19-أكتوبر-2017

تمت التضحية بمروج إبراهيم لكن اللامهنية متواصلة في الإعلام المصري (تويتر)

تكرر خلال الأيام القليلة الماضية اسم المذيعة المصرية مروج إبراهيم عقب حوارها التلفزي مع المؤرخ المصري عاصم الدسوقي، الحوار الذي اتسم بانعدام المهنية الإعلامية والخروج عن سياق الأدب واحترام الضيف، حيث لم تتح المذيعة الفرصة للضيف كي يرد على كلامها واستطردت في الحديث والهجوم غير المبرر على المؤرخ كخيل بلا لجام، بما يتعارض مع مبادئ المهنية صحفيًا.

عوقبت المذيعة مروج إبراهيم بعد حوارها اللامهني لكن أسماء غيرها اقترفت جرائم مهنية ولم تعاقب مما يعكس أن التعاطي ليس محايدًا

تسبب هذا الخطأ في إيقاف المذيعة مروج إبراهيم عن العمل وتحويلها للتحقيق من قبل مؤسستها الصحفية لخروجها عن قواعد "مدونة السلوك المهني" كما ذكرت القناة في البيان الذي أصدرته اعتذارًا عما ورد على الشاشات، ولكن هذه الحالة ليست الأولى التي تعكس لا مهنية الإعلام المصري، كما أن التعاطي مع هذه الحالات متغير، حسب معطيات عدة.

لماذا تم إيقاف مروج إبراهيم؟

لا يمكن إنكار أن المذيعة مروج إبراهيم لم تلتزم بالقواعد المهنية لإدارة الحوار، كما بدت غاضبة ومنفعلة وهجومية بشكل غير مبرر، ولم تُعط الكلمة لضيفها كي يعبّر عن رأيه، وأنهت الحوار بشكل مهين حد الوقاحة، ولكن كل تلك الأسباب قد لا تكون كافية لإيقافها خاصة أنها ليست المذيعة الأولى التي ترتكب أخطاءً مهنية فادحة ويتم التغاضي عنها، ولكن في الإعلام المصري لا قاعدة محددة تحكم سير الأمور، فهناك مذيعات ومذيعون ارتكبوا أخطاءً بسيطة ولكنها كانت فادحة في رأي النظام وبالتالي تم إيقافهم عن العمل، كمذيعة التلفزيون المصري منى شكر التي استبدلت دون قصد جملة "الرئيس المعزول محمد مرسي" بجملة "السيد الرئيس محمد مرسي" وفي المقابل هناك آخرون ارتكبوا جرائم مهنية على الشاشات دون أن يتم إيقافهم أو محاسبتهم.. فما الأزمة هذه المرة لكي تُثار كل هذه الضجة؟

يشير بعض الأشخاص إلى قرب المؤرخ عاصم الدسوقي من النظام الحالي وعلاقاته الواسعة برجال الدولة، ولم يكن من الذكاء أن تشتبك المذيعة بحدة مع شخص بحجم عاصم الدسوقي، خاصة أنه له دوره في دعم النظام الحالي لعبور أكبر أزمة سياسية مرت عليه وهي قضية تيران وصنافير، حيث كان عاصم الدسوقي أحد أهم المنظّرين الذين استند عليهم النظام لإثبات ملكية تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، حتى أنه زعم في إحدى اللقاءات أن دماء المصريين لم تسل على الجزيرتين، وأن الجزيرتين تعودان للسعودية، ومصر تديرهما منذ 1950، كما له مشاجرات فكرية أخرى، كهجومه الأخير على الروائي والمفكر يوسف زيدان بسبب تشكيك الأخير في نضال الشخصيات التاريخية التي تُدرّس في المناهج التعليمية كصلاح الدين الأيوبي وأحمد عرابي، فيظهر عاصم الدسوقي من جديد للتأكيد على هوية تلك الشخصيات والانحياز للرواية الرسمية التي تسوّقها الدولة للمواطنين وللطلبة في المدارس والكليات.

اقرأ/ي أيضًا: الشيخ "ميزو".. شيزوفرينيا الإعلام المصري

التحريض على المسيحيين في الإعلام المصري.. ناقوس الخطر

هناك حادثة محورية في الإعلام المصري، يمكن اعتبارها بمثابة علامة فارقة بين المرحلة التي سبقتها والتي تلتها، عندما خرجت المذيعة رشا مجدي على شاشات التلفزيون المصري إبان أحداث ماسبيرو 2011 وزيّفت الأحداث وأدلت بمعلومات خاطئة بوقوع ضحايا في صفوف الجيش المصري بأيادي الأقباط، وحرّضت المواطنين على العنف ضد الاعتصام السلمي للأقباط أمام مبنى ماسبيرو ما تسبب في وقوع عشرات الضحايا في صفوف الأقباط، وتحميل البلاد أزمات طائفية لولا احتواء الأوضاع في حينها.

