14-يناير-2016

(الأناضول/Getty)

ثلاثة عشر عامًا من العمل حالت دون عودة العامل البنغالي الوافد للأردن أكبر إلى بلاده لرؤية عائلته. أكبر، الذي قدم إلى الأردن للعمل وكسب العيش، لم يعد إلى بنغلادش طوال هذه الأعوام ولا يعرف إلى أي حد تغيرت ملامح أفراد عائلته الذين ينتظرون مبلغًا ماليًا منه نهاية كل شهر. يقول أكبر إنه لم يعد إلى بلاده خلال هذه الفترة لارتفاع تكلفة تذكرة السفر ذهابًا وإيابًا والتي تقدر بنحو 500 دينار أردني أي 55 ألف تاكة "عملة بنغلادش" تقريبًا.

بلغ عدد الشكاوى العمالية الواردة لمديرية التفتيش في وزارة العمل الأردنية نحو 4083 شكوى تم حل 3523 منها

ويعتبر أكبر أن سعر التذكرة فوق طاقته حيث أنه يدفع إيجار السكن ومصاريف الطعام والشراب والمواصلات اليومية، إضافة لتخصيص مبلغ شهري لعائلته الفقيرة وجزء آخر لمستقبله المتمثل بالزواج وتأسيس عائلة. ليس وحده أكبر من يختار الغربة لتأمين لقمة العيش، فخالد بائع "كرابيج حلب" المتجول، اختار ترك "أم الدنيا" مصر والقدوم إلى الأردن للعمل فيها منذ عشر سنوات.

يقول خالد إنه تعلم كيفية صنع "كرابيج حلب" وهو نوع من الحلويات المنتشرة في بلاد الشام لأنها بسيطة المكونات وسهلة الصنع، إضافة إلى أنه أحبها إلى حد وصل لعدم استغنائه يومًا عن صنعها والتجول بها في شوارع العاصمة. وبالرغم من بساطة المبلغ الذي يجنيه خالد يوميًا مقابل عناء الوقوف في الظروف الجوية المختلفة لبيع هذا الصنف الذي يلاقي قبولًا من أفراد الشعب الأردني وخصوصًا الأطفال إلا أن وجود عائلة لخالد مكونة من زوجة وطفلين بانتظار المبلغ الشهري الذي يرسله لهم يجعل الظروف الجوية نوعًا من تغيير روتين وقفته في الشارع يوميًا بانتظار بيع كامل الكمية.

بلهجته المصرية المختلطة باللهجة الأردنية وأنفاسه المتبخرة في برودة الجو أجاب خالد على سؤال يطرح نفسه ومفاده ألا تشعر بالبرد في هذه الأجواء؟ يجيب: "أنا طبعًا بردان بس شو بدي أعمل بدي أعيش" .... وبهذه الإجابة اختزل خالد حالته والعديد من أبناء وطنه والمغتربين من دول أخرى للعمل في ظروف صعبة لكسب عيشهم.

بعض المهن بسيطة وتجني المال وإن كان قليلًا يمارسها أصحابها في الغربة لتأمين لقمة العيش مقابل آخرين يتغربون ولا يجدون عملًا أو يعملون مقابل أجر يومي إن وجد.

على مفترقات الطرق ودواوير العاصمة عمان ومحافظات أخرى يجلس عدد كبير من العمال أغلبهم من الجنسية المصرية بانتظار توقف مركبة تطلب عمالًا بأجر يومي يحدده صاحبها مقابل تهافت العمال عليها أملًا بوقوع الاختيار على أحدهم أو عدد منهم، لتعود البقية بملامح يائسة وآملة معًا في انتظار تأمين غذاء أو عشاء اليوم الذي يكون بأغلب الأوقات مكونًا من الطبق الشعبي "الحمص والفول والفلافل" باعتبار أسعاره منخفضة مقارنةً بغيره من الوجبات.

