25-يناير-2016

إنه العيش الكريم (أ.ف.ب)

احتقان شديد يعرفه الشارع الجزائري وقد توسعت رقعته وشمل عدة محافظات، وذلك بسبب زيادات أقرتها الحكومة الجزائرية فيما يتعلق بأسعار المواد الغذائية والكهرباء والغاز والماء والوقود والنقل، وهو ما ينذر بـ"شتاء ساخن".

يعرف الشارع الجزائري احتقانًا شديدًا، توسعت رقعته وشمل عدة محافظات استنكارًا للزيادات في الأسعار التي أقرتها الحكومة في عدة مجالات

في عنابة، شرق العاصمة الجزائرية، خرج الرافضون لقانون الموازنة لسنة 2016 في مسيرة سلمية، نظمها ناشطون سياسيون داعين إلى إلغاء مختلف التدابير التي يرون أنها "سترهق جيب المواطن الجزائري"، وخاصة المرتبطة منها برفع نسب الضرائب على أسعار المواد الاستهلاكية. المسيرة أعقبتها احتجاجات في "تيزي وزو" و"بجاية" و"باتنة" و"عين تيموشنت" و"عنابة"، رفضًا لتدهور مستوى المعيشة وارتبطت شعارات المحتجين بمطالب اقتصادية واجتماعية أساسًا. واستطاع الناشطون السياسيون المعارضون رفع شعارات أحزابهم وتجميع حشود كبيرة في شتى المناطق خصوصًا، سكان الأحياء الشعبية وبيوت الصفيح المطالبين بترحيلهم إلى مساكن لائقة وبفرص عمل.

امتد الغضب الشعبي من محافظة إلى أخرى ورفع المحتجون شعارات مطالبة بالتشغيل والترفيع في الأجور وتوفير السكن وتعبيد الطرقات. يعتبر المواطنون الجزائريون أن هذه المطالب "حق مشروع" ويؤكدون عليها بشتى الوسائل ومنها: حرق العجلات المطاطية والخروج في مسيرات وغلق مؤسسات عمومية والدخول في إضرابات واعتصامات.

المتتبعون للشأن الاجتماعي والسياسي في الجزائر يعتبرون أن درجة التذمر والغضب في الشارع قد بلغت مستويات عالية وهيمن عليها الإحباط والاحتقان وانسداد الرؤى. يقول أمين بلحية، أستاذ العلوم السياسية، لـ"الترا صوت": إن "الاحتجاجات التي تشهدها عدة مناطق جزائرية منذ أسبوع ليست وليدة اليوم بل هي نتيجة الاحتقان الذي يشهده الشارع الجزائري وتراكمات السنوات، وإن لم تسارع الحكومة بإيجاد مخرج لمشاكل الآلاف، قد تنفجر الأوضاع في أي لحظة".

واعتبر الأستاذ بلحية أن "تزايد وتيرة الاحتجاجات في الفترة الأخيرة هو تعبير صريح عن الفشل في التكفل الحقيقي بكل الفئات العمالية وتحقيق العدالة الاجتماعية، وبلوغ الإقصاء والتهميش السياسي مستويات غير مسبوقة، تجسده درجة تفشي الفساد ومظاهر الفشل في التنمية".

وربط الأستاذ بلحية الاحتجاجات المطلبية بتسارع الأحداث في الساحة السياسية الجزائرية، حيث اعتبر غليان الشارع مظهرًا من مظاهر الصراع داخل السلطة في الجزائر التي "إذا عجزت عن حسم خلافاتها داخليًا فهي تلجأ إلى تحريك أدواتها في الشارع، للضغط من أجل المواقع والمصالح وضمان المستقبل السياسي وتأمين المخاوف في إطار ما يعرف بسياسة تصدير الصراع".

