17-أبريل-2019

اجتمعت تنسيقيات الأساتذة المتضررين في المغرب على تصعيد الاحتجاجات (أرشيفية/ صحف مغربية)

ترصد نقابات التعليم وتنسيقيات أساتذة الفئات المتضررة، آخر أسبوع من شهر نيسان/أبريل الجاري، أي ابتداءً من يوم 22 القادم، لانطلاق مسار تصعيدي آخر، ائتلفت فيه كل فئاتها واجتمعت عليه، ضغطًا على الحكومة من أجل استجابة طال انتظارها، مهددة بسنة تعليمية بيضاء، هي الفزاعة التي تقض مضجع الحكومة.

ترصد تنسيقيات أساتذة الفئات المتضررة في قطاع التعليم المغربي، آخر أسبوع من الشهر الجاري، لانطلاق مسار ائتلافي تصعيدي آخر

في وقت تتعدد فيه الملفات المطلبية، كما تتعدد التنسيقيات المطالبة برفع الضرر عنها، تظل الوزارة المعنية متشبثة بتصورها الرئيسي لإدارة القطاع، وسياساتها التي تتقاطع وحق الشغيلة في مناخ عمل صحي ومريح.

اقرأ/ي أيضًا: احتجاجات جديدة للمكفوفين المعطلين عن العمل في المغرب.. والحكومة ترد بالعنف

"لا بديل عن التصعيد"

في مطلع بيانه للرأي العام، يستنكر المجلس الوطني لتنسيقية "الأساتذة حاملي الشهادات"، وهم الأساتذة الذين حرموا من حق الترقية استنادًا على شهاداتهم الجامعية العالية، ما أسماه "الهجوم الذي تشنه الحكومة على المكتسب الشعبي في تعليم عمومي مجاني وما تبقى من مكتسبات ضئيلة لرجال ونساء التعليم".

كما يسجل البيان بإدانة، ما اعتبره "هروبًا إلى الأمام" من طرف الوزارة المعنية في مواجهة تصاعد وتيرة الاحتقان والاحتجاجات التي تخوضها الشغيلة التعليمية، وتعنتها في التعاطي مع قضية التنسيقية والاحتجاجات التي تخوضها منذ ثلاث سنوات.

وهكذا يعلن نص البيان، الذي حصل "الترا صوت" على نسخة منه، خوض التنسيقية إضرابًا وطنيًا عامًا لمدة أسبوع، ابتداءً من يوم 22 نيسان/أبريل الجاري، على أن يكون قابلًا للتمديد والفتح، مترافقًا مع اعتصامات ومسيرات احتجاجية يزمع إجراؤها بالعاصمة الرباط، أمام مقر الوزارة المعنية ومبنى البرلمان. كما تلتزم قواعد التنسيقية بمقاطعة سهرها على حراسة جميع الامتحانات الإشهادية لهذه السنة، حتى حل مطالبها جملة.

من جانبها فإن تنسيقية "أساتذة الزنزانة 9"، الذين يزيد عددهم عن أربعة آلاف متضرر أو "محتجز" بحسب وصفهم، في سلم الترقية رقم تسعة ومحروم من اجتيازه؛ أعلنت بدورها الانضمام للتصعيد المطلبي والدخول في إضراب واعتصام ومقاطعة للامتحانات أسوة بتنسيقية حاملي الشهادات.

وكما ورد في بيانها فإن تحركها يأتي مقابل الإصرار المتواصل من طرف الحكومة على "تأجيج الاحتقان الذي يعرفه قطاع التعليم، وتعنت الوزارة في الاستجابة لمطالب التنسيقية" التي ما فتئت ترفعها منذ سنة 2012، مجددة عزمها على "الصمود والتصعيد حتى الاستجابة لملفها المطلبي كاملًا"، وداعية الإطارات النقابية والحقوقية والمنابر الإعلامية لدعم قضيتها والتعريف بها.

فيما أصدرت تنسيقية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، بيانًا أكدت فيه على استمرار التصعيد حتى تحقيق مطالبها، مدينة تعامل الحكومة مع ملف التعاقد، قبل أن يخلص إلى تمديد الإضراب الذي تخوضه التنسيقية إلى حين الاستجابة لمطالبها.

ملفات متشابكة

تطغى على الساحة الاحتجاجية التعليمية في المغرب، ثلاث ملفات رئيسية. وبعد أن خلقت الحدث الوطني من خلال قضية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، مشكّلة الضغط الأكبر على وزارة سعيد أمزازي. تنضاف إليها تنسيقيات أخرى وقضايا أخرى، مثلت إضافة إستراتيجية للحراك ككل.

وفي حين تمثل الملفات الثلاثة ضغطًا على الحكومة المغربية، يبرز سؤال: ما مدى ترابط هذه الملفات؟ وهو السؤال الذي طرحناه على فاعلين في التنسيقيات المحتجة، لاستبانة تصورهم العام للقضية.

