15-مارس-2019

لا تقل الحروب السيبرانية في تأثيراتها عن نظيرتها الكلاسيكية (AICGS)

لم تعد الأرض وحدها مسرحًا للحرب، بل إن الإنسان اخترع مساحات أخرى أكثر تطورًا، فيما يسمى بالفضاء السيبراني الذي ازدادت وتطورت المعارك من خلاله في السنوات الأخيرة، وجاءت مواقع التواصل الاجتماعي، وهوجة الأخبار الكاذبة، لتكون عونًا للمتحاربين، أو أنها من جهة أخرى، أضافت بعدًا آخر للحروب السيبرانية، وأضافت متحاربين آخرين.

لم تعد الأرض وحدها مسرحًا للحرب، إذ اخترع الإنسان مساحات أخرى أكثر تطورًا، فيما يسمى بالفضاء السيبراني الذي يشهد حروبًا متطورة مؤخرًا

تحاول العديد من الشركات، بل والدول، الحفاظ على بياناتها المدرجة في حواسيبها وشبكاتها، بجيوش من خبراء الأمن السيبراني لحماية هذه البيانات، التي هي المورد والسلعة الأغلى في وقتنا الراهن؛ من جيوش المتسللين والقراصنة.

اقرأ/ي أيضًا: الفضاء السيبراني.. ميدان حروب المستقبل والحاضر أيضًا!

وليس كل القراصنة مستقلون، بل إن أغلبهم يعملون لصالح الغير. لذا فإن العديد من القادة والمسؤولين الدوليين، بدأوا بالتفكير في تصعيد أنشطتهم التقنية الدفاعية، من خلال اتخاذ المزيد من الإجراءات الفعالة. ويُطلق أحيانًا على الخيار المتطرف في مجال الدفاع النشط "hacking back"، أو القرصنة المضادة، تلك التي تستهدف أنظمة الخصم للحصول على أدلة حول ما يفعلونه، أو لإيقاف هجوم محتمل، أو حتى لحذف البيانات أو إتلاف أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالمهاجمين.

حرب شرسة.. صامتة!

ثمة مستويان للحروب السيبرانية: الأول مستوى خاص بالشركات الكبرى، والثاني على مستوى الدول. وأحيانًا كثيرة تختلط الأوراق بين المستويين.

لكن هناك هجمات بعينها أحدث ضجة عالمية، مثل الهجوم السيبراني "WannaCry" الذي وقع في أيار/مايو 2017، وأثر على مئات آلاف الأنظمة الحاسوبية حول العالم، متسببًا في خسارة أكثر من 4 مليارات دولار أمريكي.

وبعد شهر واحد كلف هجوم آخر سمي "NotPetya"؛ عملاق الشحن العالمي "مايرسك"، نحو 300 مليون دولار. وأدى الهجوم إلى اعتماد الشركة لفترة على نظام المراسلة عن طريق واتساب بعد تضرر نظامها الخاص! 

الحروب السيبرانية
يمكن للحروب السيبرانية أن تشكل خطورة بالغة، رغم أنها صامتة

ويعتقد الخبراء أنه لا ينبغي تمكين الشركات الكبرى من بدء النزاعات الإلكترونية بين بعضها البعض، مما قد يكون له عواقب وخيمة حتى لو اقتصرت المواجهات على شبكات المعلومات، فعلى سبيل المثال، ماذا لو اعتقدت شركة أمريكية أنها تتعرض للهجوم من شركة مملوكة للحكومة الصينية؟ هل سيُعتبر الهجوم مواجهة بين الدولتين؟

لذا يعتقد الخبراء أن السماح لهذا النوع من المواجهات، يمكن أن يجعل المزيد من الشركات من الجانبين تتحضر لهجوم مضاد أو "قرصنة مضادة " تتسبب في مزيد من الخسائر.

الهند وباكستان نموذجًا

بالإضافة إلى التوتر العسكري على الأرض، بدأت الحرب السيبرانية بين القوتين النوويتين الجارتين منذ سنوات، ترجعها بعض المصادر مثل "CNBC" إلى 20 سنة ماضية.

