27-نوفمبر-2023
موظفان من الأمم المتحدة ينتظران إذن جيش الاحتلال لإنقاذ رجل فلسطيني أُصيب بنيران جنوده

تشن إسرائيل حملة منظمة على المؤسسة الأممية، نتيجة عدم التماهي الكامل مع عدوانها على غزة (Getty)

بدت منظمة الأمم المتحدة، خلال العدوان الحالي على قطاع غزة، عاجزةً لا عن الدفاع عن المدنيين الفلسطينيين الذين لجؤوا إلى مقراتها طلبًا للحماية فقط، بل حتى عن الدفاع عن نفسها أمام قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي تجاوز كل الخطوط الحمراء.

هذا ما يراه تقرير نشرته وكالة "الأناضول"، تناول العدد الكبير للموظفين الأمميين الذي قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، إلى جانب قيام سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، بمطالبة أنطونيو غوتيريش بالاستقالة، ومهاجمة مديرة "اليونيسف" والممثلة الأممية لشؤون المرأة.

تزامنت الهجمات الإسرائيلية على الأمم المتحدة وهيئاتها مع "تخلي الوكالة الأممية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عن مقراتها شمال قطاع غزة"، وفق شهادة رئيس "جمعية البركة الجزائرية للعمل الخيري والإنساني" أحمد إبراهيمي، التي يوجد مقرها في مدينة غزة، كما يرى التقرير.

يقول إبراهيمي، في حديث لجريدة "الخبر" الجزائرية، بعد تعرض مقر جمعيته لقصف إسرائيلي في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، إن البركة: "بقيت وحدها تعمل شمال غزة، لأن الأونروا تخلّت عن مراكزها، والشمال محاصر من كل الاتجاهات".

لم تكتف إسرائيل بقصف المقرات الأممية في غزة وقتل موظفيها، بل تجرأت أيضًا على مطالبة غوتيريش بتقديم استقالته

أكبر عدد من القتلى

108 موظفين أمميين قتلوا في غزة خلال 48 يومًا من الحرب الإسرائيلية على القطاع، والتي بدأت منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وهو رقم غير مسبوق، على الأقل منذ مطلع القرن الواحد والعشرين.

ووفق الأمم المتحدة، فإنه "منذ أوائل عام 2000، تجاوز عدد القتلى في كل عام من قوات حفظ السلام 100 حالة في السنة".

لكن في غزة، التي لا يوجد فيها أي بعثة أممية أو قوات لحفظ السلام، باستثناء وكالة الأونروا، قتل خلال شهر واحد ما يعادل ما يقتل سنويًا من قوات حفظ السلام الأممي.

في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر، كتب مفوض الأونروا، فيليب لازاريني، تغريدة جاء فيها: "أكثر من 100 موظف تابعين للوكالة، أكد الزملاء مقتلهم في شهر واحد".

وهو ما يؤكد، بحسب التقرير، أنها مأساة غير مسبوقة للأمم المتحدة في القرن الجاري من حيث عدد القتلى في الحروب. فالمنظمة الأممية خسرت حياة 102 من موظفيها في زلزال هايتي عام 2010، وكانت تلك "أكبر خسارة تتلقاها المنظمة دفعة واحدة في تاريخها"، وفق بيان أممي. ومع ذلك فإن إجمالي قتلى موظفي الأمم المتحدة في غزة يفوق عدد ضحاياها في زلزال هايتي.

ورأى تقرير الأناضول: "رغم حجم المأساة إلا أن صوت الأمم المتحدة كان خافتًا وضعيفًا في إدانة الجاني، بل لم تجرؤ على تشكيل لجان تحقيق، على الأقل مثلما طلبت عندما فجر مقرها في الجزائر عام 2007، على يد جماعة إرهابية".

مجلس الأمن الدولي يحق له قانونيًا أن يطلب من المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، فتح تحقيق بمقتل الموظفين الأمميين بغزة، ولكنه لم يفعل، فالفيتو الأمريكي يقف حاجزًا أمام أي تحرك أممي بهذا الخصوص.

