قدمت مجلة فورين بوليسي الأمريكية رصدًا تحليليًا لمجمل النقاط التي يلتقي عليها محمد بن سلمان ومن خلفه محمد بن زايد مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من ناحية الآليات غير النزيهة في الحكم والسياسات الفوضوية وغير المتوقعة، ننقله لكم هنا مترجمًا بتصرف: 


سيطرة محمد بن سلمان على السلطة تجعل من المملكة العربية السعودية حليفًا لا يمكن التنبؤ به للولايات المتحدة الأمريكية أكثر من أي وقت مضى. وتأتي الزيارة الأولى لمحمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية والحاكم المنتظر للبلاد، إلى الولايات المتحدة الأمريكية في ظل منعطف خطير تشهده علاقة المملكة بالولايات المتحدة المستمرة منذ عقود. فمنذ عام 2015، بدأ محمد بن سلمان في جمع السلطات في يده بدرجة غير مسبوقة في تاريخ المملكة العربية السعودية الحديث. وفي الوقت الذي بشر فيه ولي العهد ببذل جهود في التحول الاقتصادي للسعودية، تؤدي تغييراته في ميزان القوى بالمملكة إلى تغير طبيعة الدولة السعودية كليًا.

جاء هذا القدر الكبير من الفوضى السياسية في الرياض في وقت تحولت فيه صناعة السياسة في الولايات المتحدة نفسها أكثر تقلبًا

وقد جاء هذا القدر الكبير من عدم اليقين في الرياض في وقت تحولت فيه صناعة السياسة في الولايات المتحدة نفسها لتصبح أكثر تقلبًا، تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب. ونتيجةً لذلك، تنامت حالة عدم اليقين في منطقة الشرق الأوسط، حيث أصبح صنع القرار لدى الجانبين شخصيًا بدرجة أكبر، وبعيدًا عن الكيان المؤسسي الذي طالما ارتكزت عليه علاقة الولايات المتحدة الاستراتيجية بالمملكة العربية السعودية.

اقرأ/ي أيضًا: محفل بروباغندا ابن سلمان الغربي.. غراميات توماس فريدمان

يسعى محمد بن سلمان لإعادة تشكيل المملكة التي أنشأها جده الملك عبدالعزيز عام 1932، والتي حكمها أبناؤه منذ وفاته، والتي يتربع على عرشها الملك سلمان في الوقت الراهن. فهو يهدم النظام الذي يميل إلى كونه نظامًا نشأ بمحض الصدفة أكثر من كونه نظامًا مُصممًا بدقة بعد وفاة الملك عبدالعزيز عام 1953، وذلك عندما تفرقت السلطة السياسية عبر العديد من وسطاء السلطة -مانحًا للمملكة نظامًا غير رسمي من الضوابط والتوازنات.

على الرغم من أن المؤسسات الرسمية كانت متواجدة بالكاد خلال فترة حكم الملك عبدالعزيز الطويلة، أنشأ الكثير من أبنائه آليات حكومية حديثة بعد وفاته، وانتقلوا إلى السيطرة على المناصب وفقًا للأقدمية، ما جعلهم يحتلون مواقعهم لعقود. وترسخت السلطة عبر "الإقطاع الأميري" الذي اتسع مع الوقت بزيادة ونمو أبناء الملك عبدالعزيز. وعلى الرغم من أن وجود مراكز متعددة للقوة يعطل نظام وكفاءة الحكومة، ما يترتب عليه بطء عملية صنع القرار بشكل سئ للغاية، فقد كانت بمثابة درع ضد ممارسة السلطة المطلقة من قبل أي شخص.

أدى صعود ابن سلمان إلى التضييق على المساحة المتاحة أمام الأصوات المستقلة المحدودة بطبيعتها في المملكة العربية السعودية

لكن الشخصيات المحورية في المؤسسة السياسية السعودية ماتت على مدار العقد الماضي، تاركةً الملك الحالي الذي يُعد آخر رجال جيله من بناة المملكة العربية السعودية عام 1953. فقد تُوفي ولي العهد الأسبق، الأمير سلطان بن عبدالعزيز عام 2011، بعد شغله منصب وزير الدفاع لمدة 48 سنة، بينما تُوفي خلفه في ولاية العهد، الأمير نايف بن عبدالعزيز بعده بعام واحد، بعدما أمضى 37 سنة وزيرًا للداخلية. وقد تُوفي كل من الملك عبدالله، الذي كان رئيسًا للحرس الوطني لمدة 48 سنة، والأمير سعود الفيصل، الذي كان وزيرًا للخارجية طوال 40 سنة، عام 2015. هؤلاء الرجال الأربعة، يمثلون 173 عامًا من الحكم، وخروجهم من المشهد السياسي يعني أن قيادة الدولة السعودية قد أقبلت على مرحلة مختلفة بعد عقود من مقاومة الإصلاح.

