11-سبتمبر-2015

لا يثق اللبنانيون بعملتهم (جوزيف عيد/أ.ف.ب/Getty)

قد يتفاجأ المواطن اللبناني عندما يعلم بوجود عملة من النقود المعدنية من فئة 25 ل.ل من ضمن الفئات المعدنية الخمس التي يصدرها المصرف وهي 500 ل.ل و250 ل.ل و100 ل.ل و50 ل.ل. إلا أن نسبة التداول بهذه الفئة من العملات شبه معدومة بين الناس. لكن المصرف المركزي يصدرها ويتداول بها في معاملاته لأنها تستند إلى الطلب أكثر من العرض. إلا أن المواطن اللبناني لن يطلبها بسبب قيمتها الشرائية المتدنية وعدم قدرتها على تلبية أي حاجة من حاجاته، إذ أن لا سلع بقيمة 250 ل.ل في السوق اللبناني.

يصدر المصرف المركزي في لبنان ست فئات من العملات الورقية: 100000 ل.ل، 50000 ل.ل، 20000 ل.ل، 10000 ل.ل، 5000 ل.ل و1000 ل.ل. وتبلغ قيمة الأوراق الأسمية في التداول بحدود 4168 مليار ل.ل والقيمة الأسمية هي القيمة الشرائية للعملات المتداولة في السوق، وتعتبر 100 ألف ليرة لبنانية أكبر قيمة إسمية تليها 50 ألف ليرة وهكذا.

يوجد حاليًا في الأسواق 200 مليون ورقة نقدية في التداول، نصفها من فئة 1000 ل.ل، ونجد بأن عدد الأوراق من هذه الفئة تساوي عدديًا كل العملات الأخرى المتداولة.  وكما هو معترف به عالميا فإن العدد الأكبر من العملات المتداولة في السوق هي الأوراق من الفئات الصغيرة. يرجع ذلك إلى أن المواطنين في تعاملاتهم اليومية بحاجة إلى عملات من فئات متوسطة وصغيرة، على سبيل المثال، في المواصلات والدكاكين والمطاعم إلخ...

يوجد حاليًا في الأسواق 200 مليون ورقة نقدية في التداول

إن وظيفة مديرية العمليات النقدية في المصرف هي إدارة الأوراق النقدية في السوق. فالمديرية مسؤولة عن ضخ الأموال ثم استرجاعها من قبل الوسطاء (مصارف، شركات، زبائن ألخ..). لكل فئة من العملات "سرعة تداول"، ونجد بأن سرعة تداول العملات ذات القيمة الشرائية المرتفعة تكون بمعدل مرتين في السنة، بينما سرعة تداول فئة 1000 ل.ل بطيئة لا تتعدى 0.7% سنويًا. وسرعة التداول  تعني المعدل السنوي الذي تعود العملة به إلى المصرف. بطبيعة الحال فإن الفئات الكبيرة من العملات تجمع يوميًا من قبل المصارف والؤسسات ويتم إيداعها في المصرف بينما أغلب العملات من الفئات المتدنية تبقى في الصناديق، أو متداولة بين أيدي الناس بسبب الحاجة إلى ما يعرف لدى اللبنانيين بـ"الفراطة". إضافة إلى أن نسبة العملات من الفئات المتدنية التي يضعها المواطن في حسابه المصرفي قليلة جدًا.

المصرف يتلف الأوراق غير الصالحة للإستخدام. مدير العمليات النقدية الأستاذ مازن حمدان قال لموقع ألترا صوت إن "70% من الأوراق من فئة ألف ليرة يتم تلفها لأنها غير صالحة للتداول، أي ما يقارب خمسين مليون ورقة مشوهة سنويا".وعند سؤالنا عن الأسباب المؤدية لتضرر العملات المتداولة قال حمدان "التشويه يحصل بسبب إمتصاص الأوراق للرطوبة، وهي مادة إسمها سيبوم تفرزها اليد، توذي الورقة وتجعلها غير قابلة للإستخدام". التشويه يحصل أيضًا يحدث بسبب إهمال واستهتار ولامبالاة بعض المواطنين للعملة كالرسم والتلوين والكتابة والإهداء وتعريضها للماء والأوساخ والجعلكة والقص والإهتراء والتمزيق أو احتواء الورقة النقدية على أختام وثقوب وحرق مقصود.

تعتبر العملة نوعًا من أنواع السلع. منها ما يصنع من مادة البوليمير البلاستيكية ويعيش 7 سنوات، بينما تعيش العملات المصنوعة من القطن سنتين ونصف. وتلعب العوامل الطبيعية دورًا هامًا في حياة الورقة النقدية، ففي مصر تنخفض فترة عمر الورقة بسبب الحرارة المرتفعة، وأما في أفريقيا فلا تعيش الورقة أكثر من شهر ونصف الشهر.

