29-نوفمبر-2016

سلفيون أمام المحكمة العسكرية في عمان (خليل مزرعاوي/أ.ف.ب)

يتناول الباحث الأردني محمد أبو رمان، في كتابه "أنا سلفي"، الصادر عن مؤسسة "فريدريش ايبرت"، المفاهيم والمراجع الفقهية والأشخاص، الذين ساهموا بنشوء السلفية، وتطورها في الأردن، معتمدًا في منهجية بحثه، على مقابلات أجراها مع بعض السلفيين الأردنيين، واستخدمها مرجعًا في كتابه، من خلال استعانته في السرد لعرض تاريخ الحركة السلفية، واتجاهاتها المتعددة.

من خلال أربعة فصول ومقدمة، يسعى الكتاب لتقديم تفسير لاتجاهات الحركة السلفية المتعددة، وكيفية تفكيرها، ورؤيتها لما يجري حاليًا، من صعود للتيار الجهادي، في الحركة السلفية؛ كما أنه، يلقي الضوء على انقسامات الحركة، والولاءات الدينية، التي وجدت داخلها، مما يظهر للقارئ، أن الحركة تعيش منذ نشأتها، حالةً من الصراعات الداخلية، كانت سمتها الأساسية، الاختلاف في تفسير النصوص الفقهية المؤسسة لنشأتها.

يبحث كتاب "أنا سلفي" في نشوء الظاهرة السلفية في الأردن وتطورها

اقرأ/ي أيضًا: دفاعًا عن "المجاهدين"!

يعيد أبو رمان تاريخ نشوء السلفية في العصر الحديث إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الذي أعاد إحياء "تراث ابن تيمية في التوحيد والعقائد"، مما جعله يدخل في صدام شديد، مع الحركات الأصولية، التي كانت تنشط، في شبه الجزيرة العربية. ويرى بأن كتيب "التوحيد" لعبد الوهاب، كان من ضمن المراجع الأساسية، لدى معظم السلفيين، ويضيف بأن السلفية في تلك المنطقة، خاضت حربًا مع الطرق الصوفية الأخرى، قبل أن يجري تقاسم السلطة، بين آل سعود وآل الشيخ، من خلال تولي "آل الشيخ للجانب الديني، وآل سعود للجانب السياسي". 

فالسلفية الوهابية استندت في موقفها من "السلطة السياسية على موقف السلفية التاريخية العام الداعي إلى وجوب طاعة الحكام"، وهو ما مكنها من فرض سيطرتها، على شبه الجزيرة العربية، قبل أن تستخدم النفط، في عصر "الثورة النفطية"، لتمويل نشاطاتها الدعوية، ما يجعلنا نلاحظ في المقدمة، أن معظم الحركات السلفية، إن لم يكن كافتها، في المنطقة العربية، نشأت، وتتلمذت، على يد أهم السلفيين السعوديين.

وإذا كانت المقدمة، تحاكي تاريخ نشوء السلفية، ومراحل تطورها، فإن الفصل الأول من الكتاب، يتحدث عن السلفية التقليدية، والتي تعود نشأتها إلى مدرسة ناصر الدين الألباني، إذ إن هذه المدرسة كانت تعلن باستمرار أن أهدافها "علمية وتربوية ودعوية بحتة، تقوم على مبدأ "التصفية والتربية" وترفض الولوج إلى العمل السياسي والحزبي والتنظيمي"، مضيفة اهتمامها بـ"العلوم الشرعية من خلال المنزلة الرفيعة والمركزية التي يحتلها مفهوم (طالب العلم) في أوساط هذا التيار". 

إلا أن المدرسة التي نشأت مع قدوم الألباني إلى الأردن، في بداية الثمانينيات، تعرضت للانقسامات الداخلية، بعد وفاته عام 2000، والتي يحيلها أبو رمّان إلى سبب "غواية العلم"، حيثُ إن العامل الرئيسي، الذي دفع بهم إلى أحضان السلفية، تمثل "فيما يظهره التيار السلفي من تقدير كبير واهتمام جوهري بموضوع (العلم الشرعي)، أي علم الدين وأحكامه وشريعته".

