19-أغسطس-2023
gettyimages

بحسب التقديرات الأمريكية، فإن الأسابيع الأولى من الهجوم الأوكراني المضاد كانت صعبةً (Getty)

بعد مرور أكثر من عام ونصف على انطلاق حرب أوكرانيا، فإن أرقام القتلى والجرحى الرسمية، سواء من روسيا أو أوكرانيا، لم تكشف للعلن بشكلٍ واضح، كما أن التحديثات فيها تصدر بشكلٍ متباعد، مع شكوك في صحتها.

وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، أن حجم الخسائر بين القوات الأوكرانية والروسية منذ بداية الحرب يصل إلى نصف مليون بين قتيل وجريح.

ووصفت الصحيفة الامريكية الرقم بـ"المذهل"، مع استمرار الحرب، وبقاء الرقم مرشحًا للارتفاع، خاصة مع اشتداد وتيرة المعارك في خضم الهجوم الأوكراني المضاد، وتزايد عمليات القصف التي تشهدها المدن الأوكرانية.

ونقلت "نيويورك تايمز"، عن مسؤولين أمريكيين، تقديرهم بأن الخسائر العسكرية الروسية تقترب من 300 ألف، ويشمل العدد ما يصل إلى 120 ألف جندي قتيل، وما بين 170 إلى 180 ألف جريح.

ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، أن حجم الخسائر بين القوات الأوكرانية والروسية منذ بداية الحرب يصل إلى نصف مليون بين قتيل وجريح

أما بخصوص الخسائر الأوكرانية، فإن التقديرات الأمريكية تدور، حول أن عدد القتلى يقترب من 70 ألف قتيل، وما بين 100 إلى 120 ألف جريح.

وتقول إحصائيات حول القدرات العسكرية في ساحة المعركة، إن أوكرانيا تمتلك نحو 500 ألف جندي، من ضمنهم القوات العاملة وقوات الاحتياط والقوات شبه العسكرية، فيما تمتلك روسيا ثلاثة أضعاف هذا العدد تقريبًا، برقم يصل إلى مليون و300 ألف جندي من القوات العاملة، وقوات الاحتياط والقوات شبه العسكرية، ومعظم هذه الأخيرة من مجموعات "فاغنر".

آخر تقرير رسمي أمريكي

وجاء آخر تقدير علني لإدارة بايدن لعدد ضحايا الحرب في أوكرانيا، في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، عندما صرح رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي، أن أكثر من 100 ألف جندي من كل جانب قُتلوا أو جرحوا منذ بدء الحرب في شباط/فبراير 2022. 

زكي وزكية الصناعي

وفي ذلك الوقت، قال مسؤولون في جلسات خاصة إن الأعداد تقترب من 120 ألف قتيل وجريح، لكن هذا الرقم ارتفع في شتاء العام الماضي وربيع هذا العام، بعد أن خاضت قوات البلدين معارك طاحنة في مدينة باخموت شرق أوكرانيا. 

وقال مسؤولون أمريكيون، إن مئات الجنود كان يقتلون ويصابون يوميًا لعدة أسابيع، حيث تكبد الروس خسائر فادحة خلال هجومهم على المدينة، وهو ما حدث كذلك مع الأوكرانيين عندما حاولوا الدفاع على كل شبر من المدينة قبل أن يخسروها في أيار/مايو الماضي.

خسائر الهجوم الأوكراني المضاد

كما كانت الأسابيع الأولى من هجوم الأوكراني المضاد هذا الصيف صعبة بشكل خاص على أوكرانيا، فقد خاضت القوات الأوكرانية التي تدربت في الغرب لاستخدام "مناورات الأسلحة المشتركة"، وهي طريقة للقتال يتم فيها استخدام المشاة والدروع والمدفعية معًا في هجمات متزامنة، معارك صعبة في مرحلة مبكرة.

وحاولت القوات الأوكرانية في البداية اختراق خطوط الدفاع الروسية المحصنة بتشكيلات من أسلحة ميكانيكية مشتركة. 

getty

وعلى الرغم من أن الأوكران، كانوا مجهزين بأسلحة أمريكية متطورة، إلا أنهم غرقوا في حقول الألغام الروسية الكثيفة تحت نيران مستمرة من المدفعية وطائرات الهليكوبتر الحربية.

وفي الأسبوعين الأولين من الهجوم المضاد، ووفقًا لمسؤولين أمريكيين وأوروبيين، تضرر أو دمر ما يصل إلى 20% من المعدات العسكرية والأسلحة المشاركة في الهجوم بساحة المعركة، وشملت الخسائر بعض الآليات القتالية الغربية الحديثة، من بينها دبابات وناقلات جند مدرعة، التي كان الأوكران يعتمدون عليها لدحر الروس. وقال مسؤولون إن الأهم من ذلك أن آلاف من الجنود قتلوا أو جرحوا.

