24-يوليو-2023
وقفة احتجاجية في مدينة عفرين تطالب بمساعدة مرضى السرطان (Getty)

وقفة احتجاجية في مدينة عفرين تطالب بمساعدة مرضى السرطان (Getty)

يُذكّرنا الآخرون، بين وقتٍ وآخر، بعجزنا وقلة حيلتنا وحاجتنا المستمرة إليهم مقابل خذلانهم، الأبدي، لنا. فعلو ذلك على مدار عقد كامل وفي مناسبات مأساوية عديدة كنا نتمنى لو أن الزلزال، الذي تُركنا فيه للموت، كان آخرها. لكن ألمنا لا يزال خير مؤنس لكل هؤلاء المتفرجين.

وفي كل مناسبة مأساوية، نُعيد تكرار التساؤلات نفسها عن حياتنا ومصيرنا ونصيبنا غير العادل من الألم والأسى، وعما يمكننا فعلهُ لتجاوز كل هذا العجز. تساؤلاتٌ تمتد اليوم من تركيا، حيث لا تزال مجزرة ترحيل السوريين قائمة، إلى المناطق المحررة في شمال سوريا، حيث يُصارع المئات من مرضى السرطان الموت على مرأى الأتراك الذين أغلقوا أبوابهم في وجههم كما يفعلون دائمًا.

المناطق الأمنة التي تُعيد الحكومة التركية السوريين إليها هي المناطق نفسها التي يطلب سكانها من الأتراك السماح لهم بإدخال مرضى السرطان إلى المستشفيات التركية لعلاجهم  

آخر ما حملته لنا الأخبار القادمة من شمال سوريا هو وفاة 3 أشخاص، بينهم طفل، خلال الـ 48 ساعة الماضية، وأن هناك 608 مرضى بحاجة لإجراء علاج إسعافي عاجل، في المستشفيات التركية، من أصل 3300 مريض بحاجة لعلاج مستمر. أرقامٌ مخيفة قد تتناقص غدًا أو بعد ساعة فقد، فالمعابر بين الشمال المحرر وتركيا لا تزال مُغلقة، ولا أحد يعلم متى تُفتح. الأحرى أننا لا نعلم رقم الوفيات الذي يجب تسجيله لكي يفتح الأتراك المعابر.

المفارقة أن المعابر المغلقة في وجه مرضى السرطان، هي ذاتها التي يدخلُ منها المرحّلون من تركيا. أو، بحسب الأتراك، العائدون طوعًا إلى المناطق الآمنة. والأخيرة هي المناطق نفسها التي دمّرها الزلزال ولا تزال تعاني من آثاره، وهي المناطق نفسها التي تقصفها قوات النظام بين وقتٍ وآخر، وهي المناطق نفسها التي يُعاني سكان مخيماتها الكثيرة الممتدة من الحر الشديد، وهي المناطق نفسها التي ينتظر سكانها أن تُفتح المعابر ويدخل مرضاهم إلى تركيا لتلقي العلاج.

لا نعرف في أي المأساتين نفكر أكثر، وعن أيهما نكتب أكثر، مرضى السرطان أم أولئك الذين لا تزال ملامح وجوههم الخائفة والمذعورة أثناء اعتقالهم بهدف ترحيلهم عالقة في رؤوس الكثير منا. هؤلاء الذين فرحوا بفوز أردوغان لسبب وحيد وهو اعتقادهم بأن حكومته لن ترحّلهم، وبأنهم أصبحوا في أمان بعد شهور طويلة من القلق الذي كانت تغذيه خطابات ووعود المعارضة بترحيلهم إن وصلت إلى السلطة، وبأن العنصرية التي عانوا منها قبل 28 أيار/ مايو، لن يُعانوا منها بعد هذا اليوم الذي كان ربما الأطول في حياة السوريين بعد ليلة الـ 14 من الشهر نفسه.

نعرف أن ما يحدث اليوم ليس جديدًا على الإطلاق، سواء تعلق الأمر بمرضى السرطان في الشمال المنكوب أو السوريين الذين رُحِّلوا وأولئك الذين دفعهم خوفهم من الترحيل إلى إغلاق أبواب بيوتهم على أنفسهم حتى انتهاء الحملة. فما يحدث هو القاعدة لا الاستثناء. لكنه، مع ذلك، يدفعنا للتساؤل بمرارة وحسرة عما إذا من الممكن أن ينتهي ما سبق، وإذا كنا لا نزال قادرين على تحمّل ما سيأتي فيما بعد.