09-ديسمبر-2015

كاريكاتير في دنفر بوست (Getty)

مع نهاية اليوم الحادي والثلاثين من كانون الأول/ديسمبر من العام الحالي 2015، تنتهي حقوق الملكية الفكرية لكتاب "كفاحي" لمؤلفه الزعيم النازي أدولف هتلر التي تمتلكها حكومة ولاية بافاريا الألمانية، وبذلك يمكن لأي دار نشر إعادة نشر الكتاب بصورة رسمية علنية دون الحاجة إلى أخذ إذن من مالك الحقوق. ستسلط هذه المناسبة الرمزية الضوء مجددًا على موقف الجهات الحكومية الألمانية من ماضيها النازي، وطريقة التعامل معه، ودور جماعات الضغط اليهودية النشطة في ألمانيا.

تتعامل الحكومة الألمانية بشيء من العقلانية مع إرثها القبيح، في وقت يزداد فيه النازيون الجدد

قبل حلول هذا الموعد كانت حكومة ولاية بافاريا قد قدمت طلبًا رسميًا، يتضمن دعمًا ماليًا ضخمًا بقيمة خمسمائة ألف يورو، إلى معهد التاريخ المعاصر بمدينة ميونخ، عاصمة الولاية، بضرورة إنتاج نسخة علمية من الكتاب بهدف جعلها نسخة مرجعية ذات شأنٍ.

الهدف من هذه الخطوة يبدو أنه لقطع الطريق أمام ظهور أي نسخ محرفة قد تنشرها دور نشر معينة لأسباب ربحية أو أيديولوجية، وربما يكون أيضًا، أي الهدف، هو إفراغ الكتاب من جاذبيته و"نوستالجيته" ومضمونه المتجانس وذلك بإضافة حوالي خمسة آلاف تعليق وحاشية تشتت ذهن القارئ وتبعده عن رسالة الكتاب بإيراد آراءٍ أو معلوماتٍ تاريخيةٍ تناقض "الأكاذيب وأنصاف الحقائق والخطب الخبيثة"، وفقًا لتعبيرات المعهد الموجودة في الكتاب.

فعليًا، قد تكون النسخة الجديدة هذه، باستثناء قيمتها البحثية المجردة، نسخة لا حول لها ولا قوة على صعيد التأثير الشعبي بعدد صفحاتها الألفين وسعرها الذي يقرب من ستين يورو. فالكتاب، الممنوع المرغوب، بنسخته القديمة، أصبح منذ زمنٍ، بفضل وسائل النشر الإلكترونية، من أكثر الكتب توفرًا بالمجان وبمعظم لغات العالم.

أما قانونيًا ووفقًا لتعليمات وزارة العدل حتى الآن، لن تتمكن دور النشر الألمانية من إعادة طبع الكتاب كما هو؛ إذ يجب عليها لنشره إضافة مقدمات وشروحات وحواش وما إلى ذلك من إضافات طبعات الكتب المزيّدة. رسميًا وبعد الضغوط الهائلة التي مارسها الكيان الإسرائيلي ممثلًا بوزيرة العدل السابقة تسيبي ليفني إلى جانب دور الجمعيات التي تعنى بـ "ضحايا النازية"، فقد طلب هورست لورينتس زيهوفر، رئيس حكومة ولاية بافاريا، من معهد التاريخ المعاصر التوقف عن العمل على مشروع النسخة العلمية من الكتاب.

إلا أنه وبعد رفض إدارة المعهد لقرار الحكومة، اكتفى زيهوفر بسحب تبني حكومته الرسمي للمشروع ولم يجبر المعهد على إلغائه. الغريب أن حكومة بافاريا لم تسحب مبلغ الخمسمائة ألف يورو التمويلي مع إلغاء تبنيها لمشروع النسخة الجديدة.

رمزية هذه الأحداث تظهر بأن الجهات الحكومية الألمانية، حكومة ولاية بافاريا في حالتنا هذه، عرضة لتأثيرات اللوبي اليهودي في ألمانيا، وكذلك تظهر أن الحكومة تريد التعامل بشيء من العقلانية مع إرثها القبيح في وقت ترتفع فيه أصوات النازيين الجدد. وبالنتيجة، تبنت هذه الجهة الحكومية سياسة غير مباشرة ونصف-تدخلية بهدف ضمان الوصول إلى حل وسط يهدّئ جميع الأطراف، وإن لم يكن يرضيهم. ليست هذه السمات أمورًا مستجدة على فلسفة وشكل السياسة في ألمانيا. وأحدث الأمثلة على فِعْل الحكومة الألمانية السياسي يندرج في ذات المضمار.

بعيدًا عن مضمون قصة إعادة نشر كتاب هتلر لكن قريبًا من شكلها، فإن مثال مشاركة القوات الألمانية اللوجستية في الحرب على داعش، واقتصار دورها على خدمات داعمة للدول المقاتلة في تلك الحرب، هو، أي المثال، تجسيد آخر لسياسة ألمانيا غير المباشرة ونصف-التدخلية.

اقرأ/ي أيضًا:

ألمانيا ونظريات اللجوء السوري

ألمانيا تبهر السوريين.. لولا العائلة!