20-مارس-2018

يحاول ابن سلمان توسيع شبكة المصفقين له في الإعلام الأمريكي (أسوشيتد برس)

"المقابلة الأولى على شبكة تلفزيونية أمريكية" للأمير محمد بن سلمان، كما تفاخرت نورا أودونيل في بداية تقديم برنامجها عبر شبكة CBS. إلا أنها وفريق منتجي وباحثي برنامج "60 دقيقة" الحائز على كثير من الجوائز، قد ضيعوا فرصة نادرة أمام الكاميرا لفضح دكتاتور غير منتخب وعابث كبير بحقوق الشعوب العربية وحقها في تقرير المصير. وبشكل مخز، لم تُشر نورا أودونيل من بعيد ولو لمرة واحدة إلى كلمات مثل "ديمقراطية" أو "انتخابات". وبدلًا من ذلك، في اللحظات الأخيرة من المقابلة، بدت مذيعة شبكة سي بي إس راضيةً عن الآفاق المحتملة لحكم محمد بن سلمان للمملكة العربية السعودية طوال حياته. ننقل لكم هنا استطرادًا مترجمًا بتصرف نشره موقع "ذي انترسبت" الأمريكي، للمحاور الصحفي البارز مهدي حسن، حول ما شكلته هذه المقابلة من "عار" صحفي، ومقترحات لأسئلة كان الأجدى أن يتم طرحها إسعافًا لمقتضيات المصداقية الإعلامية.


"في سن الثانية والثلاثين، يبدو محمد بن سلمان جريئًا قوي العزم. لقد أصبح في وقت قصير أكثر القادة العرب هيمنةً ونفوذًا منذ جيل كامل".

بهذا الاقتباس بدأ برنامج "60 دقيقة" مقابلته بتقديم ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أو كما يُشار إليه بالأحرف الأولى من اسمه "MBS"، ليلة الأحد قبل توجهه لزيارة البيت الأبيض يوم الثلاثاء.

يبدو أن السعوديين قد تجاوزوا توم فريدمان، وديفيد اغناتيوس، فمع نورا أودونيل، ووجدوا شخصًا جديدًا يهتف باسمهم داخل السلك الصحفي الأمريكي

أطلقت شبكة سي بي أس برنامج "60 دقيقة" عام 1968، ووُصف بأنه "أحد أكثر البرامج الإخبارية  التي تحظى بالاحترام على التلفزيون الأمريكي"، وفاز بجوائز إيمي أكثر من أي برنامج ذروة يُعرض على شاشات التلفزيون الأمريكي. كما عرف عنه تقديم "تقارير استقصائية قاسية، ومقابلات، وقصص متميزة، وملفات شخصية في ما يقدمه من أخبار.

اقرأ/ي أيضًا: محفل بروباغندا ابن سلمان الغربي.. غراميات توماس فريدمان

لماذا إذًا تعامل البرنامج مع محمد بن سلمان بشكل دعائي لصالح نظام المملكة العربية السعودية أكثر من إجراء مقابلة جدية أو قاسية؟ فقد جاء على لسان المراسلة نورا أودونيل قبل بدء مقابلتها الحصرية مع ولي العهد في الرياض "كانت إصلاحاته ثورية داخل المملكة العربية السعودية". وأضافت "إنه يحرر النساء، يقدم الموسيقى والسينما، ويحارب الفساد".

يبدو أن السعوديين قد تجاوزوا توم فريدمان، وديفيد اغناتيوس -فمع نورا أودونيل، ووجدوا شخصًا جديدًا يهتف باسمهم داخل السلك الصحفي الأمريكي. دعك إذًا من القصف والحصار السعودي على اليمن، والذي وصفته هيئات الأمم المتحدة المختلفة بأنه "أسوأ كارثة إنسانية في العالم"، والتي لم تحظى إلا بدقيقتين من التغطية التي استغرقت ثلاثين دقيقة. ولننح جانبًا السجل الحقوقي السعودي المروع المليء بقطع الرؤوس والرجم، والذي لم يتم التعرض له على الإطلاق من فريق برنامج "60 دقيقة" في الرياض. وبدلًا من ذلك، سمعنا صيحات الإعجاب من نورا أودونيل عن حداثة سن ولي العهد، وإدمانه على العمل، ناهيك عن دعمه لقيادة النساء للسيارات.

لم تكن تلك المقابلة إلا بعض الأسئلة اللطيفة تلو الأخرى. على سبيل المثال، "ما هو أكبر تحد يواجهك؟" مثال آخر، "ماذا تعلمت من والدك؟".

