أراضي إيران، فإننا لا نظهر أي تهاون مع أي طرف "، في إشارةٍ للبيان الصادر عن القمة الصينية الخليجية، دون أي يسميه بصريح العبارة.

وفي لقاءٍ لاحق مع السفير الصيني في طهران، أعرب نائب وزير الخارجية الإيراني عن "استياء إيران الشديد من الإعلان"، كما اشتكى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خلال لقاءه مع نائب رئيس الوزراء الصيني هو تشون هوا، الذي كان يزور إيران، بأن "بعض المواقف التي أثيرت خلال زيارة الرئيس شي إلى المنطقة، تسببت في استياء شعب وحكومة إيران".

في غضون ذلك، أعلن كمال خرازي، وزير الخارجية الإيراني السابق ورئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية في إيران، أن "موقف الصين من وحدة أراضي إيران خاطئ، وأن الأمر كان كما لو أننا أخذنا موقف مماثل في تايوان، التي هي جزء من الصين".

من جانبها، ردت وزارة الخارجية الصينية بالقول إن "دول مجلس التعاون الخليجي وإيران جميعهم أصدقاء للصين، ولا تستهدف العلاقات الصينية الخليجية ولا العلاقات الصينية الإيرانية أي طرف ثالث، وأن الصين تحترم وحدة أراضي إيران".

علاقات تاريخية ومصلحية

وينظر للعلاقات الصينية الإيرانية، بأنها ودية إجمالًا منذ ما قبل الثورة الإيرانية، وخلال الحرب الباردة، انفتح الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون على الصين في ذروة الانقسام الصيني السوفياتي. واعتبر شاه إيران الحليف الأبرز  للولايات المتحدة بالمنطقة في حينه، أن الصين الشيوعية هى عامل توازن محتمل، ويمكن أن "توفر لإيران نفوذًا أمنيًا إضافيًا ضد الاتحاد السوفيتي". وفي حينه كانت الصين من بين آخر الدولة الأجنبية التي زارت الشاه في آب/أغسطس 1978 وحثته على قمع الاحتجاجات التي عمت إيران.

وبعد انتصار الثورة الإيرانية مباشرةً، أعرب قادة الصين عن اهتمامهم بإقامة علاقات ودية مع النظام الجديد، وذهبوا إلى حد الاعتذار عن زيارة رئيس الوزراء الصيني هوا جيو فينج للشاه في العام السابق، كما شددوا على أهمية إيران الإقليمية والعالمية، وهو نهج استمر منذ ذلك الحين.

من جانبهم، كان اهتمام قادة طهران الجدد بتوثيق العلاقات مع الصين، مدفوعًا بالضرورة الاستراتيجية، ولا سيما اهتمامهم بشراء الأسلحة الصينية خلال "الحرب العراقية الإيرانية"، وكانت مشتريات الأسلحة الإيرانية من الصين خلال تلك الفترة،  تقارب المليار دولار، خاصةً صواريخ HHY-2" "Silkworm المضادة للسفن، والتي كانت عنصرًا فعالًا، منحت إيران قدرة الرد على الهجمات العراقية تجاه ناقلات النفط الإيرانية. كما لعبت الصين دورًا مهمًا في تطوير الصناعات الدفاعية المحلية في إيران، على الرغم من أنها باعت أسلحة بقيمة مليارات الدولارات للعراق أيضًا، وهو ما اعتبر أن بيكين لعبت مع طرفي الصراع.

getty

على المستوى الدولي أيضًا، استخدمت الصين إيران لانتزاع تنازلات من الولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال، عندما وافق الرئيس الأمريكي السابق جورج  دبليو بوش على بيع 150 طائرة من طراز " F-16" إلى تايوان في عام 1992، استخدمت بكين تعاونها النووي والصاروخي مع إيران للضغط على الولايات المتحدة لإلغاء الصفقة، كما أن الصين لم توافق على تعليق تعاونها بشأن هاتين المسألتين الحساستين إلا بعد "الصفقة الكبرى" مع إدارة كلينتون بشأن حقوق الإنسان وتايوان .

وفي نفس الوقت، صوتت الصين في الأمم المتحدة لصالح جميع قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن برنامج إيران النووي، مع استخدامها حق النقض "الفيتو" ضد أيّ عمل عسكري محتمل ضد إيران، باعتبار أن الأمر يمكن أن يترك تأثيرًا على اقتصادها، الذي يعتمد على النفط الذي يصلها من منطقة الخليج.

بينما واصلت بكين المشاركة في "اتفاق 2015 بشأن البرنامج النووي الإيراني"، و"خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)"، وأدانت رسميًا انسحاب إدارة ترامب من الصفقة، وإعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران، إلا أن  الواردات الصينية تراجعت من إيران، وعلاوةً على ذلك، فقد أفادت تقارير بأن السفن الصينية تجنبت الموانئ الإيرانية، في حين منعت بكين دخول السفن الإيرانية إلى الموانئ الصينية، على الأرجح بدافع القلق من العقوبات الأمريكية.

وطوال الفترة الماضية، استمرت الصين في شراء النفط الإيراني، وإن كان بسعر منخفض، لكن منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، دخلت إيران في منافسة مع صادرات النفط الروسية التي تباع بأسعار منخفضة للغاية، مما يشير للعلاقات الاقتصادية والمصلحية بين بكين وطهران.

طوال الفترة الماضية، استمرت الصين في شراء النفط الإيراني، وإن كان بسعر منخفض

ورغم التصريحات الودية بين إيران والصين في غالب الأحيان، إلّا أن الصين تستمر في انتهاج المسار ذاته في غالبية علاقاتها وهو التركيز على البعد الاقتصادي فيها. وفي الوقت الذي تسعى فيه الصين إلى توسيع نفوذها الاقتصادي في المنطقة، لا يبدو أنها معنية بالتورط في صراعات إيران الإقليمية مع الدول العربية وإسرائيل التي تفضل الحفاظ على علاقات ودية معها.