يقول أبو صلاح إنه يضطر للانتظار ساعات طويلة ليعمل بأي عمل كورش البناء أو تنظيف وتجريف الحدائق في المنازل أو أي عمل يمكن أن يطلب منه بهدف تأمين يوميته التي تتراوح ما بين 15-30 دينار أردني لمدة ست إلى ثماني ساعات يوميًا إلا أن ذلك يكون بمثابة الاتفاق المبدئي الذي لا يلبث إلى أن يتحول إلى مجرد كلام تفوه به صاحب العمل دون قيود أو إثبات على ذلك.

يشير أبو صلاح أن أصحاب العمل بالغالب يطلبون منه ومن غيره من زملائه ساعات إضافية للعمل إضافة لطلب مهام إضافية دون مقابل، مؤكدًا أنه يضطر للاستجابة بهدف الحصول على أجرته اليومية التي يجنيها بـ"عرق الجبين" بمعناه الحقيقي على حد تعبيره.

نفذت فرق التفتيش في وزارة العامل الأردنية العام الماضي نحو 94136 زيارة تفتيشية على مواقع العمل

ويضيف أبو صلاح أن هذه إحدى المشاكل التي تواجهه في عمله حيث أنه يمضي أحيانًا أيامًا متتالية دون العمل إضافة لما قال إنه وجود منافسة من العمالة السورية التي تقبل بأجر منخفض وهو ما أدى لتراجع الطلب على عمله وأبناء بلاده المغتربين، إضافة إلى عدم وجود دخل ثابت يستطيع الاعتماد عليه.

مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والاجتماعية أحمد عوض يشير إلى وجود انتهاكات تتعرض لها فئة كبيرة من "العمالة المهاجرة" خصوصًا التي تعمل بشكل غير نظامي. ويوضح عوض أن جزءًا كبيرًا من هذه العمالة تحضر إلى الأردن بتصاريح عمل مع جهة معينة إلا أنها يمكن أن تتسرب للعمل بجهات أخرى أو أنها لا تجدد تصاريحها وهي مخالفة قانونية.

ويضيف عوض أن عدم حصول فئة كبيرة من العمال على تصاريح العمل تجعلها أكثر هشاشة وتعرضًا للانتهاك من قبل أصحاب العمل. ومن بين هذه الانتهاكات وأبرزها تعرض عدد كبير من العمال للعمل الجبري واحتجاز جوازات سفرهم ووثائقهم الشخصية، إضافة للعمل ساعات إضافية مع احتمالية عدم حصولهم على رواتبهم أو المبالغ المالية المتفق عليها أو تأجيل صرفها كما في قطاع الزراعة تبعًا للموسم بحسب عوض.

هذا وتنفذ وزارة العمل الأردنية حملات متواصلة لضبط العمالة المخالفة بشكل متواصل، فيما نفذت فرق التفتيش في الوزارة خلال العام الماضي نحو 94136 زيارة تفتيشية على مواقع العمل، أسفرت عن ضبط نحو 28341 عاملًا وافدًا مخالفًا لقانوني العمل والإقامة، ومخالفة 13908 مؤسسة، وإنذار نحو 14497 مؤسسة.

وقال مدير التفتيش في وزارة العمل عبدالله الجبور، اليوم الأحد، إن الوزارة أصدرت العام الماضي قرارات تسفير بحق 5735 وافدًا من مختلف الجنسيات، وإغلاق 1635 مؤسسة لمخالفتها قانون العمل، فيما بلغ عدد الشكاوى العمالية الواردة لمديرية التفتيش في الوزارة نحو 4083 شكوى تم حل 3523 منها.

ويبلغ عدد العمالة المهاجرة في الأردن نحو مليون عامل بحسب أرقام الوزارة التي أعلنتها نهاية العام الماضي.

اقرأ/ي أيضًا:
اللاجئون السودانيون في الأردن.. الأزمة متصاعدة
ممرضو غزة في دائرة المجهول