المدرسة السلفية التي نشأت مع قدوم الألباني إلى الأردن، تعرضت للانقسامات الداخلية

وتطرق الفصل الثاني من الكتاب، لتاريخ السلفية الجهادية، التي بدأت تنمو في بداية تسعينيات، القرن الماضي، بعد عودة "الأردنيين الأفغان" من الاتحاد السوفيتي، إلا أن النقطة التي أثرت في ظهور الحركة، وتسارع نموها، كانت في عودة "أبو محمد المقدسي" من الخليج، والذي لخص أفكاره للتيار، بجمعه لفكرتي "التوحيد والجهاد"، وتمثلت نقطة التحول الثانية، في خروج "أبو مصعب الزرقاوي من الأردن إلى أفغانستان" مع عددٍ من مناصريه.

اقرأ/ي أيضًا: غزوة مانهاتن.. الجهاد في زمن العولمة

ويرى أبو رمان أنه منذ تلك الفترة "انتقلت أبصار السلفيين الجهاديين الأردنيين إلى الخارج، نحو ساحات القتال في العراق واليمن، وبعضهم في أفغانستان، ثم حاليًا سوريا..". ويمكننا أن نلحظ من خلال حديث أبو رمان، أن الخلاف الداخلي في السلفية الجهادية، برز للعلن، مع ظهور كل من "جبهة النصرة" وتنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا، عن طريق "رسائل كل من المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني" التي كانت تثبت تأييد "جبهة النصرة" ضد تنظيم الدولة، في حين وقف عمر مهدي، أحد رموز التيار السلفي في الأردن، والذي يعد من أنصار أبو مصعب الزرقاوي، مع التنظيم ضد النصرة.

وتحدث الفصل الثالث من الكتاب، عن السلفية الحركية، التي حاولت التأرجح في التيارات السلفية، محاولة اشتقاق طريق ثالث لها، يتوسط السلفية التقليدية، ولاحقًا الجهادية. وإن كانت الثمرة الأولى للسلفية الحركية، تمثلت بتأسيس جمعية "الكتاب والسنّة" عام 1993، والتي أضحت فيما بعد "الإطار التنظيمي للتيار الحركي"، نجد أنها عانت، مثل باقي حركات التيار، بعضًا من الصراعات الداخلية في تلك الفترة، نتيجة صعود التيار الجهادي، إلا أنها استطاعت عام 2003، التخلص من هذا الصراع، والالتفات إلى الأعمال التعليمية، والثقافية، والخيرية، ليبرز نشاطها الإغاثي، في الفترة الأخيرة، بشكل واضح، من خلال دعمها للاجئين السوريين في الأردن.

ويتميز الفصل الرابع في الكتاب، بأنه يتناول، تجربة كل من حسن أبو هنية، ونارت خير، اللذين استطاعا الخروج من الحركات السلفية، ويعتبر أبو رمان أن تجربتهما ليست عابرة، نتيجة امتلاكهما "قدرًا مهمًا من المعرفة والفكر والثقافة" مما جعلهما يصلا إلى "مرتبة مميزة في الأوساط السلفية، مكانًة وعلمًا"، إضافة إلى أن علاقتهما بالسلفية لم تكن سطحية، بل كانت "ترجمة أمينة لرحلة روحية وفكرية قلقة، اختلطت فيها الأبعاد الفكرية الأيديولوجية بالواقعية والسلوكية، وامتزجت خبرة كليهما باللحظة التاريخية والأحداث التاريخية المهمة المؤثرة". 

فإذا كان وعي حسن أبو هنية، نشأ في ظل الصراع العربي-الإسرائيلي، والهزائم العسكرية، ومن ثم، معايشته "الجماهير القومية واليسارية والتحول في المزاج الشعبي نحو الاتجاه الإسلامي" مرورًا بالثورة الإيرانية، واغتيال السادات. فإن، وعي نارت خير، ولد على وقع هزيمة صدام حسين و"الشعور بالخديعة من الخطاب الديني، ما دفعه إلى الاشتباك مع الخطاب نفسه"، فالتجربتان في هذا الفصل، بحسب محمد أبو رمان، تعكسان "أزمة الأجيال الشابة العربية في متاهات الأيديولوجيا والسياسة، والبحث عن الذات والهوية والطريق للخروج من الواقع المنكوب بالأزمات والتخلف والضعف".

 

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا يفشل التنويريون الجدد؟

آخر أصدقاء سجن صيدنايا