كل ما صدر من الخطابات الإعلامية التي تبث الكراهية أو تحرض على العنف أو تحتوي على معلومات خاطئة، حتى تلك الخطابات الإعلامية التي صدرت خلال أيام ثورة 25 يناير بكل ما فيها من وقاحة وتدليس لا يمكن مقارنتها بما وصل إليه خطاب رشا مجدي من انحطاط مهني، وفي نظري مثل هذا الخطاب هو ما فتح الطريق لخطاب التحريض على العنف بشكل أكثر وضوحًا فيما بعد، مرورًا بفترة حكم الإخوان وتهديد بعض الإسلاميين لباقي فئات الشعب على القنوات الدينية، ووصولاً إلى التحريض على قتل المعتصمين بميدان رابعة العدوية.

كان تحريض المذيعة رشا مجدي ضد أقباط مصر إبان أحداث ماسبيرو 2011 منطلقًا لخطاب التحريض على العنف بشكل أكثر وضوحًا فيما بعد إعلاميًا

سنة حكم الإخوان وتصاعد الخطابات المتطرفة

شهدت سنة حكم الإخوان تصاعدًا كبيرًا في خطابات الكراهية من قبل بعض الإسلاميين على القنوات الدينية التي تم إغلاق بعضها بعد أحداث 30 يونيو، يرجع ذلك إلى فتح المجال العام أمام غير المؤهلين للحديث الإعلامي من رجال الدين والمنتمين لتيار الإسلام السياسي، وخلط خاطئ ما بين القضايا الدينية والصراعات السياسية، وعدم وجود هيئة رقابية لمحاسبة المحرضين أو عقاب إداري لمن يخرج عن المهنية.

فمن أبرز الخطابات التي لم تلتزم المهنية في تلك الفترة، بل حرّضت على القتل بشكل صريح، ذلك الخطاب الذي ذكر فيه أحد الشيوخ أن قتل الإعلامي باسم يوسف جائز ولكن ليس الآن!

وارتبطت الخطابات الإعلامية في تلك الفترة بانعدام المهنية وخروجها عن السياق وإقحام الحياة الشخصية للأفراد في الخلافات السياسية، وأبرز من تأذى من ذلك الوضع هو البرادعي، عندما تم التطرق لحياته الخاصة وحياة أسرته، وتم نشر صور لبنته برداء البحر وتم الترويج للعديد من الشائعات حول زواجها من شخص غير مسلم، وعلى الجانب الآخر كان الخطاب العنصري الذي طال زوجة الرئيس السابق محمد مرسي باعتبارها سيدة بسيطة بملابس "الفلاحين" ولا تصلح لتمثيل مصر في المناسبات الدبلوماسية.

اقرأ/ي أيضًا: الداعية معز مسعود.. موضة إعلام "الأسلمة" في مصر

ما بعد30 يونيو.. ذروة التطرف الإعلامي

وصل التطرف الإعلامي وعدم المهنية ذروتهم بعد أحداث 30 يونيو، ويستغل النظام ذلك لتمرير أجندته

وصل التطرف الإعلامي وعدم المهنية ذروتهما بعد أحداث 30 يونيو، ومستمرين على هذا الوضع حتى الآن، فشاهدنا التحريض المباشر على قتل المعتصمين في ميدان رابعة أو التحريض على التنكيل بمعارضي النظام الجديد دون وجه حق، كما ظهرت وجوه جديدة يعتمد عليها النظام القائم بقوة مثل الإعلامي عبد الرحيم علي الذي اعتمد برنامجه "الصندوق الأسود" على التجسس على مكالمات السياسيين الشخصية وعرضها على الملأ بهدف فضحهم، وغيرها من الأساليب الإعلامية القذرة التي كانت تستوجب العقاب القانوني، ومن المعروف أن الصحفي لا يُسأل عن مصادره، ولكن ما هي الطريقة التي يستطيع من خلالها الحصول على مكالمات شخصية مسجّلة وبثها دون إذن أصحابها وهو يأمن العقاب؟ الجواب يشير نحو طريقة واحدة، وهي التعاون مع الأجهزة الأمنية من أجل التلاعب بعقول المشاهدين.

كل تلك الحالات ما هي إلا أمثلة بسيطة لمواقف بارزة خلال السنوات القليلة الماضية، يوجد غيرها آلاف الخطابات الإعلامية الفاسدة، وبشكل يومي توجد خطابات جديدة بها تضليل معلوماتي أو أفكار رجعية أو تحريض على فئة بعينها دون أن يلقى صاحب تلك الأفكار حسابًا مناسبًا، فكما هو واضح أن الإعلام المصري مرتبط منذ سنين عدة بعدم المهنية، أما المواقف التي يتم اتخاذها ضد أشخاص بعينهم فتكون لها حسابات أخرى.

فبكل بساطة، لماذا لم يتم إيقاف إعلاميين مثل توفيق عكاشة وعبدالرحيم علي وريهام سعيد وغيرهم منذ حلقاتهم الأولى رغم كل الجرائم المهنية التي يرتكبونها في حق المهنة؟ الإجابة ببساطة أن لهم دورًا محددًا يؤدونه، وعندما ينتهي الدور، ينتهي معه صاحبه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الإعلام المصري وانتخابات اليونسكو: نظرية المؤامرة تقود كل شيء

"عسكرة" الإعلام المصري.. لم تعد الموالاة كافية!