05-أغسطس-2015

مواطنون يرقصون في جنوب السودان (Getty)

محمد يوسف شاب سوداني يبلغ من العمر 32 عاماً وهو من أصول أفريقية. يعمل في مجال التجارة بين غرب السودان والعاصمة. وقع محمد في حب فتاة سودانية تكبره سناً من أصول عريية بحتة، تسكن في العاصمة السودانية الخرطوم. وكعادة أول حب تبدأ العلاقة بنظرة ثم ابتسامة ثم موعد، فلقاء. حين جاء موعد لقاء يوسف مع أسرة الفتاة التي رفض ذكر اسمها، تمسكاً بمبدأ الخصوصية والخوف على سمعة حبيبته، رفض والد الفتاة أن يزوج ابنته له بالرغم من كبر سن ابنته. لم يكن الرفض مفاجئاً، فيوسف يعلم مسبقاً مسألة اختلاف الأعراق التي يمكن أن تنهي كل شيء. والغريب في الأمر، هو موقف محمد نفسه. يقول، لو أن سودانياً من أصول عربية طلب الزواج شقيقته، فسوف يرفض. ليس بغرض أخذ الثار، إنما لأسباب عديدة، أبرزها عوامل العنصرية التي تسيطر على البلاد. وهذه ليست سوى قصة صغيرة، أو مقدمة لحديث عن مجتمع مأزوم بعنصرياته.

 ظاهرة العنصرية في السودان موروثة من الاستعمار الإنجليزي

علمياً، التعريف المتعارف عليه للعنصرية هو أنها عبارة عن الأفعال والمعتقدات التي تقلل من شأن شخصٍ ما، كونه ينتمي لعرق أو لدين أو لجنس مختلف. كما يستخدم المصطلح ليصف الذين يعتقدون أن نوع المعاملة مع سائر البشر يجب أن يحكم بعرق وخلفية الشخص متلقي تلك المعاملة، وأن المعاملة الطيبة يجب أن تقتصر على فئة معينة دون سواها. العنصرية هي أن تعتقد فئة معينة بأن لها الحق في أن تتحكم بحياة ومصير الأعراق الأخرى. هل هذا موجود في السودان فعلاً؟ الكثيرون يميلون إلى الاعتقاد بأن السودان  منقسم إلى عرقيين رئيسين، عرب وأفارقة، متعارف عليهم في السودان بمصطلح الزنج، بالرغم من احتواء كل قسم على العديد من القبائل والإثنيات المختلفة. وهنالك تقسيم آخر يقول بأنه هنالك سودان شمالي وأهله يدّعون التميز العرقي والأفضلية، كما هناك سودان جنوبي وغربي يدعي الأصاله والتميز على الشماليين حسب وجهه نظر الطرف الأخر. وللسودانيين آراء كثيرة في هذا.

يرى الشاب الطبيب الصيدلاني والناشط السياسي، معتصم سليمان، أن ظاهرة العنصرية في السودان موروثة من الاستعمار الإنجليزي، الذي زرع فكرة العنصرية بين جنوب السودان وشماله، الأمر الذي تسبب في انفصال الجنوب ليكون دولة مستقلة بذاته في عام 2011. يعتبر أن أجندة أمريكا وأوروبا الخفية تسعى لتقسيم السودان إلى خمس دويلات يتم تفرقتها بالعنصرية. وعلى أرض الواقع، يعتقد أن سبب استفحال هذه الظاهرة في المجتمع السوداني، لا يقتصر بين العرب والأفارقة، إنما بين جميع القبائل من العرق ذاته، فالسودان يتكون من أكثر 454 قبيلة تختلف عاداتها وتقاليدها عن سواها، فهناك قبائل ترفض الترابط الاجتماعي بل أيضاً الأمني والسياسي مع غيرها وهذا ما يشهده التاريخ الآن في صراعات قبائل الغرب في دارفور والقبائل في شرق السودان، الأمر الذي يدفع القوى أو الجماعات المتصارعة إلى الزج بشبابهم في صراعاتهم العنصرية.