اقرأ/ي أيضًا: مرتزقة ابن زايد في خدمة ترامب.. دحلان ونادر على رأس قائمة المتورطين

ويشير إزالة هذه العوائق من أجل التغيير إلى أن محمد بن سلمان قد واجه معارضة أقل رسمية من داخل العائلة الملكية لتركز السلطات في يده. كما أن حكومة المملكة العربية السعودية لم تكن حكومة الرجل الواحد في أي وقت مضى، لكن القرارات التي اتخذها محمد بن سلمان منذ أن حل محل ابن عمه، محمد بن نايف، في ولاية العهد في حزيران/يونيو الماضي، يبدو أنه يتحرك بالمملكة في هذا الاتجاه. وقد أشعل احتجاز عشرات كبار الأمراء، وبعض نخبة رجال الأعمال السعوديين في فندق ريتز كارلتون بالرياض في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من ذلك، تجدر الإشارة إلى حملة اعتقالات نفذت أيضًا في أيلول/سبتمبر من عام 2017، استهدفت صحفيين، ورجال دين، ونشطاء سياسيين، ما أدى إلى التضييق على المساحة المتاحة أمام الأصوات المستقلة المحدودة بطبيعتها في المملكة العربية السعودية.

أنفق محمد بن سلمان ونظيره الإماراتي ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، جهودًا كبيرة في محاولة كسب ترامب وصهره ومستشاره صاحب النفوذ جاريد كوشنر

رهن محمد بن سلمان مستقبله برؤية المملكة 2030، والتي تُعد خطته للإصلاح الاقتصادي، ومسار التحول الاقتصادي والاجتماعي للمملكة العربية السعودية. وعلى الرغم من ذلك، فقد واجه صعوبة في ترجمة الخطط المكتوبة إلى ممارسات واقعية، إذ إن حالة التيقن حول طرح 5% من شركة أرامكو السعودية للاكتتاب العام بعد عامين من إعلان محمد بن سلمان للخطة، ما هي إلا دليل على عدم تحقق طموحاته على الصعيد الاقتصادي، خاصة في ظل مراوحة برنامجه للتحول الوطني لعام 2020 مكانه.

أنفق محمد بن سلمان ونظيره الإماراتي ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، جهودًا كبيرة في محاولة كسب ترامب وصهره ومستشاره صاحب النفوذ جاريد كوشنر، فور توليه المنصب. لكنهما عانيا مع ذلك من ارتدادات عديدة في مساعيهما في الشهور الأخيرة بسبب انقلاب ترامب 180 درجة عن موقفه في الصيف الماضي، إذ أعلن مؤخرًا رفضه حصار قطر التي تعد شريكًا للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب بينما تورط كوشنر في مزاعم بشأن ممارساته في الفترة التي سبقت فرض الحصار على قطر.

يعتبر محمد بن سلمان وترامب بعضهما البعض أرواحًا متآلفة، نتيجة اشتراكهما في عنصر الفوضى والمفاجئات الغرائية لسياستهما العبثية

سيعتبر محمد بن سلمان ومحمد بن زايد كلاهما ترشيح مايك بومبيو بديلًا لتيلرسون، فرصة لاكتساب الزخم الذي شعرا أنهما حصلا عليه خلال زيارة ترامب للرياض في مايو/أيار 2017 والتي أحاطتها ضجة كبيرة. وكان قد اتخذ بومبيو أثناء عضويته في الكونغرس الأمريكي موقفًا متشددًا معاديًا للإخوان المسلمين ولإيران وهو الموقف الذي لاءم كثيرًا موقف أبوظبي والرياض. لهذا يحاول المسؤولون في السعودية والإمارات استخدام تعيينه المعلق كمقدمة لجولة جديدة من الضغط الذي يهدف لفرض مزيد من الإجراءات ضد قطر وإلغاء الاتفاق النووي الإيراني قبل الموعد الذي فرضه ترامب على نفسه في أيار/مايو المقبل لإصلاح الأمر.

على الأرجح قد يعتبر محمد بن سلمان وترامب بعضهما البعض أرواحًا متآلفة. فقد صب ترامب خلال 14 شهرًا من رئاسته جام غضبه واحتقاره على المؤسسات الأمريكية ابتداء من الـ FBI وصولًا إلى وزارة الخارجية، وكانت ممارسته للسياسة الخارجية غير متوقعة وعرضة دائمًا لإعلانات وتصريحات جديدة. من جانبه اتخذ ولي العهد أيضًا قرارات جريئة لا تكاد تفوح منها رائحة الحذر والتروي، مثل حربه التي شنها في اليمن، وحملته ضد قطر واحتجازه لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري. مع ذلك  في الوقت الذي تُشتت التطورات الداخلية انتباه البيت الأبيض ويكافح بن سلمان لإظهار عودته إلى الساحة الإقليمية، تأتي هذه الزيارة على خلفية توترات قد تسود منطق العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية لفترة قادمة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

في إثبات صهيونية ابن زايد وعياله

تأسيس مملكة محمد بن سلمان "المتهوّرة".. الحكاية من أولها