يربط البعض في الجزائر بين الاحتجاجات المطلبية وتسارع الأحداث السياسية باعتبار غليان الشارع مظهرًا من مظاهر الصراع داخل السلطة

في قراءة أخرى للاحتجاجات في الجزائر، يقول الكاتب الإعلامي رفيق موهوب، وهو من المتابعين للشأن السياسي الجزائري، إن "الحكومة تمكنت قبل خمس سنوات أي عقب احتجاجات كانون الثاني/يناير 2011 من شراء السلم الاجتماعي وامتصاص الغضب الشعبي وقتها بالنظر إلى ما وصفه بـ"البحبوحة المالية"، التي كانت تزخر بها الخزينة الحكومية من خلال ارتفاع مداخيل النفط والغاز". ويضيف لـ"الترا صوت": أن "الوضع الآن "مخيف" أمام تهاوي سعر العملة الجزائرية، وانخفاض المداخيل مع انخفاض أسعار النفط في السوق العالمية، وبالتالي لا تملك الحكومة اليوم مفاصل المناورة ومواجهة الغضب الشعبي الجزائري".

كما يوضح موهوب أن "الشارع الجزائري يعرف احتقانًا وتراكمات نتيجة تأجيل الحكومة الجزائرية حل العديد من المشاكل وانتهاج سياسة الهروب نحو الأمام بالوعود لإسكات صوت المطالبين بالشغل وخصوصًا المتخرجين من الجامعات ومطالب العمال المتعاقدين بالترسيم في شتى القطاعات ومطالب السكن الاجتماعي في الأحياء الشعبية الفقيرة، الذي بات "الملف القنبلة" منذ أكثر من خمس عشرة سنة فضلًا عن تماطل الحكومة أيضًا في إيفائها بالوعود بخصوص رفع أجور الآلاف من العمال في قطاعات حساسة كالتربية والصحة".

وأقرت الحكومة الجزائرية، خلال السنوات الأخيرة، ترفيع بعض الأجور وإطلاق مشاريع إنجاز الآلاف من المساكن الاجتماعية والمساكن المدعومة من الدولة. لكن الخبير الاقتصادي ياسين محمدي يرى فيها "خطوة غير محسوبة جيدًا"، ويضيف لـ"الترا صوت": إن "غياب القراءة الصحيحة لخطورة السياسات المتبعة بالاعتماد فقط على الاقتصاد المرتبط بالمحروقات سيكلف الجزائر احتقانًا أكبر للوضع في الأشهر القادمة". وعزا محمدي الاحتجاجات في الشارع الجزائري إلى "غياب الرؤية الاقتصادية الحقيقية واستغلال الوفرة المالية في وضع خطط للتنمية لاقتصاد متنوع ومنتج له قيمة مضافة في خلق الثروة وفرص العمل".

واللافت أيضًا أن العديد من النقابات العمالية في مختلف القطاعات تهدد بالدخول في احتجاجات هذا الأسبوع، إذ من المنتظر أن تدخل الفئة العمالية في قطاعات التربية والطاقة والصحة على خط الاحتجاجات، بالرغم من التطمينات التي أطلقتها الحكومة الجزائرية عقب المصادقة على قانون الموازنة للسنة الجارية، إلا أن انخفاض القدرة الشرائية للمواطن الجزائري يفسر مخاوف الطبقة الشغيلة في الجزائر من عجز الحكومة تنفيذ وعودها في رفع الأجور، مع انطلاق العمل بسياسة التقشف منذ بداية السنة.

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر.. حراك اجتماعي متصاعد

​قانون الموازنة 2016 يقسم البرلمان الجزائري ​

الجزائر.. بلد الدرس

عمدت كثير من التجارب الثورية الراديكالية "جدًا" حول الكوكب إلى درس حرب التحرير الجزائرية، أعلام الثورة وأبطالها، أيقوناتها جميعًا، جميلاتها أيضًا، كل هذا كان أمام مقاتلي حرب غوار "غوريلا" في أمكنة كثيرة تزامنت في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. ذو الأربعة عشر عامًا في قبو عازل للصوت في عين الحلوة، يتعلم "الكلاشن والجزائر" ليرجع إلى شجرة التين في جدار البيت المُخرَب. كثيرون ممن نشدوا التحرر عرفوا عن الجزائر أو تلاقوا فيها، أحب ثوار العالم الجزائر منذ الأمير عبد القادر إلى الحناجر المبحوحة برمال الصحراء والتعطيل عن العمل والحياة الكريمة الآن.. إنها الكرامة، جمعت الجزائري باليمني والسوري والفيتنامي... إلخ من مقهوري المعمورة، عقودًا خلت، وما زالت، ولأجل الكرامة لا تكون "سليلة الأفراس حليلة بغل" لا في الجزائر ولا في أي مكان، هذا هو الرهان الأخلاقي أولًا.