17-مايو-2019

غرافيتي في القاهرة (Pinterest)

ألترا صوت – فريق التحرير

تنهمك الرواية المصرية الجديدة في قضايا المجتمع المصري وتحولاته الأخيرة راسمةً ملامح الواقع المرير. هنا وقفة مع 5 روايات صدرت في السنوات الأخيرة.


1- جمهورية كأن

يقول الروائي المصريّ علاء الأسواني في روايته "جمهورية كأنَّ" (دار الآداب، 2018) أنّ المصريّين "يعيشون في مجموعة أكاذيب تبدو كلّها حقيقة. يُمارسون طقوس الدين فيبدون كأنّهم متديّنون، لكنّهم في الحقيقة فاسدون تمامًا. كلّ شيء في مصر يبدو وكأنّه حقيقي، لكنّه كذب في كذب، بدءًا من رئيس الجمهورية الذي يحكم بانتخابات مزوّرة، لكنّ الشعب يهنّئه بالفوز فيها". بهذه الكلمات، يختزل الأسواني واقع المجتمع المصري المرير، بعد خروج الدكتاتورية من حصونها أخيرًا، ومهاجمتها الشعب بعد أن ظلّت لسنواتٍ قصيرة تُدافع عن نفسها أمام ضرباته الموجعة. بهذا الشكل، بدت الرواية التي أثارت جدلًا كبيرًا ودفعت بكاتبها إلى المحاكم العسكرية في مصر، أقرب إلى رثاءٍ لحال مصر اليوم، بعد أن كانت على بعد خطواتٍ من تغيير وجهها للأبد. إنّها رثاء لثورةٍ لم تستطع الصمود طويلًا تحت ضربات العسكر، ومن تحصّن في خنادقهم من رجال أعمال وإعلاميين وسياسيين فاسدين.

وضع علاء الأسواني في "جمهورية كأنّ" جُملة من الشخصيات المختلفة والمتناقضة، وذلك في سياق استعادته لذكرياتٍ أليمة عاشها المصريون. فهناك من يمثّل الشباب الثائر بمختلف تياراته وطبقاته. وهناك أبناء الطبقات البرجوازية الذين تخلّوا عن مصالح طبقتهم لأجل الثورة. على الجانب المقابل، هناك من باع وتخلّى عن مبادئه مقابل الوصول إلى مواقع صنع القرار داخل السلطة. بالإضافة إلى الإعلاميين الانتهازيين، ورجال الأعمال الذين وضعوا ثرواتهم في خدمة القضاء على الثورة.

2- كحل وحَبَّهان

قدّم الكاتب عمر طاهر في كتابه الأخير "كحل وحَبَّهان" (الكرمة للنشر، 2018) رواية عن المطبخ المصريّ. جمع صاحب "صنايعية مصر" بين الأدب والطعام من خلال شخصية عبد الله الذي لا ينفكّ يصرّح عن حبّه الكبير للطعام. ولكنّ هذا الحب يتجاوز معناه المعروف والتقليدي ويذهب أبعد من ذلك. حيث يحوّل عبد الله، مدفوعًا بفضوله، هذا الحب إلى اهتمامٍ خالصٍ بتفاصيل وفلسفة المطبخ والطعام المصريّ. يحدّثنا عن "أكلةٍ" ما قبل أن يحدّثنا عن أثرها على الناس، هو الذي بدا جوعه داخل الرواية "مقرفًا" بفعل تصرّفات صبيانية مثل مراقبة مطابخ الجيران.

عبد الله أو "ساسكو" كما يُعرف داخل العمل، يقدّم للقارئ ما يمكن أن نسميه سيرة ذاتية عن الطعام، ومتعة صناعته قبل الشروع بتذوقه بعد ذلك. إنّه فتنة، يصفه بطل العمل قبل أن يبدأ بتقديم نصائح لطهو المأكولات التي يأتي على ذكرها. "الإخلاص في طهي البامية يقوم على حسن اختيار الثمار، وجودة تقليمها بإزالة الرأس والذيل والحروف الغامقة فتصبح زاهية براقة، مع أهمية فرم الثوم والبصل إلى أقصى درجة نعومة ممكنة، حتى تتشرب الحبات الخضراء الصلصة فتحافظ على عصارتها بدون لزوجة، نصف معلقة سكر أثناء طهي التسبيكة تجلب السحر، وقرن فلفل حامي ومعلقة كمون ونصف ليمونة قبل تمام النضج تحول الأمر كله إلى فتنة لن ينجو منها أحد".

