14-ديسمبر-2021

أنالينا بيربوك (Getty)

ألتراصوت- فريق التحرير

تدعو إلى الالتزام بدبلوماسية "موجّهة بالقيم" واشتُهرت بانتقادها "لسلبية ألمانيا إزاء فضائها الجيوسياسي والقضايا الدولية.. إنها وزيرة خارجية ألمانيا الجديدة أنالينا بيربوك زعيمة حزب الخضر التي بدأت أسهمُها السياسية في الصعود منذ فترة، مذكّرة بالمستشارة السابقة أنغيلا ميركل، مع فارق في التوجهات والمنطلقات الفكرية، لكن السؤال المطروح في الصحافة الألمانية هو ما مدى قدرة زعيمة حزب الخضر على الوفاء بتعهداتها الانتخابية وبدعواتها التي أطلقتها أكثر من مرة؟ وما هي الوسائل المتاحة أمامها لتحقيق ذلك؟

تدعو أنالينا بيربوك إلى الالتزام بدبلوماسية "موجّهة بالقيم" واشتُهرت بانتقادها "لسلبية ألمانيا إزاء فضائها الجيوسياسي والقضايا الدولية

عقب ترشحيها لمنصب وزيرة الخارجية في حكومة المستشار الألماني الجديد أولاف شولتز، أجرت أنالينا بيربوك  سلسلة من المقابلات الصحفية، تسببت في إزعاج للبعض، خاصّة دعوتها الالتزام بدبلوماسية "موجهة بالقيم"، التي  تحمل في طياتها إشارات ضمنية إلى الصين وبيلاروسيا وروسيا.

ففي  مقابلة مع صحيفة "تاتس" (TAZ) مطلع كانون الأول/ديسمبر الحالي، قالت أنالينا بيربوك "الصمت الطويل المطبق لا يعد ضربا من الدبلوماسية حتى لو كان البعض اعتقد ذلك خلال السنوات القليلة الماضية".

وقد أثار تصريحُ أنالينا بيربوك هذا ردود أفعال عدة، أبرزها ذلك الذي أتي من الصين التي قالت إن العالم في حاجة إلى "من يشيد الجسور وليس من يشيد الجدران".

وحتى قبل توليها حقيبة الخارجية في الحكومة الجديدة، أعربت أنالينا بيربوك خلال الحملة الانتخابية في أيلول/سبتمبر الماضي عن أسفها لما وصفته ب"سلبية ألمانيا" خاصة فيما يتعلق بالقيود التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على المجر.

وفي مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية في حزيران/يونيو الماضي، أوضحت أنالينا بيربوك ذلك بقولها "التزمت الحكومة الألمانية خلال فترة طويلة بالصمت حيال تفكيك الحقوق الأساسية في المجر".

إرث حزب الخضر

بالنظر إلى إرث حزب الخضر فإن تصريحات زعيمته لا تعد مفاجئة، إذ يُعرف قادة الحزب بتأكيدهم على قيم حقوق الإنسان وإدانتهم للأنظمة التي يرونها استبداديةفعلى سبيل المثال لا الحصر، يُعرف عن أوميد نوريبور، عضو البرلمان الألماني والناطق باسم الشؤون الخارجية في حزب الخضر، ورينهارد بوتيكوفر- زعيم حزب الخضر في البرلمان الأوروبي،  بأنهما من أشرس المنتقدين للأنظمة التي تنتهك حقوق الإنسان.

ويرى هوبرت كلاينرت  العضو السابق في البوندستاغ عن حزب الخضر والباحث السياسي في جامعة هيس للعلوم التطبيقية  أن مثل هذه الأمور ليست بالجديدة على الحزب.

وفي مقابلة مع موقع تلفزيون DW الألماني، الذي ترجمنا عنه هذا التقرير، قال كلاينرت "التأكيد على  الأخلاق ومفاهيم حقوق الإنسان  بشكل كبير كان جزءًا من تقاليد حزب الخضر."

وليست أنالينا بيربوك أول سياسية "مزعجة" من حزب الخضر تصعد على رأس الدبلوماسية الألمانية، إذ سبقها في المنصب يوشكا فيشر، وزير خارجية ألمانيا إبان فترة المستشار الأسبق غيرهارد شرودر في أواخر التسعينيات، إذ كان فيشر يعد أحد أبرز المشاغبين اليساريين السابقين

فقد عُرف عن فيشر تشكيكه الصريح في أدلة الولايات المتحدة على امتلاك العراق أسلحة دمار شامل إبان حكم صدام حسين، بل وأكد على أن ألمانيا لن تكون مشاركة في الغزو الذي قادته إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش للعراق عام 2003.

وفي تعليقه على الصعاب التي قد تواجهها بيربوك في منصبها الجديد، توقع كلاينرت بأنها قد تواجه بعض المصاعب والمشقة في بداية توليها المنصب بالنظر إلى ما اعتبره البعض  حملة انتخابية "مخيبة للآمال" من قبل حزب الخضر إذ لم يف بوعوده التي تعهد بتنفيذها في بداية السباق الانتخابي.

وفي هذا السياق، قال كلاينرت"أعتقد أنها ستواجه مشكلة تتمثل في نيل احترام العامة بشكل مناسب. إنها لا تتولى هذا المنصب من مركز قوة وإذا نظرنا إلى محيط حزب الخضر، فأنا على يقين من أنها ستواجه الكثير من الشكوك".

وبعيدا عن إرث حزب الخضر أو حملاته الانتخابية، فإن تصريحات بيربوك "القوية" لاقت ترحيبا من داخل الأوساط الأوروبية.

