يمشي الشيخ موسى شاردًا، يقلب حبات سبحته الطويلة على عجل. يتقلى بين الشك واليقين. يكاد يكفر يسب الدين والدنيا معًا. يمسك لسانه، يستغفر ويحوقل، يمسح وجهه ولحيته المشذبة جيدًا بيده الطليقة، يكاد يقول: لماذا يا الله؟ يبتلع مرارته ويستغفر ثانية.

الشيخ موسى الذي اعتاد قبل أن يقارب زوجته أن يردد دعاءه الأثير "اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا"، وكلما رزق بطفل نافس الشياطين بشقاوته. الشيخ موسى الذي يصلي على النبي ألفًا قبل أن ينام ليقضى عنه دينه يفتح كل صباح صفحة دين جديدة في دكان أبو صبحي.



الشيخ موسى الذي يرسل الرسائل الدينية لكل أصدقائه على الواتساب لا تمضي ليلة دون أن يسمع ما يقض مضجعه ويلوي فؤاده.

الشيخ موسى الذي يردد أذكار النوم بإصرار عجيب تتخبطه الأحلام يمنة ويسرة ولا تتركه إلا ببركة عرق بارد ولزج.

الشيخ موسى الذي يصلي الفجر جماعة ليظل في حرز الله من الشياطين تسحبه يد ضابط الأمن من ياقة دشاشه القصير، تنتف شاربه وتهدده أن تفعل بأمه وأخته ما يقصف رقبة إيمانه وقلبه.

الشيخ موسى الذي يستغفر كثيرًا وطويلًا سرًا وجهرًا ليعصمه الله من المصائب يفتك السكري في كبده وكليتيه.

الشيخ موسى الذي يعد نفسه من أولياء الله المصطفين، ينتظر كل ليلة معجزات صغيرة وجموع الفيوض والأنوار والفتوحات، فلا يسمع إلا عواء كلاب ضالة وشخير أطفاله الخمسة الجياع.

الشيخ موسى يكاد يكفر يكاد يقول: لماذا يا الله؟ لكنه لا يفعل. 

*

إنما دين هذا الزمان علمه فمن تعلم العلم فقد عرف الله. زمن المعجزات ولى ولله في كونه سَنن وقوانين لا يخرقها إيمانك وإنما يسخرها علمك وعملك. ولله في كونه تدابير وتصاريف وأحوال حكمة قد لا يحيط بها ذكرك و إيمانك. لا عزاء لمن يظن في الدين منطق المعلبات والوصفات المعدة للتسخين.

لا عزاء للجهلة والمغيبين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

قصة وثلاث قصائد

كيت شوبن: قصة ساعة