يؤكد عبد الوهاب السحيمي، عضو المجلس الوطني للتنسيقية الوطنية لموظفي وزارة التربية الوطنية حاملي الشهادات، على ترابط الملفات الثلاثة، قائلًا: "الطبع، الملفات التعليمية المطروحة على طاولة الحكومة ومعها وزارة التربية الوطنية، والتي يناضل أصحابها لسنوات من أجل استرجاع حقوقهم المسلوبة ورفع الحيف عنهم؛ مترابطة ولا يمكن الفصل بينها".

ويعلل السحيمي ذلك، خلال حديثه لـ"التراصوت"، بأن القضايا الثلاثة إنما هي نتاج "تعاقب السياسات التعليمية الفاشلة التي عرفها قطاع التعليم في المغرب لعقود طويلة".

ويؤكد السحيمي على وجهة نظره بموقف الحكومة نفسها، قائلًا: "لو كانت الحكومة تعتبرهم ملفات منفصلة مستقلة، لعجلت على الأقل بتسوية ملف واحد من الملفات المطروحة"، بيد أن الحكومة لم تفعل ذلك، بل استمرت في مخططاتها المرصودة لإدارة القطاع، ما يجعل المتحدث يخلص إلى أن "الأمر يتعلق برزنامة ملفات متراكمة لمدة طويلة، تدخل في سياق تنزيل سياسة الإجهاز على مكتسبات رجل تعليم وتهميشه وتبخيس دوره، ليتم ضرب التعليم العمومي والتوجه لخوصصة التعليم وإلغاء مجانيته"، على قوله.

من جانبها، قالت لطيفة المخلوفي، عضو المجلس الوطني لتنسيقية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، إن أصول المشاكل التي يعرفها قطاع التعليم الآن، تمتد لعقود من الزمن، فيما يعرف بـ"سياسات التقويم الهيكلي"، التي تقول المخلوفي إن الحكومة تنتهجها بتوصيات من صندوق النقد الدولي.

بهذا الشكل، توضح المخلوفي في حديثها لـ"الترا صوت"، أن الدولة "انسحبت من إدارتها للمرفق الاجتماعي عاملة على تقليص كتلة الأجور، مجهزة بذات الشكل على مكتسبات الشغيلة في الإدماج، الترقية وتكافؤ الأجور ومستوى المعيشة".

وتعتبر المخلوفي أن لهذه السياسة أثرًا جانبيًا لا يزيد إلى مكاسب أصحاب رؤوس الأموال، موضحةً: "هذا الأثر هو إضعاف مردودية التعليم العمومي، مما يرغم الطبقات الشعبية على التوجه إلى المدارس الخاصة من أجل تعليم أبنائها". 

أمزازي واجتماعاته الماراثونية

أمام هذا الواقع المربك خاضت وزارة التعليم المغربية، وعلى رأسها الوزير سعيد أمزازي، اجتماعات ماراثونية لحلحلة الوضع، من جهة مع النقابات العمالية الأكثر تمثيلية، ومن جهة أخرى مع تنسيقية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، وهي التنسيقية التي لم يعترف بها ذات الوزير أول الأمر كممثل لهذه الفئة المتضررة من الأساتذة.

وتزامنًا مع الاعتصام الذي كان الأساتذة المتعاقدون يخوضونه يوم الثلاثاء التاسع من نيسان/أبريل بالعاصمة الرباط، عقدت الوزارة أولى مجريات الحوار الذي أعلنته لفك حالة الشلل الجزئي التي يعرفها قطاع التعليم.

وهكذا عقد الوزير وكاتبه العام، مرفوقًا بعدة مسؤولين، اجتماعًا مع ممثلي النقابات الأكثر تمثيلية، كانت فيه التنسيقية الوطنية للأساتذة المتعاقدين، مدعوة بدورها للجلوس على طاولة المفاوضات، لكنها تخلفت.

يكشف عبد الرزاق الإدريسي، الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنية للتعليم، في تصريح صحفي أفاد به، عن مجريات الحوار الذي ابتدأه الوزير أمزازي، بعرض تضمن توقيف جميع الإجراءات الزجرية التي اتخذتها الوزارة في حق الأساتذة المتعاقدين المضربين عن العمل، من عزل من الوظيفة، والخصم من الأجور؛ في مقابل أن يلتحقوا بالمؤسسات التعليمية التي يشتغلون بها يوم 16 نيسان/أبريل الجاري.

 كما وافق على عقد جلسة حوار قبل انتهاء العطلة الربيعية في 15 نيسان/أبريل، بينه وبين ممثلين من التنسيقية الوطنية للأساتذة المتعاقدين، بحضور النقابات الأكثر تمثيلية. وأيضًا، عقد اجتماعين آخرين في كل من يومي 15 و18 نيسان/أبريل، للحوار مع النقابات والتنسيقيات لمناقشة القضايا العالقة في قطاع التعليم كأزمة أساتذة "الزنزانة 9"، وموظفي وزارة التربية الوطنية حاملي الشهادات.