من هنا كان لا بد من توضيح مسألة العلاقة بين المواطن اللبناني وعملته الوطنية، وللحصول على إجابة عن الإشكالية التالية: هل يحترم المواطن اللبناني عملته الوطنية؟

توضح الدراسات في دائرة العمليات النقدية بأن 67% من العمليات المسحوبة من قبل اللبنانيين بواسطة الصراف الآلي تسحب بالعملة الوطنية، والنسبة الباقية سحوبات لعملات مختلفة (دولار، يورو، ألخ). وبحسب حمدان، فإن عملتنا تضم مجموعة من الخصائص التقنية والمواصفات المميزة، كالشكل والألوان وعناصر الأمان والحماية، إذ أن نسبة العملات المزورة أقل من 1%.

تقتصر مشكلة الخلل في العلاقة بين المواطن اللبناني والعملة الوطنية في فئات العملات المعدنية ويبرز ذلك من خلال تسميتها"بالفراطة"، وتدني نسبة الودائع منها في المصارف. ففي استنتاجات لدراسة أولى قام بها المصرف، اتضح بأن اللبناني يعتبر العملة المعدنية بلا قيمة. في حين تظهر الدراسة الثانية التي قام بها بعد فترة، ظهور وعي بالعملة المعدنية مما خلق إلتزاما وتعاملا بالعملات المعدنية من فئة 250 ل.ل و500 ل.ل وذلك نتيجة دخول "البارك ميتر" (عداد مواقف السيارات) حيز الاستعمال على الطرقات وخاصة في المدن. إذن، فإن الحاجة خلقت وعيًا لدى المواطن أدى إلى زيادة طلبه من هذه العملات. تظهر الاستنتاجات بأن نسبة تعامل سكان الأرياف مع النقود المعدنية مرتفعة، ويرجع السبب إلى طبيعة العمل وإنخفاض الأجور وتدني مستويات المعيشة لسكان الأرياف.

في الأرياق ثمة إدراك لقيمة العملة المعدنية نظرًا لطبيعة حاجات الريفيين

إن عملية تدوير الأسعار في لبنان تؤدي إلى آثار جانبية على الاقتصاد الوطني لأنها تسبب تضخم مالي لكل الخدمات والسلع ما دون 1000 ل.ل، كما حدث مع أجرة المواصلات سابقًا حيث ارتفعت بنسبة 100% من 500 ل.ل إلى الدوبل هرباً من التدوير. ينصح الاقتصاديون بضرورة احتفاظ المواطن بالقطع النقدية في جيبه لأن استخداماتها عديدة، ولإجبار المنتجين بخلق خدمات بقيمة متدنية كالاتصالات الهاتفية على الطرقات والسكاكر والخبز وغيرها من السلع، والالتزام بالتعامل بها وعدم رميها.

 من أجل نشر الوعي وتعميم ثقافة العملة الوطنية من خلال الأنشطة والمشاركات في نوادي العملات والمعارض، سيطرح المصرف لعبة جديدة اسمها "موني ماترز ليرة لبنانية" وهي عبارة عن دليل يقدم للمدرسين في المدارس الرسمية والخاصة، ويتضمن استعمال بعض التمارين الحسابية من أجل تعريف الطلاب (5 سنوات وما فوق) على العملة اللبنانية من خلال المعلم الذي يقوم بشرح مفهوم العملة للتلامذة بطرق ممتعة ومسلية.

يقدم المصرف حقيبة تحتوي على مجموعة ألواح ونقود بلاستيكية تحاكي الأوراق النقدية والنقود المعدنية اللبنانية بدقة. تضم كل لعبة ثلاثة أقسام مختلفة لكل منها لون. المجموعة الزرقاء أو "لعبة الشراء"، المجموعة الصفراء أو "لعبة التسوق" والمجموعة الخضراء أو "يساوي، أكثر من، أقل من". تساعد لعبة الأوراق هذه على تنمية بعض المهارات عند الأولاد كالمقارنة الكمية والحساب الذهني ومعرفة القيمة الإسمية والتمييز بين مختلف الفئات.

ولمن يهمه الأمر، يمكن استبدال العملات المشوهة من المصرف في بيروت، كل أربعاء وسبت، من الساعة التاسعة وحتى الحادية عشر صباحًا،، دون دفع أي عمولة. ومن شأن هذا أن يخفف تذمر اللبنانيين من شكل عملتهم!