15-مارس-2017

يوسف إدريس (1927 - 1991)

لم يجد عدد من الأدباء والنقاد والمثقفين إلا الاختلاف مع شعبان يوسف على ما جاء في كتابه الأحدث "ضحايا يوسف إدريس وعصره". في الندوة، التي نظمتها أمانة المؤتمرات بالمجلس الأعلى للثقافة، التابع للحكومة المصرية، لمناقشة "يوسف إدريس وعصره"، الصادر عن دار "بتانة" للنشر في القاهرة، بمشاركة أحمد مجاهد وأحمد بهاء الدين شعبان ومحمد الشحات ونبيل عبد الفتاح.

هل كاريزما يوسف إدريس أم علاقته بالسلطة هي التي مكنته من هذه المكانة أم أن لغته الخاصة هي التي جعلته متفرّدًا؟

وقع شعبان يوسف، المعروف بـ"جبرتي الثقافة المصرية"، بين رأيين، الأول يرى أن كتابه عن يوسف إدريس (1927-1991) في حاجة إلى تدقيق المعلومات، وإعادة قراءة التاريخ بشكل أكثر حيادية، والثاني يقول إنه ألقى حجرًا في مياه الدعوة لإعادة قراءة التاريخ المصري بأكمله.

اقرأ/ي أيضًا: نوال السعداوي.. ممنوعة في الخامسة والثمانين!

يطرح يوسف في مقدمة كتابه سؤال: هل كاريزما يوسف إدريس أم علاقته بالسلطة هي التي مكنته من هذه المكانة أم أن لغته الخاصة هي التي جعلته متفرّدًا؟ وعددًا من الأسئلة حاول بطول الكتاب أن يجيب عنها. لم ينكر الباحث موهبة يوسف إدريس الطاغية، لكنه لم يستبعد كتاب قصة آخرين عاصروه كانوا في نفس موهبته، وربما غلبوه، ورغم ذلك ظلوا في خلفية اللوحة الإبداعية. يفسّر ذلك بأنّ إدريس وجد ضالته وملاذه في المشهد السياسي الذي ظهر به. اليسار، الذي سيطر على الحركة النقدية أيضًا، قاد بعض المبدعين، غير المحسوبين عليه إلى الانسحاب من المشهد (إمَّا بالعزلة أو بتحويل الدفة إلى قالب إبداعي آخر مثل المسرح)، فوجد يوسف إدريس الطريق مفتوحًا له ليحلِّق منفردًا بعد مجموعة "أرخص ليالي"، أنجح أعماله.

يعرج شعبان يوسف إلى سيرة إدوارد الخراط، الذي فتح أرضًا جديدة في السرد القصصي في ظلّ سطوة طريقة السرد الإدريسي (الخاص بإدريس)، فاعتبره عموم النقاد والقراء صوتًا نشازًا، واكتشفوا فيما بعد أنه لحن أصيل وممتع بالنسبة إلى من يريد الاستمتاع بالفن لا الدروشة، والهيام في حب أشخاص. كاريزما يوسف إدريس في الحالة الأخيرة كانت تحسم النجومية لصالحه.

اختفى، أو -على الأقل- تضاءل إلى جواره أبناء جيله من القصَّاصين، مثل يوسف الشاروني وأبو المعاطي أبو النجا ولطفي الخولي ومصطفى محمود ونعمان عاشور، رغم أنهم كتبوا القصة بحرفية عالية، ليس فقط لأنهم كانوا أقلّ منه، إنما لأنهم لم يكونوا يوسف إدريس.

لم يكتب عبد المعطي حجازي إلا قصيدة وحيدة لامعة، ورغم ذلك حجز مقعدًا بين أهم الشعراء

المعجبون بإدريس، لا دراويشه، تفاعلوا إيجابًا مع ما يقوله شعبان يوسف، ففهموا ما أحاط بظروف صعوده ولمعان اسمه، لم تكن الكتابة فقط، إنما العلاقة بينه وبين السلطة، فقد قاده ظرفًا سياسيًا إلى القمة، لأنه كان يهاجم وينتقد الحكومة ويعرف "المساحات المفتوحة" التي يخوض فيها بالنقد دون أن تزلّ قدماه في وحل غضب السلطة. ويستفيض شعبان في شرح فكرته: "ظرف سياسي معين وشلة أصدقاء متماسكة ذات صوت وسطوة وحصانة إعلامية متمكنة من الممكن أن تصنع سوبر ستار وتدهس من هو في نفس القامة والقيمة وتضعه للأسف في مصاف الكومبارس".

اقرأ/ي أيضًا: اعترافات نجيب محفوظ في حوار مجهول

تعامل شعبان يوسف مع يوسف إدريس كظاهرة مرحلة، اعتبره شبيهًا بأحمد عبد المعطي حجازي، الذي لم يكتب إلا قصيدة وحيدة لامعة "مرثية لاعب سيرك"، ورغم ذلك حجز مقعدًا بين أهم الشعراء، فهذا كان نجم مرحلته بسبب ظرف سياسي أيضًا، وهو قربه من الرئيس الأسبق حسني مبارك. 

يستدلّ شعبان يوسف على ذلك بسؤاله الناقد فاروق عبد القادر عمّا يعيش ليوسف من أعمال بعد وفاته، فقال له: "خمس قصص فقط". يومها ذهل الباحث جدًا، وفهم أنّ السياسة تلعب دورًا كبيرًا في التهميش والتضخيم.. فقرر النبش في التاريخ. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

مقهى فلسفي في الجزائر.. عرس الأسئلة

تريد أن تقتل بضمير مرتاح؟ كونيسا يجيبك