وأقر مسؤول أمريكي كبير بارتفاع عدد الضحايا الأوكران، لكنه قال إنه في الأيام الأخيرة، بدأت القوات الأوكرانية بضرب الخطوط الأولى للدفاعات الروسية.

وفي الأسابيع الأخيرة، غيرت أوكرانيا تكتيكاتها في ساحة المعركة، وعادت إلى أساليبها القديمة في إضعاف القوات الروسية، وذلك عبر استعمال المدفعية والصواريخ بعيدة المدى، بدلًا من الانغماس في حقول الألغام التي تعرضها لإطلاق النار.

ويشعر المسؤولون الأمريكيون بالقلق من أن خطة التعديلات الأوكرانية للهجوم المضاد لن تكون سريعة، بسبب إمدادات الذخيرة الثمينة، التي يمكن أن تفيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتضر بأوكرانيا في حرب استنزاف. لكن، القادة الأوكران قرروا أن سياساتهم الجديدة ساهمت في خفض عدد الضحايا وحافظوا على قوّتهم القتالية في الخطوط الأمامية.

getty

رقم يتجاوز عدد قتلى القوات الأمريكية في فيتنام

وفي غضون عام ونصف العام فقط، تجاوز عدد القتلى العسكريين الأوكرانيين عدد قتلى القوات الأمريكية خلال ما يقرب من عقدين من الزمن، حيث قتل  في فيتنام 58 ألف جندي أمريكي، ويقارب عدد القتلى من قوات الأمن الأفغانية خلال الحرب بأكملها في أفغانستان، حيث قتل من 2001 إلى 2021، نحو 69 ألف جندي أفغاني.

كما تلفت "نيويورك تايمز"، أن العدد المرتفع، يشير أيضًا إلى نقص الرعاية الطبية السريعة على خط المواجهة. إذ تزداد صعوبة إجلاء الجنود الجرحى نظرًا إلى مقدار استعمال المدفعية وإطلاق النار الذي يوقف كل اشتباك. عكس الحروب الأمريكية في أفغانستان والعراق، حيث التزمت القوات الأمريكية، بصرامة، بإجلاء المصابين في غضون ساعة إلى منشأة طبية جيدة التجهيز، لكن لا توجد مثل هذه الإمكانيات في أوكرانيا.

وبدلاً من ذلك، غالبًا ما يتم نقل المصابين في أي مركبة متاحة أو ترك ساحة المعركة سيرًا على الأقدام، وفي بعض الحالات، يُترك الجرحى والقتلى في ساحة المعركة، بسبب عدم تمكن المسعفين من الوصول إليهم. وغالبًا ما تكون المستشفيات ونقاط الإغاثة مكتظة.

رقم مرشح للارتفاع

وفي أوكرانيا، وعبر المدن الكبرى والقرى الريفية، يعرف الجميع تقريبًا عائلة فقدت أحد أفرادها في القتال.  وبحسب الصحيفة الأمريكية، تستند الأرقام المقدرة لأوكرانيا وروسيا إلى صور الأقمار الصناعية واعتراض الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الإخبارية من المراسلين في البلاد، فضلًا عن التقارير الرسمية من الحكومتين.  وتختلف التقديرات، حتى داخل الحكومة الأمريكية.

ووفقًا لوثائق البنتاغون التي تم تسريبها في الربيع، فقد تكبدت روسيا 189500 إلى 223000 ضحية، بما في ذلك ما يصل إلى 43000 قتيل في المعارك. 

وذكرت إحدى الوثائق أنه حتى شباط/ فبراير الماضي، تكبدت أوكرانيا ما بين 124500 و131000 قتيل. بينما قال العديد من المسؤولين الأمريكيين، ومسؤول أوكراني كبير سابق إن نحو 70 ألف جندي أوكراني لقوا حتفهم في الصراع حتى الآن، قال مسؤولون أمريكيون آخرون إن العدد قد يكون أقل.

getty

وتختلف التقديرات على نطاق واسع بسبب إحجام أوكرانيا عن الكشف عن خسائرها في زمن الحرب حتى للحكومة الأمريكية. كما أمضى محللو الاستخبارات الأمريكية وقتًا أطول بكثير في التركيز على خسائر الروس مقارنةً بخسائر أوكرانيا، حليفتهم.

ويقول محللون روس، إن الخسائر في الأرواح من غير المرجح أن تردع بوتين، فهو لا يملك معارضة سياسية في الداخل، وقد صاغ الحرب على أنها نوع الصراع الذي واجهته بلاده خلال الحرب العالمية الثانية، عندما مات أكثر من 8 ملايين جندي سوفيتي. قال المسؤولون الأمريكيون إنهم يعتقدون أن  بوتين يمكن أن يتكبد مئات الآلاف من الضحايا في أوكرانيا، على الرغم من أن أعدادًا أكبر قد تقلل من دعمه السياسي.