ففي مقابلة مع دويتشه فيله، قال غوستاف غريسيل، وهو عضو في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ومقره برلين، "انتقدت في الماضي الحكومة الألمانية لفترة طويلة بسبب صمتها وخوفها بما لا يتماشى مع ثقلها ووزنها على الساحة الدولية."

وأضاف "لدى ألمانيا الكثير من النفوذ فيما يتعلق بروسيا والصين وكذلك داخل الاتحاد الأوروبي وخاصة في المجر."

ورغم ذلك، انتقد البعض على مواقع التواصل الاجتماعي عدم خبرة بيربوك السياسية إذ لم تتولّ في السابق أي منصب حكومي كذلك كان صغر سنها موضع انتقاد فهي من مواليد عام 1980.

بيد أن غريسيل يرى أن مثل هذه الأمور لا تمثل نقاط ضعف في أهلية تولي بيربوك منصب وزيرة الخارجية، مضيفا "أعتقد أن الكثير من هذا النقد مضلل لأن الديمقراطية الانتخابية لا تسير على هذا المنوال". وقال "الوزراء ليسوا شخصيات تكنوقراط إذ يتعين عليهم إيجاد وتحديد الأشخاص الذين يمكنهم الاعتماد عليهم في مجالات محددة للعمل معهم"، مضيفًا "أي شخص يصعد إلى هذا المستوى من السياسة يجب أن يتحلى بقدر معين من الصلابة".

اهتمامات سياسية مبكّرة

إن المتمعن في ماضي بيربوك يرى أن تصريحاتها وشغفها بالسياسة الدولية ليس بالأمر الجديد، ويتضح ذلك من سيرتها الذاتية المنشورة على موقعها على شبكة الإنترنت، الذي ورد فيه أن وزيرة الخارجية الألمانية الجديدة قد "تأثرت بالظلم العالمي" في سن المراهقة ما دفعها لان تحلم بأن تكون صحفية في البداية.

على مستوى التكوين الأكاديمي درست بيربوك العلوم السياسية والقانون في هامبورغ، وهناك حصلت على درجة الماجستير في القانون الدولي من كلية لندن للاقتصاد ثم حصلت على الدكتوراه في جامعة برلين الحرة، رغم أنها لم تتمكن من مواصلة المسار الأكاديمي عام 2013 بعد انتخابها كعضوة في البوندستاغ.

واللافت أن مسيرتها الأكاديمية كانت تسير على خطى متساوية مع صعودها السياسي الكبير خاصة داخل حزب الخضر الذي انضمت إليه في سن الخامسة والعشرين.

فبعد أربع سنوات فقط، ترأست بيربوك فرع الحزب في ولاية براندنبورغ فيما عملت في الوقت نفسه كمتحدثة باسم مجموعة عمل الحزب المعنية بالشؤون الأوروبية وعملت كعضوة في مجلس إدارة حزب الخضر الأوروبي.

أوروبا في قلب الاهتمامات

انصب تركيز أنالينا بيربوك منذ جلوسها تحت قبة البوندستاغ على الشؤون الأوروبية خلال فترة ولايتها الأولى إذ أكدت أنها تعمل "لنيل اعتراف من الحكومة الألمانية بمسؤوليتها الدولية كواحدة من أكبر اقتصادات العالم وأن تقود التحول في الطاقة في ألمانيا. "

أما في فترة ولايتها الثانية في البوندستاغ وتحديدا منذ عام 2017، فقد تحول تركيز بيربوك إلى القضايا الداخلية وفي المقدمة قضايا مكافحة فقر الأطفال والأمهات العازبات.

آمال كبيرة منعقدة على الوزيرة الشابة

وباعتبارها وزيرة خارجية من حزب الخضر- الذي يعد من أقوى دعاة حماية المناخ- تُعلق الكثير من الآمال على بيربوك التي يُنظر إليها باعتبارها رافعة لواء حماية المناخ وإن طالتها انتقادات خاصة من حركة "أيام الجمعة من أجل المستقبل" الشبابية المعنية بالبيئة.

وفي ذلك، قالت أنالينا بيربوك في مقابلة مع شبكة "أي أر دي" الألمانية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي "إن السياسة المناخية القوية في حاجة إلى سياسة خارجية أوروبية وألمانية ودولية نشطة."

وفيما يتعلق بالصين التي عادة ما تعترض إقرار اتفاقيات مناخية دولية، قالت أنالينا بيربوك إن "كلمة السر تكمن في التعاون الثنائي مع البلدان المستعدة لإعادة تحويل صناعتها لتكون محايدة للكربون وليس العمل إلى مالا نهاية لإبرام اتفاقيات عالمية غير محتملة مثل إقرار ضريبة كربون عالمية".

بدوره يرى غريسيل أن نجاح بيربوك لن يكون مرهونا بالتصريحات عن دبلوماسية "موجهة بالقيم"، متسائلا عن "مدى استعداد ألمانيا لخلق وسائل لتحقيق هذه الغاية؟"

 بيربوك: السياسة المناخية القوية في حاجة إلى سياسة خارجية أوروبية وألمانية ودولية نشطة

وأوضح ذلك بقوله: "دعت أنالينا بيربوك إلى تدشين صندوق جديد خاص بالبنية التحتية الإستراتيجية. وهذه هي نقطة المواجهة الأولى مع سيطرة الصين على البنية التحتية خاصة في بلدان الجوار الأوروبي." مضيفا أنه "يتعين على المرء الدفاع عن القيم التي ينادي بها بالمال وليس فقط بالكلمات".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ملفات ساخنة في زيارة المستشار الألماني الجديد إلى بولندا

أولاف شولتز مستشارًا لألمانيا خلفًا للدكتورة ميركل