11-مارس-2016

لاجئون سوريون عند حدود مقدونيا (Getty)

السوريون "الهاربون من جحيم الموت" قلقون وخائفون، خاضوا مصاعب بحر الموت ليصلوا إلى اليونان أحد أهم "مفاتيح" العبور لأرض الأحلام والجنة الموعودة أوروبا، لكن أوروبا الديمقراطية لا تجد نفسها اليوم "أمًا حنونًا تشكل ملاذًا لهم"، كما صرح قادتها في أكثر من مناسبة، بل تجدهم كمهددين محتملين لأمنهم القومي.

ثمة قلق كبير على المصير السوداوي الذي ينتظر السوريين العالقين في اليونان

الصفحات التي تهتم بأخبار اللجوء على شبكات التواصل الاجتماعي، تضج اليوم قلقًا بمصير سوداوي قادم على السوريين العالقين في اليونان، فالاتفاق المبدئي الذي جرى بين تركيا وأوروبا والذي ينتظر إقراره خلال أيام، سيجلب الويلات على عشرات آلاف السوريين الذين وصلوا إلى اليونان، عدا عن كون الآلاف منهم عالقين على حدود مقدونيا يأكلهم البرد والتشرد دون أن يعبأ بمعاناتهم العالم، الذي انتفض ألمًا لرؤية الطفل إيلان غريقًا على شواطئ تركيا.

اقرأ/ي أيضًا: مقدونيا.. بوابة أوروبا المغلقة أمام السوريين

كشفت تركيا عن وجهها البرغماتي، لا الإنساني كما ادعت مرار، في "استثمار ملف اللاجئين" للضغط على القادة الأوروبين لتحقيق شروطها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وإلغاء تأشيرة دخول مواطنيها إلى الاتحاد الأوروبي، والحصول على مليارات الدولارات لقاء إغلاق أبوابها أمام تدفق اللاجئين السوريين الهاربين من الموت، لا بل طرحت ما هو أكثر من ذلك إذ عرض رئيس حكومتها داوود أوغلو على الاتحاد الأوروبي، في لقائه معهم مطلع الشهر الجاري، عرضًا سال له لعاب قادة أوروبا، إذا اقترح أوغلو استعادة كل المهاجرين الذين يصلون إلى اليونان عبر تركيا مقابل مضاعفة الأموال التي يقدمها الاتحاد الأوربي لتركيا.

الاقتراح جاء منقذًا للزعيمة الألمانية أنجيلا ميركل التي رفضت حكومتها مؤخرًا استقبال آلاف اللاجئين العالقين في اليونان، ورأت أن الاتفاق المبدئي مع تركيا يشكل "انفراجة محتملة" لوقف تدفق اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي، لكن الانفراجة المحتملة أوروبيًا ستقابل بكارثة إنسانية، فالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أعلن أن "الأطراف اتفقوا على أن تستقبل تركيا المهاجرين واللاجئين القادمين من أراضيها إلى اليونان، وهذا يشمل أيضًا السوريين".

اقرأ/ي أيضًا: بموافقة تركية.. أوروبا مغلقة في وجه اللاجئين

وهكذا بدلًا من أن يساهم قادة أوروبا بفرض حلول للمأساة السورية نجدهم عاجزين ومشغولين بمعالجة الآثار الناتجة عن تلك الحرب المدمرة، التي زلزلت المنطقة وأوروبا، كما وعد الرئيس السوري بشار الأسد سابقًا، فهم لا يملكون أية حلول لمعالجة "المرض" ذاته الذي يستشري كما السرطان في سوريا، وإنما يتلهون بمعالجته آثاره الجانبية.

بعض زعماء الأحزاب في الاتحاد أعلنوا رفضهم لهذا الاتفاق الذي يقضي على المنجزات الأوروبية التاريخية، وعلى رأسها احترام حقوق الإنسان واحترام حق اللجوء، فرئيسة لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي الاشتراكية إيلينا فالنسيانو قالت إن هذا الاتفاق يشكل منعطفًا صادمًا في إستراتيجية إدارة أزمة اللاجئين. فقادة أوروبا قرروا بذلك الإساءة إلى حق اللجوء، وهو ما يعني عمليا انتهاكه".

بدلًا من أن يساهم قادة أوروبا بفرض حلول للمأساة السورية نجدهم عاجزين ومشغولين بمعالجة آثارها الجانبية

زعيم كتلة الليبراليين في البرلمان الأوربي غي فيرهوفستادت، يندد بما وصفه "التخلي عن مفاتيح أبواب أوروبا للسلطان أردوغان"، أما زعيم حزب الخضر في البرلمان الأوروبي فيليب لامبرتس فتحدث عن "الإفلاس الأخلاقي" لأوروبا التي تفرش "السجاد الأحمر لنظام يكمم صحافته ويقصف شعبه".

 حسب الإحصائيات الأوروبية، فإن معدل التدفق اليومي للاجئين إلى أوروبا عبر تركيا يصل إلى نحو 2000 لاجئ يوميًا، وذلك لأسباب يأتي في مقدمتها الحرب الدموية في سوريا، ويعمل على الأراضي التركية حوالي 40 ألف مهرب للبشر يحصدون ملايين الدولارات شهريًا، مستثمرين معاناة الناس الهاربين من جحيم الحروب.

ما يجب الانتباه إليه هو أنه طالما أن المعضلة السورية قائمة فلن تهنأ أوروبا بالأمان، وسيبقى تدفق اللاجئين مستمرًا حتى وإن أغلقت تركيا أبوابها بوجه السوريين، بل ربما سيزداد قوة، فمهربو البشر سيبحثون عن طرق جديدة، عدا عن أن مئات آلاف السوريين الموجودين في تركيا سيبقون "استثمارًا" فعالًا وورقة ضغط تركية ستبقى مؤرقة للاتحاد الأوروبي، حتى تحقق تركيا مطالبها التي تشترطها لضبط تدفق المهاجرين إليها.

اقرأ/ي أيضًا:

دولة الأكراد في سوريا.. أقرب من أي وقت مضى

رسميًا.. المغرب يعلق اتصالاته مع الاتحاد الأوروبي