12-ديسمبر-2015

(الكسندر سيمونز/Getty)

حياتنا في ألمانيا ليست كما تتصورونها، نحن لا نعيش في الجنة، ألمانيا ليست المكان الأفضل، وبالطبع ليست المكان الأسوأ، ولكننا نشعر بالحنين.

هذا ما قاله أحمد، الذي التحق بركب اللاجئين في ألمانيا مؤخرًا ولا يزال يعيش حتى اللحظة بالمخيمات التي خصصتها الحكومة الألمانية للاجئين. والحنين لا يتمثل بالعودة، بل هو حنين لتفاصيل كان اللاجئون السوريون يعيشونها في الماضي، حنين للأصدقاء أو للأهل، حنين للبيت أو الغرفة، حنين للعمل، للمقاهي، ولصخب الشوارع والأحاديث القديمة، وحنين للانتماء الرياضي!

والانتماء الرياضي يختلف في سوريا عن ألمانيا، فالجمهور الألمان متعصبون لأنديتهم المحلية، فانتمائهم الرياضي مطابق لانتمائهم الجغرافي، بينما تجد المشجعون السوريون أكثر انفتاحًا على الدوريات الأوروبية والمسابقات العالمية الكبرى، وأحمد الذي يشجع ريال مدريد، يشعر بالحنين لحضور مباريات الريال في مقاهي دمشق، بين أنصار الريال وأنصار البرشا، ورغم أنه يحاول ألا يفوت مباراة للريال في الدوري الأسباني، حيث يقوم بحضور المباريات على الإنترنت إلا أنه يفتقد للحالة الجماهيرية للكلاسيكو في دمشق.

 بعض السوريين يظنون أن سعيهم للاندماج بالمجتمع الألماني يستلزم اندماجهم بأجواء البوندسليغا في ألمانيا

نعم إن كلاسيكو الأرض لا يملك تلك الهالة الإعلامية العالمية التي نعرفها، داخل الأراضي الألمانية، وفي الوقت الذي تهيئ به قناة بي إن سبورت العربية الجماهير للكلاسيكو قبل أسبوع من الحدث، من خلال العد التنازلي الذي يعتلي يمين الشاشة، وكأن الكلاسيكو هو الحدث الأهم على مستوى العالم، متناسيين بذلك أحداث دولية وعربية حدثت في ذلك الوقت، منها تفجيرات فرنسا! فإن الجماهير الألمانية لم تعلم بموعد الحدث الأكبر على مستوى كرة القدم في العالم. وهذا ما صدم عبد الرزاق حين خرج بصحبة أصدقائه من مخيم اللاجئين الذي يعيشون فيه إلى أحد مقاهي برلين لحضور الكلاسيكو، فشاهدوا مباراة بايرن ميونخ وشالكة!

إن بعض السوريين يظنون أن سعيهم للاندماج بالمجتمع الألماني يستلزم بالضرورة اندماجهم بأجواء البوندسليغا الشعبية في ألمانيا. بل إن الأجواء الحماسية التي يخلقها المشجعون تساعد حقًا على الاندماج، وتدفع من ناحية أخرى للتحسر على وضع الدوري السوري المحلي، الذي يحظر على الجماهير حضوره اليوم، والذي لم يكن في السابق يتمتع بجماهيرية حقيقية. ويعلل عبد الرزاق الحنين السوري للكلاسيكو أو للدوري الإنكليزي بضعف الدوري السوري المحلي. ويرى أن أي بلد يملك دوريًا محليًا قويًا ومنظمًا من حيث الإدارة وروابط المشجعين والملاعب، لن يندفع مواطنوه لمتابعة الكلاسيكو، فإغفال الكلاسيكو أمر طبيعي في ألمانيا.

وفي هذا السياق لابد أن نطرح السؤال التالي: لماذا يبدو أن السوريين يشعرون بالحنين للكلاسيكو الإسباني ولا يشعرون بالحنين لمباريات الدوري المحلي؟

إن الجواب على هذا السؤال يفسر من ناحية بتعلق الجماهير الألمانية بالبوندسليغا، كما أنه يفسر كل ذلك الجهد والعناء الذي يتكبده السوريون للوصول إلى أوروبا ورغبتهم باللجوء على أراضيها والحصول على الجنسية الأوروبية. الأمر يتعلق بالانتماء. فالسوريون لا يشعرون بالانتماء لبلاد مقهورة، ورغبتهم بالعيش في أوروبا ليست ناجمة فقط عن الهرب من ظروف الحرب القاسية التي نشبت في سوريا في الآونة الأخيرة وحسب، بل هي متعلقة أيضًا بالحلم الأوروبي. والحلم الأوروبي هو حلم قديم يحلم به كثير من السوريين، والكثيرون يرغبون الانتماء للقارة العجوز. ووجود رابطة لمشجعي كل نادي أوروبي من الدرجة الأولى في سوريا في ظل غياب روابط المشجعين لمعظم الأندية السورية يؤكد على فقدان كثير من السوريين للانتماء لما هو محلي ومرتبط بحالة البلاد.

اللاجئون السوريون بدأوا اليوم يتعلقون بأندية ألمانية فازدادت أعداد مشجعي بايرن ميونخ وبروسيا دورتموند

إن ضعف علاقة الجماهير السورية بالملاعب والأندية المحلية ليست مرتبطة بطبيعة السوريين، فالسوريون اليوم في ألمانيا بدؤوا ينخرطون بالمجتمعات المحلية ويحضرون بمباريات البوندسليغا وحتى مباريات الدرجة الثانية، ويقول عبد الرزاق أن الحالة التي يخلقها الجماهير في الملاعب الألمانية ستجعلك تستمتع بمتابعة مباريات كرة القدم، وحتى لو كانت بعض الأندية ضعيفة ومبارياتها لا ترتقي للمستوى المطلوب.

ومن الجدير بالذكر أن اللاجئين السوريين في ألمانيا بدأوا اليوم يتعلقون حقًا بأندية ألمانية ويشجعونها، فازدادت أعداد مشجعي بايرن ميونخ وبروسيا دورتموند، كما أن البعض منهم يحاولون أن يتقدموا خطوة جديدة في الانخراط ببوتقة المجتمع الألماني من خلال الانضمام لروابط المشجعين والحضور في الملاعب. ولكن انتماءهم للنادي الجديد لم يلغِ بعد الانتماء القديم لأنديتهم الأوروبية السابقة (التي كانوا يشجعونها وهم في سوريا) وسعادتهم بالانتماء للأندية الألمانية لم يلغِ بعد حنين السوريين لكلاسكيو الأرض.

إقرأ/ي أيضًا:
رياضيو اليمن.. إلى "الإسلام الجهادي" دُر؟
لماذا لم تؤجل المباراة يا فرنسا؟