كانت مقابلة سي بي اس مع ابن سلمان أقرب للنزهة الإعلانية المدفوعة أكثر من اقترابها للحد الأدنى من مقتضيات المقابلة الصحفية

لذا، بروح نقد بناء، وفي محاولة صد ومنع علاقة الحب الغريبة بين وسائل الإعلام الأمريكي ومحمد بن سلمان قبل زيارته إلى العاصمة الأمريكية. إليكم 9 أسئلة أكثر صرامةً وجدية، كان يفترض من برنامج "60 دقيقة" طرحها على محمد بن سلمان:

1- لقد ساهمت في شن الحرب على اليمن عام 2015، ولا زلت تتهم المتمردين الحوثيين بالتسبب في كافة أشكال العنف والمعاناة هناك، ولكن الأمم المتحدة قد وجهت اللوم للغارات الجوية التي يشنها التحالف تحت قيادة المملكة العربية السعودية، التي تسببت في سقوط قتلى أغلبهم من المدنيين، في الوقت الذي وثقت فيه منظمة العفو الدولية "34 غارة جوية شنها التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية، بما يخالف القانون الدولي الإنساني"، بما في ذلك "الهجمات التي يبدو أنها استهدفت المدنيين، والأهداف المدنية مثل المستشفيات، والمدارس، والأسواق، والمساجد". كيف ينسجم "الإصلاح" في الداخل مع جرائم الحرب في الخارج؟

2- لقد قلت في هذه المقابلة إن المتمردين الحوثيين في اليمن "منعوا وصول المساعدات الإنسانية من أجل خلق مجاعة وأزمة إنسانية"، ولكن ماذا عن دورك الشخصي في التسبب في هذه الأزمة؟ لقد توصلت لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة إلى أن "المملكة العربية السعودية تتعمد عرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى اليمن". ألا يُعد تعمد تجويع أفقر دولة في الشرق الأوسط وصمة عار أخلاقية على جبين واحدة من أغنى دول الشرق الأوسط؟

3- تهانينا على رفع الحظر المفروض على قيادة النساء للسيارات، ولكن متى سوف تقومون بإلغاء عقوبة الإعدام حدًا للردة عن الدين، والسحر، والعلاقات الجنسية، والمثلية الجنسية؟ وهل بالفعل قطعت حكومتكم رؤوس أشخاص أكثر مما قطع تنظيم الدولة الإسلامية؟

4- لقد قارنت بين آية الله خامنئي، كقيادة غير منتخبة، والذي نصب نفسه "مرشدًا أعلى"، بأدولف هتلر، ولكن ماذا عن أسلوب حكمك الاستبدادي؟ لقد قمت بشن حملات قمع ضد المعارضة باعتقال رجال دين، ومثقفين، وناشطين، وهناك مزاعم حول تعرض بعض الأمراء للتعذيب -ألا يدعو إلى الاستغراب أن يشبهك جمال خاشقجي، الصحفي السعودي البارز، ومستشار العائلة الملكية السابق، بفلاديمير بوتين، ويدعوك "بالمرشد الأعلى" للمملكة العربية السعودية؟

5- تزعم أنه لا بد من القبض على هؤلاء الأمراء في إطار حملتك لمكافحة الفساد، ولكن كيف يتسنى للمواطنين السعوديين أن يعرفوا ما إن كان هؤلاء الأمراء فاسدون أم لا؟ رغم ذلك، فأنت الأمير الذي رأى يختًا فاخرًا مملوكًا لأحد المواطنين الروس أثناء قضاء عطلتك في جنوب فرنسا، وقمت بشرائه على الفور بمبلغ 550 مليون دولار -من أين جاء هذا المال؟

اقرأ/ي أيضًا: تأسيس مملكة محمد بن سلمان "المتهوّرة".. الحكاية من أولها

6- لقد أشرت في هذه المقابلة إلى تعاون إيران مع تنظيم القاعدة. ولكن بوب غراهام، الرئيس السابق للجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكي، قال إن هناك 28 صفحة غير سرية ضمن تحقيقات الكونغرس، تشير إلى "علاقة قوية بين الإرهابيين المنفذين لهجمات 11 أيلول/سبتمبر، والمملكة العربية السعودية، ومنظمات خيرية سعودية، وغيرهم من رجال الأعمال السعوديين". ألم يحن الوقت بعد كي تعترف حكومة المملكة العربية السعودية بدورها الممتد والطويل في تمويل وتسليح وتحريض "المتطرفين" الإرهابيين؟

7- ألا يشعل نظام التعليم السعودي نيران التعصب والتطرف؟ كيف تفسر حقيقة أنه عندما أراد تنظيم الدولة الإسلامية "توزيع كتب دراسية على أطفال المدارس في الرقة، قام بطباعة نسخ من كتب المدارس الحكومية السعودية التي وجدها على الإنترنت"؟

8- لقد قلت في هذه المقابلة إن الإيرانيين "يريدون التوسع" في المنطقة. ولكن هل كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أم المملكة العربية السعودية بقيادتك، وراء احتجاز رئيسي حكومتين عربيتين منتخبين، وليس رئيسًا واحدًا -رئيس اليمن، ورئيس الوزراء اللبناني- رغمًا عن إرادتهم؟

9- لقد وصفت أنت ووزرائك التغييرات التي قمت بها، والإصلاحات بأنها "ثورة". لماذا إذًا لا ترشح نفسك في انتخابات، وتتيح الفرصة للمواطنين السعوديين باختيار رئيسهم؟ ومع ذلك، كيف يمكن أن نسمي ذلك "ثورة"، إذا كانت سلطة البلاد المطلقة لاتزال في يد الملك المطلق في نهاية المطاف؟

ربما ترغب شبكة سي بي إس وصف هذا التقرير "بالقاسي" أو الجدي. لكنني اُفضل أن أسميه جريمةً في حق الصحافة.

اقرأ/ي أيضًا: 

مسؤولون أمريكيون: ابن سلمان أخفى والدته مدة عامين لأنها عارضت "طيشه"!

لوبي ابن سلمان في الإعلام الغربي.. "تطبيل" للكوارث