تعود المصريون على ارتفاع تدريجي في أسعار السلع الغذائية مع اقتراب شهر رمضان من كل عام، خاصة التمور والفواكة المجففة والمكسرات، حتى أن بعض التجّار يعتبرونه موسمًا سنويًا وشهرًا تعويضيًا عن خسائر العام. ومع النصف الأخير من الشهر تبدأ الأسعار في الانخفاض حتى تصل إلى ما يقترب من مستوياتها الطبيعية مرة أخرى. تحدث هذه الزيادات بشكل دوري في كل عام، نتاج زياد الطلب والإقبال الكبير من الأسر على تخزين السلع، كذلك استغلال بعض التجار لهذا الموسم عن طريق تخزين السلع وتعطيش السوق، فضلًا عن عدم وجود رقابة على الأسواق أو أسعار رسمية للسلع.

كانت اللهجة التى تحدث بها بعض المسؤولين الحكوميين والإعلاميين المصريين المحسوبين على النظام لافتة على نحو خاص، إذ أوحت بأن زيادة الأسعار هذه المرة ليست موسمية

تعود المصريون على هذه الظاهرة وتعايشوا معها دون إبداء تذمر، أو ربما بتذمر طفيف تطغى عليه نبرة الرضا الساخرة من الوضع المتكرر. غير أن الظرف تغير في العام الحالي، فمع اقتراب شهر رمضان شهدت الأسواق المصرية ارتفاعًا كبيرًا في أسعار أغلب السلع والمنتجات والخضروات والفاكهة واللحوم، عانت منه الفئات المصرية كافة. المختلف هذا العام أن زيادة الأسعار جائت مبكرة عن المعتاد، وشملت أغلب السلع الأساسية وليس فقط السلع الغذائية المرتبطة بشهر رمضان، كما أن الزيادة تأتي في ظرف اقتصادي صعب لا يقوى فيه الشعب المصري على تحمل المزيد من صعوبات المعيشة.

سياسة الحكومة للسيطرة على الأسعار: "الحاجة اللى تغلى ماتشتروهاش"

كانت اللهجة التى تحدث بها بعض المسؤولين الحكوميين والإعلاميين المصريين المحسوبين على النظام لافتة على نحو خاص، إذ أوحت بأن زيادة الأسعار هذه المرة ليست موسمية ككل عام لكنها مستمرة وسيكون هناك المزيد من ارتفاع الأسعار في المستقبل، فعلى الشعب أن يعي ذلك ويستعد له.

"الأسعار، عايزين تسيطروا عليها؟ الحاجة اللي تغلى ماتشتروهاش.. الموضوع بسيط يعني". هذا التصريح الذي جاء على لسان رأس الدولة المصرية، الرئيس عبد الفتاح السيسي، منذ عامين في مارس/آذار 2019 يعكس الأسلوب الذي تتعامل به الدولة المصرية مع أزمة الغلاء.

فعلى نفس النحو، أثار الإعلامي المصري عمرو أديب حفيظة المشاهدين بسبب حديثه في برنامجه التلفزيوني عن موجة الغلاء الحالية بشكل اعتبره البعض استفزازيًا، حيث حاول إلقاء اللوم على المواطنين بسبب السلوكيات الشرائية الخاطئة كشراء سلع ليسوا بحاجة لحظية إليها أو بشكل زائد عن احتياجاتهم، كما دعى المواطنين إلى عقد مقارنة بين المنتجات والأسعار في الأسواق ولدى الموزعين، والشراء من الموزع الأقل سعرًا، ذلك عوضًا عن مراقبة وزارة التموين والجهات المسؤولة للأسواق وضبط الأسعار.

