09-مايو-2016

نتائج الانتخابات البلدية اللبنانية: مكانك راوح(أنور عمر/أ.ف.ب)

مرّت الجولة الانتخابية الأولى بسلام. بيروت أبقت القديم على قدمه، كذلك فعل البقاع، باستثناء بعض المفاجآت المناطقية، عديمة التّأثير السّياسي، إلّا من زاوية التّأكيد على متانة تحالف حزب الله-أمل وسيطرته شبه الكلّية على السّاحة الشّيعية، بينما "راشيا"، في البقاع، اتجهت لترك التّاريخ القريب وتأييد الحزب الاشتراكي بدل زياد شبلي العريان.

في النتائج الأولية للانتخابات البلدية اللبنانية، حصل ما لم يكن في الحسبان، الشعب، أو النسبة التي اقترعت، اختارت الطبقة السياسية ذاتها

نتائج المرحلة الأولى تعني أننا على أبواب انتخاباتٍ نيابية، خيّب النّاخبون توقّعات الطّبقة السّياسية، السّياسيون مدّدوا لأنفسهم خوفًا من التّغيير أو خسارة مكاسبهم، ظنّوا أننا، أي الشّعب، أصبح جاهزًا للتغيير ولإنتاج طبقة سياسية قادرةٍ على تلبية أبسط طموحاته. حصل ما لم يكن في حسبان أبرز المتفائلين، الشّعب، أو النّسبة التي اقترعت، اختارت الطبقة السّياسية ذاتها، دون أي ضغطٍ أو عصبيةٍ مناطقية، سياسية أو مذهبية، وبكامل إرادتها، حتّى أن القوى السّياسية لم تتكلّف عناء العمل على برنامجٍ انتخابي تحتال فيه على النّاخب وتعده بالتقدم والتّنمية، لم تنفع حملات الدّعاية للحملات المناوئة للسلطة، الشّعب أبقى على خياراته.

اقرأ/ي أيضًا: انتخابات بيروت.. وحدها "بيروت" غير معنية!

انتخبت بيوت البارحة في جوٍ من الرتابة، ممزوجٍ برائحة النّفايات التي لا تزال تعبق في الأجواء البيروتية، مع "عجقات" سيرٍ ملحوظةٍ زاد من عددها الزّخم الانتخابي، من المنطقي أن يفكّر البيروتي المقيم في العوامل التي جعلت حياته مزرية، وأجبرته على النّوم مغلقًا نوافذه هربًا من رائحة النّفايات، من المنطقي أن يتجوّل على شاطئه البحري أو ما تبقى منه ليرى السّياج الذي نصبه الحريري على الدّالية، وتمهيده لنصب آخر على الرّملة البيضاء، مع أن وزير الأشغال أوقف هذا الطّموح الحريري مؤقّتًا، ومن السّهل على البيروتي أن يقصد قلب عاصمته، ليمنع هو من الدّخول بينما يسمح للأجنبي.

حال وسط بيروت كحال "حرج العاصمة"، المساحة الخضراء الوحيدة التي أراد سلف رئيس البلدية الحالي جمال عيتاني، بلال حمد، جعلها موقفًا للسيارات، أو النّظر إلى المدينة الرّياضية المهملة دون تأهيل، رغبة من البلدية بتحويلها أيضًا مشروعًا استثماريًا، إضافةً إلى حديقة "السّيوفي" في الأشرفية وغيرها من المشاريع النّفعية، فبلدية بيروت شركةٌ حريرية خاصّة، وفرع من أفرع سوليدير، بمساهمة حزبية جامعة لكافة الأطراف، تحت شعاراتٍ كالمناصفة والمشاركة.

النّاخب لا تعنيه كل العوامل، لا سبب فعلي لتفسير انتخابه من مدّدوا لأنفسهم وعاثوا في الوطن فسادًا، إلّا العامل النّفسي، اللبناني يتوجّس المستقبل ويخاف المصير المجهول، نجحت الطّبقة السّياسية في تثبيت فكرةٍ في أذهان النّاس، أنّهم، أي الطّبقة السّياسية، هم محور الكون وبدايته ونهايته، مجرد التّفكير بالاستغناء عنهم يعني الانتحار لا محالة، مع أن نسب النّاخبين في بيروت لم تتجاوز 20.24%، لكن القول إن اللبناني غير معني بالانتخابات أو مسلّمٌ بنتائجها غير صحيح.

بلدية بيروت شركة حريرية خاصة، وفرع من أفرع "سوليدير"، بمساهمة حزبية جامعة لكافة الأطراف، تحت شعاراتٍ كالمناصفة والمشاركة

اقرأ/ي أيضًا: الانتخابات البلدية.. التأجيل حاجة لا ضرورة

بيروت في كل انتخابات تعطي النّسبة ذاتها، "البقاع" سجّل نسب مشاركة وصلت 60 و70%، الأكيد أن البيروتي ملّ شكل النّظام الحالي، ملّ الوعود والأحلام الوردية، ولم يجد في المنافسين للائحة "البيارتة" الحريرية أي منافسٍ جدّي، المنافسون ما هم إلّا "بروفا" وجسّ نبض من المجتمع المدني، لدراسة قدرتهم على اجتذاب المزيد من التّمويل، محاولةٌ شبيهةٌ بالحركات السّابقة التي كانت تبدأ بمطالب سياسية ضيّقة وما تلبث أن تتسع لتشمل إسقاط النّظام، لتسقط هي وشعاراتها فيما بعد.

فوز لوائح السّلطة لم يكن صادمًا بل متوقّعًا، الطّموح بالتّغيير يبدأ ببناء ثقافة التّغيير والمواطنة، لا يمكن اليوم للطامحين بالإصلاح بدء مسيرةٍ عمرها أشهر، لتغيير عقلية وعقائد عمرها عشرات السّنوات، كما قال وليد جنبلاط معلّقًا على نتائج فوز لائحة السّلطة:"راحت السّكرة وإجت الفكرة"، أي أن نشوة الانتخابات قد زال مفعولها، والوعود الوردية أصبحت من الماضي، مع أن جنبلاط نفسه ممثّلٌ بمرشّحٍ على لائحة السّلطة، مما يعكس اطمئنان الرّجل للمزاج الشّعبي المطواع، لدرجة انتقاده نفسه ورفاقه، دون تحريك الشّعب أي ساكن، التّعليق الوحيد على فوز السّلطة بنسب اقتراعٍ ضئيلةٍ هو: "هناك انتصارات يخجل بها أحزابها، وهزائم يفخر بها أصحابها".

اقرأ/ي أيضًا:

بين "بشير" و"حبيب".. حرب مستمرة

لبنان.. ولاية الفراغ