3- عيّاش

رواية أحمد مجدي همّام "عيّاش" (دار الساقي، 2017)، تقف في المنطقة الفاصلة بين اضطّرابات المجتمع المصريّ من جهة، والتحوّلات التي طرأت عليه بفعل هذه الاضطّرابات من جهةٍ أخرى. تضعنا الرواية أمام هذا المجتمع وهو يعيش جُملةً من الخيبات المتراكمة منذ ثورة كانون الثاني/ يناير، وصولًا إلى الثورة المضادّة. نعرف أن الأخيرة أغرقته بالفساد، وخيّرت بشره كذلك بين أن يكونوا ضحايا، أو جلّادين، حيث لا خيار ثالث، ولا مكان لمن يودّ الوقوف على الحياد أيضًا. تتكشّف للقارئ مدى قابلية السلطة الجديدة لتأمين صعود من يقف في صفّها، ومدّ يد العون له ليكون بالقرب من مراكز صنع القرار، وكبار مسؤولي مؤسّسات الدولة الفاسدة. ولكن، في المقابل، يتّضح أنّ هذا الصعود ليس مضمون النتائج، وأنّ السقوط السريع يهدّد الفرد بين الحين والآخر، ما يعني أنّ هذه الشخصيات مضطّرة لأن تكون قربانًا عند الضرورة لمن يُديرها، أو يموّلها.

يحكي همّام للقارئ كلّ هذه التفاصيل من خلال شخصية عمر عيّاش الذي يُعاني عقدة جنسية وأخرى مهنية. يُعالج الأخيرة من خلال العمل في جريدة تضعه بالقرب من رجال السلطة، حيث سيعمل مخبرًا عند لواءٍ يضمن له الترقيات داخل الجريدة، مقابل تصيّد هفوات زملائه وهو يقطع مكاتب الجريدة ذهابًا وإيابًا. ولكنّ السبب الحقيقي وراء عمل عيّاش عند اللواء لم تكن الترقيات بقدر ما كانت رغبته بأن يكون جلّادًا لئلا يكون ضحية لهذه الطبقة الفاسدة.

4- كلّ هذا الهراء

من خلال حوارٍ طويلٍ يمتدّ على ليلتين بين بَطلي رواية "كلّ هذا الهراء" (الكرمة للنشر، 2017)، يضع الروائي عز الدين شكري فشير القارئ وسط جُملةٍ من الأحداث التي شكّلت ملامح مصر على مدار 5 سنوات، وربّما طيلة ما يعادلها وأكثر من السنوات القادمة. صاحب "عناق عند جسر بروكلين" مرّ في روايته هذه على ثورة يناير باعتبارها حدثًا فاصلًا في التاريخ المصريّ. وعرض الأوضاع الاجتماعية الكارثية للمجتمع المصريّ، وانهيار منظومة القيم والأخلاق. كما صوّر فشير للقارئ طريقة تعامل رجال الأمن مع المواطنين، وكتب عن أحداث فضّ اعتصام ميدان رابعة. وفرد في الرواية مساحةٍ قليلة تناول فيها قضية المثليين.

شخصيات رواية "كلّ هذا الهراء" اقتصرت على أمل وعمر. الأولى ابنة ضابط متقاعد هاجر إلى أمريكا وورّث ابنته بعد وفاته معاناةً مع قضية التباس الهوية الثقافية. فهي لا تعرف إن كانت مصرية مسلمة أو أمريكية متحرّرة. وحين وجدت في ثورة يناير السبيل للخروج من هذه المعاناة، فشلت الثورة في تحقيق ما خرجت تُطالب به بعد انقلاب العسكر. الشخصية الثانية، عمر، واحد ممكن كانوا معتصمين داخل ميدان التحرير، يروي لأمل في فراشهما حكايات رفاق الميدان، وهروبه من مزرعة لتنظيم القاعدة في السودان إلى مصر بعد اندلاع الثورة.

5- الوصايا

يكتب عادل عصمت في روايته "الوصايا" (الكتب خان، 2018) حكاية عائلةٍ تسكن إحدى قرى محافظة الغربية في مصر. الحكاية تبدأ عند الجد، وتنتهي عند الحفيد، وتمتدّ لأكثر من 50 عامًا، يعرض فيها عصمت التحوّلات السياسية والاجتماعية وآثارها على بلدةٍ ريفية صغيرة تقع في محافظة الغربية. نقرأ حكاية هذه العائلة على لسان الجد الذي يقصّها على حفيده بعد أن تقدّم في السن، وصار ممدًا على فراش الموت. تتحوّل كلّ حكاية ما إن تصل إلى نهايتها إلى وصيةً يوصيها الجد للحفيد؛ "خلاصك في مشتقّتك"، و"إياك والعمى"، و"المتعة عابرة كالفرح"، و"كن يقظًا وقت الفرح"، و"الثروة مثل الدابة عليك أن تسوقها"، و"احذر أن تقتل أخاك"، و"الأحزان سموم القلب". بالإضافة إلى "تحمّل الألم"، و"المحبة دواء أيام الباطل"، و"أعظم الفضائل دواء أيام الباطل".

هكذا تشكّلت داخل الرواية عشر حكاياتٍ لا تخرج غالبًا عن إطار القرية، تعرض للقارئ تطوّر المجتمعات الريفية من جهة، ومن جهةٍ أخرى تشدّد على أهمية العادات والتقاليد في هذه المجتمعات من جهةٍ أخرى أيضًا، حيث أنّها غير قابلة للمساس، ولا للتطوّر أو التبدّل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

3 مجموعات قصصية سورية

3 روايات مصرية صارت أفلامًا