كذلك دعى أديب المصريين إلى إعداد الخبز المنزلي بدلًا من شرائه. وجاء تعليقه الأكثر استفزازًا للجمهور والذي تلقى على إثره العديد من التدوينات اللاذعة على مواقع التواصل الاجتماعي، عندما نصح بأكل البيض العادي بدلًا من "البيض الأورجانيك"، فـ"كله بالبسطرمة هيبقى نفس الطعم" حسب تعبيره. بالرجوع إلى شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي 2021 نجد تصريحًا لأديب في نفس البرنامج التلفزيوني ينتقد فيه غلاء أسعار البيض، وارتفاع سعر الكرتونة إلى أكثر من 50 جنيهًا مصريًا تزامنًا مع بدء العام الدراسي بعدما كان سعر الكرتونة 26 جنيهًا.

أما المفارقة الأكثر سوادًا، فكانت عندما دفعت نصائح أديب إلى المشاهدين بكثيرين من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي إلى التساؤل عن ماهية "البيض الأورجانيك"، الأمر الذي جعل بعض المواقع الصحفية والصفحات الإلكترونية إلى أن تعد موضوعات عنه لجزء من الجمهور الذي لم يسمع به من قبل، أو للسخرية من تصريحات أديب. بينما شرع المدونون في الهجوم على تصريحات أديب، فالمحامي الحقوقي مالك عدلي كتب ساخرًا "هو إيه موضوع البيض الأورجانيك والبسطرمة دا يا جماعة؟؟ طب هل الاستاذ صاحب الكلام الألمعي داه عنده فكرة ان البسطرمة أغلي من البيض؟؟ وبالتالي المشكلة مش في البسطرمة أصلا لو الشكوي كانت من أسعار البيض؟؟". بينما تساءلت صفا سليمان عما إذا كان أديب يعلم أن سعر كيلو البسطرمة بلغ 450 جنيهًا مصريًا.

"جشع تجار"

السؤال الذي يتردد كثيرًا، هل لحرب أوكرانيا دور في غلاء الأسعار أم أنها حجة للحكومة وذريعة للتجار؟ نجد أن أغلب السلع ارتفعت أسعارها في الأيام الماضية بنسبة تتراوح من 20 – 50%. فأسعار اللحوم ازدادت 50 جنيهًا للكيلو الواحد، وارتفع طن القمح 1000 جنيهًا مصريًا ليصل سعره إلى 6000 – 6500، وارتفع طن الدقيق إلى أكثر من 10 آلاف جنيهًا مصريًا، وكذلك أسعار المكرونات والزيوت والخضروات والأرز والخبز، بل إن سعر طن الحديد ازداد هو الآخر قرابة الألف جنيه لتصبح قيمته 16 ألف جنيهًا. تحدث هذه الزيادات المفاجئة مع توقعات لزيادات أخرى قريبة طبقًا لارتفاع أسعار النفط.

أرجع أحمد كمال، المتحدث الرسمي لوزارة التموين، زيادة الأسعار إلى جشع التجار. وحسب تصريحه في برنامج صالة التحرير على قناة صدى البلد، فإن أسعار السلع لم تتأثر بالحرب الجارية نظرًا لوجود احتياطي استراتيجي للسلع الاستهلاكية والتموينية يكفي لمدة 4 أشهر كحد أدنى. لذا فلم تنقص السلع في الأسواق كي ترتفع أسعارها إنما الأمر كله لعبة تجارية يدفع ثمنها المواطن.

استراتيجية النظام المصري هي لوم التجار بدون حتى تحمل المسؤولية عن مراقبة الأسعار، وبدون الحديث عن فشل مؤسسة الدولة في توفير الحماية الاجتماعية والاقتصادية

هذه الاستراتيجية، التي تقوم على لوم التجار بدون حتى تحمل المسؤولية عن مراقبة الأسعار، وكذا بدون الحديث عن فشل مؤسسة الدولة في توفير الحماية الاجتماعية والاقتصادية للطبقات المسحوقة، تبدو امتدادًا لاستراتيجية قديمة لدى النظام المصري، أقدم من الجدل حول "البيض الأورجانيك"، وحتى من "الحاجة اللى تغلى ماتشتروهاش".