جدل ما بعد المفاوضات

يتبدى وضوح موقف الوزارة، متمثلًا في بذل الممكن لإنهاء تصعيد الأساتذة، في حين أن التنسيقيات المعنية رأت أن الفرصة سانحة لفرض الاستجابة التامة لملفاتها المطلبية، الشيء الذي ما لم يتسن في حالة تنسيقية الأساتذة حاملي الشهادات.

يصف عبد الوهاب السحيمي، عضو المجلس الوطني لتنسيقية الأساتذة حاملي الشهادات، الأجواء التي طبعت لقاءهم بالوزير، قائلًا: "للأسف مر لقاء ممثلي وزارة التربية الوطنية والكتاب العامون للنقابات التعليمية، من دون تحقيق أي تقدم يذكر في جميع الملفات المطروحة".

وتساءل: "كيف يمكننا الحديث عن حوار جاد ومسؤول وفيه تفاوض وترافع وإقناع، للتوصل لحلول ترضي الجميع؛ بحضور شخص يبقى مجرد موظف بالوزارة على غرار جميع موظفي وزارة التربية الوطنية ومجال تحركه في الحوار محدود ومرسوم سلفًا؟".

ويؤكد السحيمي على أن مقترحات الوزارة "لم تكن إلا تكريسًا لعروض سابقة، كما سبق للشغيلة أن اجتمعت على رفضها"، خاتمًا بالتأكيد على "استمرار التزام التنسيقية ببرنامجها النضالي، وعزمها على الإضراب وكل ما يرفقه من خطوات نضالية تمّ الإعلان عنها آنفًا في البيان".

الأساتذة المتعاقدون يمددون الإضراب

بالنسبة لتنسيقية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، خلقت مخرجات لقائها مع مسؤولي الوزارة، يوم 13 نيسان/أبريل الجاري، زخمًا منقطع النظير. فأمام عرض الوزير، والذي قبلته بدورها اللجنة المفاوضة، انقسمت حوله القواعد بين مؤيد ومعارض، ما دفع أغلب التنسيقيات الجهوية الإجماع على تمديد إضرابها ليومين: 15 و16 نيسان/أبريل الجاري، مع استغلال اليومين في إجراء الجموع العامة الجهوية والاجتماع الاستثنائي للمجلس الوطني، لتدارس المرحلة وتحديد الخطوات القادمة.

فيما تفاجأ الأساتذة الذين علقوا الإضراب، بمنعهم من الالتحاق بأقسامهم من طرف المديريات الإقليمية، كإجراء زجري يعتبر من الإضراب تركًا للمهمة، حسب ما تنص عليه المسطرة القانونية للتشغيل بالعقدة، الأمر الذي يتنافى ووعد الوزارة المعنية بإسقاط كل الإجراءات التأديبية في حق الأساتذة والاعتراف بإضرابهم.

وفي البيان الختامي للمجلس الوطني الاستثنائي لتنسيقية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، استنكر المجلس العام "هذا الخرق الذي طال الاتفاق الذي التزمت به التنسيقية مع الوزارة إثر الاجتماع الحواري". وردًا على ذلك، أجمع المجلس على تمديد الإضراب إلى غاية 25 نيسان/أبريل الجاري، فيما يزمع انعقاد جلسة أخرى من مسلسل الحوار مع الحكومة، مبرمجة ليوم 23 من ذات الشهر.

تفاجأ الأساتذة الذين علقوا الإضراب، أنهم منعوا من الالتحاق بعملهم، بما ينافي وعود الوزارة بإسقاط الإجراءات التأديبية!

بعد انتهاء مجريات المجلس الوطني، وفي تصريح لـ"الترا صوت"، توضح لطيفة المخلوفي، عضو المجلس الوطني لتنسيقية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، أن "استمرار التنسيقية في نهجها التصعيدي، بعد أن أبانت عن حسن نيتها فيما أقره الحوار السابق مع الوزارة، يأتي ردًا على عدم التزام ذات الوزارة بالاتفاق، وحالات العزل المتعددة التي طالت الأساتذة".

وتستطرد المخلوفي: "نؤكد كمكونات التنسيقية، مجلس ومنسقين وقواعد التزامنا الكامل بالدفاع عن حقوقنا، والتفافنا حول إطار التنسيقية الذي يوحدنا من أجل إنجاح مسلسلنا النضالي".

 

اقرأ/ي أيضًا:

"هكذا قضينا ليلة الاعتصام".. شهادات من اعتصام أساتذة التعاقد في المغرب

التفاصيل الكاملة لاتفاق زيادة الأجور بين الحكومة المغربية والنقابات العمالية