وبينما يبدو  الرئيس الروسي مترددًا إلى حد ما في بدء تعبئة واسعة النطاق، فقد رفع الحد الأقصى لسن الرجال المؤهلين للتجنيد في الجيش. وإذا قررت روسيا حشد المزيد من الناس، فإن عدد القوات يمكن أن يتجاوز بسرعة احتياطيات أوكرانيا من القوى العاملة، التي ستترك الخسائر تأثيرات كبيرة عليها في أرض المعركة.

ميليتوبول أحد أهداف الهجوم المضاد

وفي سياق متصل مع سير المعارك على الأرض، نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مصادر مطلعة، أن تقييم الاستخبارات الأمريكية، يشير  إلى أن الهجوم المضاد للقوات الأوكرانية لن يمكنها من تحقيق هدفها بقطع الجسر البري بين روسيا وشبه جزيرة القرم. 

ووفقًا للتقييم الاستخباراتي الأمريكي، فإن القوات الأوكرانية نجحت في التقدم على محاور عدة وحققت مكاسب تدريجية، لكنها لم تنجح حتى الآن في اختراق خط الدفاع الرئيسي للقوات الروسية.

وبحسب مسؤولي الاستخبارات الأمريكية، فإنهم لا يعتقدون أن القوات الأوكرانية يمكن أن تصل إلى مدينة ميليتوبول الاستراتيجية في جنوب شرق البلاد، معتقدين أن أحد الأهداف الرئيسية للهجوم الأوكراني المضاد سيفشل. 

بودكاست مسموعة

وقال مسؤولون أمريكيون، إن القوات الأوكرانية، التي تتجه نحو ميليتوبول من بلدة روبوتين على بعد أكثر من 50 ميلًا، ستبقى على بعد عدة أميال خارج المدينة. 

وتعتبر مدينة ميليتوبول، ذات أهمية بالغة  للهجوم الأوكراني المضاد لأوكرانيا، لأنها تعتبر البوابة إلى شبه جزيرة القرم. وتقع المدينة عند تقاطع طريقين سريعين مهمين، وخط سكة حديد يسمح لروسيا بنقل العسكريين والمعدات من شبه الجزيرة إلى الأراضي التي تحتلها في جنوب أوكرانيا.

وقال المحلل العسكري في معهد أبحاث السياسة الخارجية روب لي، إن "الطريق إلى ميليتوبول يمثل تحديًا كبيرًا، وحتى استعادة مدن أقرب مثل توكماك ستكون صعبة"، وأضاف "لروسيا ثلاثة خطوط دفاعية رئيسية هناك ثم مدن محصنة بعد ذلك، الأمر ليس مجرد سؤال حول ما إذا كان بإمكان أوكرانيا خرق واحد أو اثنين منهم، ولكن هل يمكنهم اختراق الثلاثة، وهل لديهم ما يكفي من القوات المتاحة بعد الاستنزاف لتحقيق شيء أكثر أهمية مثل السيطرة على توكماك أو شيء ما بعد ذلك".

في سياق متصل مع سير المعارك على الأرض، نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مصادر مطلعة، أن تقييم الاستخبارات الأمريكية، يشير  إلى أن الهجوم المضاد للقوات الأوكرانية لن يمكنها من تحقيق هدفها بقطع الجسر البري بين روسيا وشبه جزيرة القرم

وكانت مدينة ميليتوبول واحدة من أولى المدن التي وقعت تحت سيطرة القوات الروسية مع بداية غزوها الشامل في شباط/فبراير 2022 ، وهي الآن هي هدف رئيسي في الهجوم المضاد.

معركة طويلة وبطيئة ودموية

هذا، وذكرت الصحيفة الأمريكية أن مسؤولًا رفيعًا في إدارة الرئيس جو بايدن كشف أن المشكلة تتمثل في اختراق الخط الدفاعي الرئيسي للقوات الروسية، مستبعدًا أن تكون مقاتلات "إف-16" أو الصواريخ طويلة المدى ستشكل حلًا حاسمًا لهذه المعضلة.

وفي مقابلة هذا الأسبوع ، قال  رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي، إن "الولايات المتحدة كانت واضحة بشأن المهمة الصعبة التي تواجه أوكرانيا"، وأضاف خلال مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست": "لقد قلت منذ شهرين أن هذا الهجوم سيكون طويلًا، وسيكون دمويًا وسيكون بطيئًا، وهذا بالضبط ما هو عليه الآن: طويل، دموي، وبطيء، وهي معركة صعبة للغاية".