بدورها، ترفض أمل أحمد، البالغة من العمر 29 عاماً، كل هذه الموروثات. تعلّم أمل اللغة الإنجليزية، وتتحدى العادات والتقاليد والأعراف السائدة، إلى درجة أنها استطاعت أن تجبر أهلها على القبول بالأمر الواقع، وأن يتقبلوا فكرة زواجها من سوداني تعود جذورة إلى أعراق زنجية. لكن بعد مرور أكثر من 7 سنوات على زواجها وإنجابها طفلتها، التي اتخذت ملامح هجينة بين العربية والزنجية، أعربت أمل أنها تعاني معاناة كبيرة. فعلى سبيل المثال، عندما تقضي العطل الرسمية  في مدينة زوجها يتم مناداتها ببنت العرب، وكأن هذا الأمر عار، الأمر ذاته يتكرر وينطبق على زوجها حينما يكون في ضيافة أهلها وأقاربها. على الرغم من ارتفاع نسبة التعليم في السودان، وكذلك التدين، إلا أن العنصرية لا تزال تجري في عروق الشعب، حيث أصبح الأمر الأن ليس في نظرة الأهل لزواجها وحسب، إنما في حضرة المجتمع المنقسم أصلاً. تسأل سؤالاً صعباً: في حال تعرضنا للأذى، من سيرعى طفلتي؟ هل طفلتي سودانية عربية أم سودانية افريقية؟

محاولات شبابية تتصدى للعنصرية

يتكون السودان من أكثر من 454 قبيلة تختلف عاداتها وتقاليدها وجذورها العرقية

يؤكد محمد يحيى، الطالب في كلية الموسيقى والدراما، في حديثه لـ"ألترا صوت"، أن هناك محاولات شبابية ناجحه لمحاربة العنصرية بالسودان، حيث شهدت السينما السودانية بعض المحاولات المتواضعة في محاربة فكرة العنصرية والعصبية القبلية في السودان. يذكر هنا بفيلم "ليدو"، الذي يناقش مبدأ العنصرية ويرفضها تماماً، وهو فيلم، للمناسبة، حصد نسبة مشاهدة عالية على موقع يوتيوب، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي العام الماضي، بالإضافة إلى وجود أفلام شبابية أخرى تناولت في مشاهدها موضوع العنصرية. اللافت هو أن القضاء السوداني يجرم العنصرية ويعاقب عليها، حيث تتراوح أحكام العقوبات بين 6 أشهر إلى عام سجن بالإضافة إلى عقوبة الجلد، حسب قانون العقوبات بالسودان، إذ يطالب كل يوم الحقوقيين والقضاة بالقضاء على العنصرية في البلاد. لكن تبقى المشكلة في تنفيذ هذه العقوبات على أرض الواقع، باستثناء عقوبة الجلد، فلا بد من أن يتم إثبات التهم المنسوبة للعنصري، وهو أمر نادر ثبوته، لأن القبائل السودانية تفضل دوماً في هذه الحالات، أن تاخذ الثأر بيدها، إذ تعتبرها مسأله كرامة وأمور شخصية، لا يحق للدولة التدخل فيها حسب العرف السائد بالسودان.

وفي سياق متصل، يرى الناشط الإعلامي، مصطفى الشيخ، أن ﺍﻟﻠﻪ خلق ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺃﺣﺮﺍﺭﺍً، ﻭﺃﺳﺒﻎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺭﺑﻬﻢ ﺣﻘﻮﻗﺎً ﻣﺘﺴﺎﻭﻳﺔ، ﻭﻣﻨﺤﻬﻢ ﺣﻖ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﺣﻖ ﺍﻟﺤﺮﻳّﺔ، ﻭﺣﻖ ﺍﻟﻤﻠﻜﻴّﺔ، ﻭﺟﻌﻠﻬﻢ ﻣﺘﺴﺎﻭﻳﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳّﺔ ﻟﻪ، ﻭﺟﻌﻞ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﺃﺳﺎﺱ ﺍﻟﻤﻔﺎﺿﻠﺔ ﺑﻴﻨﻬﻢ، ﻭﺻﺎﻥ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺑﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ. يبدو الشيخ منفتحاً ضدّ القبائل، حين يضيف "ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﺛﻨﺎﻥ، هو أن ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﺘﺴﺎﻭﻳﻦ ﻛﺄﺳﻨﺎﻥ ﺍﻟﻤﺸﻂ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻭﺍﻟﻮﺍﺟﺒﺎﺕ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻻ ﺯﺍﻟوا ﻣﺘﻤﺴكين ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﺒﺎﻟﻴﺔ، ﺧﺎﺻﺔ ﻣﻦ ﻳﺴﻤﻮﻥ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﺎﻟﻘﺒﺎئل، ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺩﻯ إﻟﻰ ﺇﺷﺎﻋﺔ ﻛﺮﺍﻫﻴﺔ ﻭﻓﺘﻨﺔ ﺑﻴﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺘﻨﺔ ﻣﻌﺮﺿﺔ ﻟﻺﺛﺎﺭﺓ ﻓﻲ ﺃﻱ ﻭﻗﺖ ﻣﻦ ﺍﻷﻭﻗﺎﺕ". في ختام حديثه دعا إلى مبادرة دائمة لإخماد شرر العنصريّة، منطلقاً من الدين نفسه. فهل من يستجيب؟