وفي الوقت الذي سيطرت فيه دول كبرى على المشهد الدولي بسبب قدراتها على الهجوم السيبراني، تمتلك كل من الهند وباكستان أيضًا برامج اختراق حكومي قوية، بالإضافة إلى خبراء يتمتعون بمهارات تقنية عالية، فضلًا عن  قدراتهم على الوصول إلى أدوات القرصنة.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، يمكن البدء في تلمس أشكال تلك الحرب بينهما إلى عام 1998، حين اخترق المتسللون الباكستانيون بنجاح مركز البحوث الذرية في الهند، ومن بعدها تتابعت عمليات الاختراق الباكستانية. 

هذه المظاهر وغيرها نحتت في اللغة مصطلحًا جديدًا نسبيًا، ألا وهو "Hacktivism" أو ما يمكن تعريبه إلى "القرصنة الأيديولوجية، ويقصد به الهجمات الإلكترونية التي تغذيها أيديولوجية. وعادة ما تستهدف هذه الهجمات الاستيلاء على موقع إلكتروني حكومي أو إعلامي شعبي، ونشر رسائل تشويه عليها لإحراج الخصم أو لتنفيذ أجندات مضادة.

واستمرت الحرب السيبرانية بين الجانبين. وفي هجوم عام 2010، استطاع الجانب الباكستاني أن يمحو بيانات مكتب التحقيقات المركزي الهندي. وفي كثير من الأحيان هاجم كل منهما الآخر، استباقًا لهجمات لاحقة محتملة.

الحروب السيبرانية
لا ينبغي تمكين الشركات الكبرى من البدء في نزاعات إلكترونية، لأن ذلك قد يجر لحرب سيبرانية بين الدول

ووصل الأمر بين الطرفين إلى تطوير تكنولوجيا تجسس حسّي من خلال مدونات ومواقع إخبارية خصصت لاحتضان هذه التكنولوجيا، التي بإمكانها استخدام كاميرات المتصفحين وسرقة بريدهم الإلكتروني.

الصين والولايات المتحدة.. خصمان لدودان

تشير تقارير عديدة إلى زيادة اهتمام الصين بالفضاء السيبراني، وتطوير قدراتها عبره على كافة المستويات، بما في ذلك مستوى الحرب السيبرانية، باعتبارها مجالًا للمناورة أقل تكلفة من الحروب العسكرية.

وبحسب التقرير السنوي الذي قدمته وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إلى الكونغرس، أشار الخبراء إلى اعتماد الصين على إستراتيجية في التعاون الدولي في مجال الفضاء الإلكتروني منذ آذار/مارس 2017، دعت بموجبها إلى التطوير السريع لـ"القوة السيبرانية" الهجومية كجانب مهم من إستراتيجية الدفاع في البلاد.

وتستهدف الصين من تلك الأنشطة الولايات المتحدة بشكل أساسي، لبناء صورة عملياتية لشبكات الدفاع الأمريكية والأداء العسكري واللوجستيات، ومعرفة طبيعة القدرات العسكرية ذات الصلة التي يمكن استغلالها حال وقوع أزمة ما بين البلدين.

العديد من الدول باتت تستطيع شل الحركة في دولة خصم دون دخول حرب عسكرية أو احتلال الأرض، بل عبر الهجمات السيبرانية

مما سبق يمكن القول بأن حروبًا إلكترونية طويلة في عصرنا هذا، باتت تسبق تلك التي على الأرض. بل إن كثيرًا من الدول باتت تستطيع شل الحركة في دولة خصم، دون أن تضطر للدفع بجيوش مدججة بالسلاح، ودون الحاجة إلى احتلال الأرض واحتجاز الرهائن، وإنما بعمليات سيبرانية معقدة، يمكن لمجموعة من القراصنة شل حركة الملاحة أو محو بيانات أهم وأكبر البنوك المركزية في بلد ما، أو تعطيل حركة القطارات، وغير ذلك.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لمواجهة حروب الإنترنت القادمة.. جيل جديد من "القراصنة الخلوقين" يتدرب

الفضاء السيبراني.. امتداد حرب باردة بين واشنطن وموسكو