26-سبتمبر-2015

سعودي يدخن سيجارته الأخيرة قبل إعدامه (ياسر الزيات/أ.ف.ب/Getty)

أبقت السّلطات السّعودية مصير الشّاب السّعودي علي النّمر المحكوم بالإعدام غامضًا، بعدما أُعلن عن نية السّلطات إعدامه صباح عيد الأضحى. ويأتي هذا في وقتٍ فتحت فيه السّلطات باب قبول الطّلبات لوظيفة جديدة ــ قديمة، على موقعٍ خاص بالوظائف والخدمة المدنية في السّعودية، في أيار/مايو الماضي: موظّفٌ لتنفيذ القصاص بقطع الرّؤوس أو الأيدي. الإعلان لا يعود للقرون الوسطى، بل للعام الحالي، في دولة تولّت في 22 الشّهر الحالي، رئاسة مجلس خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. الإعلان ليس دعابة.

ويأتي القرار غريبًا بعض الشيء لكثيرين، خصوصًا وأن السعودية هي صاحبة المركز 164 من أصل 180 دولة من حيث احترام حرية الصّحافة، والبلد الذي يعارض لليوم إعطاء المرأة حقوقها. يعتقلن إن فكّرن في قيادة السّيارة، على بساطة الفعل، تقابلهم السّلطات بالاعتقال. لا تحترم السّعودية الحرّيات بشكلٍ عام، لا سيما حرّية الرّأي والتّعبير، واحترام المعتقد كما اختياره، ويقابل الملحد أحكامًا بالجلد والإعدام، إمّا قطعًا للرأس، أو صلبًا.

وفيما لا يزال مصير النمر مجهولًا، تعد السّعودية من بين الدّول الخمس الأوائل في العالم من حيث تنفيذ حكم الإعدام، وصنّفت في المركز الثّالث عام 2014، بعد إيران والصّين. وقد أصدرت السّعودية في العام الماضي، قانونًا يجّرم الملحدين بتهمة الإرهاب، أي شخص يعتبر نفسه "ملحدًا، أو يشكّك في بمبادئ الإسلام الأساسية" سيعد إرهابيًا، ويسري عليه القانون ذاته الذي يسرّي على المواطن السّعودي المقاتل في صفوف الجماعات الإرهابية، أو المتهم بالمساعدة على تشكيل خلايا قد تقوّض نظام المملكة.

قانون الإرهاب الجديد، في ظاهره وُجد لمحاربة الإرهاب، بينما باطنه موجّه للداخل السّعودي، كما يعتبر الكثير من الناشطين في مجال حقوق الإنسان، بل يرونه سدًا منيعًا في وجه أي طامحٍ لتأسيس مجموعةٍ مستقلّة تدخل البازار السّعودي السّياسي. صاحب أي تفكير مختلف، أو محاولة لدخول المعترك السّياسي، سيتعرض للوسم بالإرهاب، حسب القانون الجديد. وتاليًا، سيواجه مصير الشاب النمر.

حكم على النمر الذي كان قاصرًا بقطع رأسه وصلبه حتى يتعفن جسده

قرار إعدام علي محمد النّمر جاء بعد اعتقاله عام 2012 بتهمة الإرهاب وكان حينها قاصرًا. اتهمته السّلطات بالمساس بأمن الدّولة والانضمام إلى جماعة إرهابية غداة مشاركته في مظاهرة للمطالبة بإصلاح النّظام، وصدر الحكم بالإعدام قطعًا للرأس، ثم صلب الجسد حتّى يتعفّن، في أسلوبٍ قروسطي في التّعامل مع السّاكنين على الأراضي السّعودية، من مواطنين ومقيمين. بينما لا يزال النّاشط رائف بدوي مهددًا بالجلد، مع تأجيل تنفيذ الحكم بسبب الضغوطات الدّولية والحقوقية، لا سيما من منظّمة أمنستي، ومثله وليد بو الخير ومخلف الشمّري، بتهمة الإلحاد، وتعدّ نسبة "الملحدين المقتنعين" في السّعودية من الأعلى من حيث المعدّل عربيًا.

تترواح نسبة الإلحاد في السّعودية ما بين 5 و9% بحسب معهد غالوب الدّولي، وتعدّ هذه النسبة الأكثر ارتفاعًا مقارنة مع باقي دول عربية، حتى مع تلك التي تعرف بميولها العلمانية كتونس ولبنان. وبينّت الدراسة أن نسبة الإلحاد في هاتين الدولتين لا تتجاوز 5% من مجموع السكان. نسبة الإلحاد المرتفعة في السّعودية تعود لسياساتها حسب المنتقدين، بحيث لم تعِ المملكة لليوم أن تشدّدها بتطبيق ما تسمّيه "تعاليم إسلامية" يدفع الشّعب للانفجار، مع إنتاج مفعولٍ عكسي يظهر في التّقارير، أبرزها تقرير معهد غالوب وغيره، وساهمت الطّفرة في وسائل التّواصل الإجتماعي "المتاحة" في السّعودية لخروج الأفكار الإلحادية من السّر إلى العلن، وكسر التّابوهات المجتمعية السّائدة بفعل توارث المفاهيم، وتشارك الأفكار المختلفة الافتراضية بين طبقات المجتمع السّعودي كافةً.

هكذا، لم تنفع سياسة القمع في الحدّ من انتشار الإلحاد، على الرّغم من التشّدّد القمعي، بل تحدّى السّعوديون السّلطات الحاكمة، في محاولةٍ لتثبيت مفهومٍ جديدٍ ينصّ على احترام التّعددية الدّينية والفكرية في المملكة، تمهيدًا لإرساء قوانين جديدة تراعي الآخر وتساهم في قبوله، كخطوة أولى ينشدها السّعوديون، وكوسيلة لتحسين مركز المملكة من حيث تصنيف الدّول على مقياس مراعاة حقوق الإنسان، لا سيما في ظلّ رئاستها لمجلس خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.