الشيء الوحيد الذي فعلته الأمم المتحدة إزاء مقتل موظفيها (أغلبهم أو كلهم فلسطينيون)، دعوة أمينها العام أنطونيو غوتيريش: "جميع الموظفين إلى التزام الصمت لمدة دقيقة في الساعة 9:30 (بالتوقيت المحلي لكل مركز عمل أممي) من يوم 13 تشرين الأول/ نوفمبر، حدادًا وتكريمًا لأكثر من 100 فرد من زملائنا وزميلاتنا الذين قتلوا في النزاع بغزة".

كما تم تنكيس "علم الأمم المتحدة إلى نصف السارية، في جميع مكاتب الأمانة العامة للأمم المتحدة في ذلك اليوم، تدليلًا على احترام هذه المناسبة المهيبة"، وإقامة "حفل تأبين في المقر الرئيس لأونروا في العاصمة الأردنية عمان".

منظمة الأمم المتحدة والهجوم الإسرائيلي عليها

إهانة الأمم المتحدة

لم تكتف إسرائيل بقصف المقرات الأممية في غزة وقتل موظفيها، بل تجرأت أيضًا على مطالبة غوتيريش بتقديم استقالته عقب تصريحه أمام مجلس الأمن بأن "هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر لم يأت من فراغ"، بعد أن أشار إلى أن "الشعب الفلسطيني خضع على مدى 56 عامًا للاحتلال الخانق".

وحينها دعا سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، غوتيريش إلى "الاستقالة"، واتهمه بإبداء تفهمه "للقتل" في إشارة إلى هجوم "حماس"، لكن الأمين العام الأممي أعرب عن صدمته حيال تحريف تصريحاته.

غوتيريش الذي وصف غزة بأنها أصبحت "مقبرة للأطفال"، لم يكن الوحيد الذي تعرض لهجمات المندوب الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، فقد تلقت المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" كاثرين راسل، وممثلة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون المرأة سيما سامي باخوس، هجومًا عنيفًا من إردان، في اجتماع لمجلس الأمن، لكن هذه المرة تصدى له المندوب الصيني، الذي ترأس الجلسة.

الشيء الوحيد الذي فعلته الأمم المتحدة إزاء مقتل موظفيها، دعوة أمينها العام أنطونيو غوتيريش: "جميع الموظفين إلى التزام الصمت لمدة دقيقة في الساعة 9:30 من يوم 13 تشرين الأول/ نوفمبر، حدادًا وتكريمًا لأكثر من 100 فرد من زملائنا وزميلاتنا الذين قتلوا في النزاع بغزة"

المندوب الإسرائيلي قال حينها إن "يونيسف لا تهتم حقًا بأطفال غزة، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة لا تهتم حقًا بالنساء في غزة. وإلا لما كنتم صامتين طوال الأعوام الستة عشر الماضية عندما حكمت حماس غزة بقبضة محكمة. أيها المديرة التنفيذية راسل، أين كانت مؤسستك طوال هذه الفترة؟".

وتمادى أكثر في التهجم قبل أن يقاطعه المندوب الصيني، قائلا: "أود أن أذكّر، أنه يمكنك التعبير عن وجهات نظر مختلفة في بيانك، ولكن أظهر الاحترام للمتحدثين المدعوين إلى هذا الاجتماع، هذه قاعدة يجب على الجميع احترامها".

وهذه الحوادث تعكس كيف أصبح ممثلو الأمم المتحدة وموظفوها هدفًا للهجمات الإسرائيلية العسكرية والدبلوماسية، دون أدنى رادع أو حتى احترام لمكانتها ودورها في حفظ السلام العالمي، وحماية الطفولة والمرأة والفئات الهشة في العالم.

وتواصل إسرائيل حملتها على المؤسسة الأممية، إذ نشر وزير الخارجية الإسرائيلية إيلي كوهين، مقالة في صحيفة "وول ستريت جورنال"، التي تحولت إلى منبر لوزراء إسرائيل، يُهاجم فيه الأمم المتحدة، ويقدم فيه سلسلة من المزاعم، التي تدعو الأمم المتحدة إلى تبني وجهة النظر الإسرائيلية.